التعديلات الدستورية: الشعب لا يبالي والمعارضة تعتبرها شهادة وفاة للدستور المصري

 شبكة النبأ: تشهد مسالة التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس حسني مبارك مستغلا الاكثرية المريحة لحزبه في البرلمان تطورات مثيرة وسط احتجاج المعارضة المصرية التي وصفت التعديلات بانها "شهادة وفاة للدستور المصري"، فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية التعديلات بأنها اخطر مساس بحقوق الانسان منذ اعلان حالة الطوارئ في مصر قبل 26 سنة. كما اعتبرت واشنطن من جانبها ان التعديلات مثيرة للقلق. بالاضافة الى عدم تحمس الشعب لهذه التعديلات وتخلخل ثقة المواطنين بالدولة.

ورفض البائع المتجول وصديقه اللذان كانا يرتشفان الشاي في وسط القاهرة الادلاء باسمهما كاملا غير أنهما سارعا الى القول انهما لن يشاركا في استفتاء على تعديلات دستورية لانهما يعتقدان أنه سيتم التلاعب بالنتائج.

وكانت اجابتهما مطابقة لاجابات أناس تحدثت اليهم رويترز بعد ما قالت الحكومة انها تعتزم اجراء استفتاء يوم 26 من مارس اذار الجاري على التعديلات الدستورية التي تصفها الحكومة بأنها اصلاحات بينما تراها المعارضة محاولة لتشديد قبضة الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم على السلطة.

وأقر مجلس الشعب التعديلات على الدستور لكنها لن تسري الا بموافقة أغلبية الناخبين في استفتاء عام. وتتضمن التعديلات اضافة نص الى الدستور يرسخ على ما يبدو سلطات كاسحة لاجهزة الامن في مجال احتجاز الاشخاص والتنصت.

وقال البائع الذي قال ان اسمه عبد الرحيم (29 عاما) "سترتب الحكومة النتائج على أي حال."

ورفض صديقه اعطاء اسمه لكنه قال ان كثيرا من المصريين يخشون ان هم صوتوا برفض التعديلات فربما يختفي أثرهم بينما انتقد محمد محمود الذي يمتلك متجرا التعديلات الدستورية ووصفها بأنها جريمة في حق الشعب المصري.

وقال "سيكون باستطاعة الشرطة أخذي من بين اطفالي في الليل دون اتهامات."

واضاف أنه لن يدلي بصوته أيضا.

ويقول محللون ان المصاعب الاقتصادية وعقودا من الحكم المستبد للرئيس حسني مبارك الذي يتولى السلطة منذ عام 1981 جعلت كثيرا من المصريين غير مبالين بالقضايا السياسية الوطنية وقوضت المعارضة.

وقال شبيب شعبان الحاصل على شهادة في ادارة الاعمال ويعمل في بيع الصحف "الناس لا يريدون استفتاءات. يريدون فقط تدبير أقواتهم."

واضاف "لن أشارك (في الاستفتاء) لان الحكومة تتلاعب بكل الانتخابات."

وتتفق منظمات مدافعة عن حقوق الانسان مع تقييم شعبان. غير أن الحكومة تقول ان الانتخابات التي تجريها نزيهة.

ودفعت المعاملة العنيفة من جانب الشرطة للنشطاء خلال الاحتجاجات بالشوارع الناس الى الاحجام عن انتقاد الحكومة. واقتراح منح الشرطة مزيدا من السلطات يجعل المواطن العادي أكثر حذرا.

وأتاحت حملة أمريكية من أجل الديمقراطية في الشرق الاوسط تبنتها حكومة الرئيس جورج بوش مساحة أمام المشاركة السياسية في مصر لفترة وجيزة وبعثت امالا في الاصلاحات خاصة بعد أول انتخابات رئاسية تجرى بين اكثر من مرشح في مصر في عام 2005.

غير أن الحكومة المصرية شنت عندما فقدت الحملة الامريكية زخمها حملة واسعة على المعارضين السياسيين وخاصة جماعة الاخوان المسلمين التي فاز أعضاء بها بثمانية وثمانين مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 454 في الانتخابات التي جرت في عام 2005.

ويقول محللون سياسيون ان التعديلات تهدف لمنع جماعة الاخوان المسلمين أكبر قوى المعارضة في مصر من دخول الساحة السياسية بحظر النشاط السياسي على أساس ديني.

وتضعف التعديلات أيضا دور القضاة في الاشراف على الانتخابات.

ولم يسمع بعض الناس بعد ومن بينهم يوسف جمال الدين (57 عاما) عن التعديلات الدستورية المقترحة غير أنه يشعر بخيبة أمل كبيرة الى درجة تمنعه من الاستمرار في متابعة القضايا السياسية.

ودهش جمال الدين عندما سمع عن التعديلات المقترحة غير أنه شكك عندئذ في نتائجها وبشدة.

وقال "لن يأتي من وراء هذه الحكومة شيء جيد بأي حال."

وقررت الحكومة المصرية تقديم موعد الاستفتاء الشعبي العام على تلك التعديلات، إلى 26 آذار الجاري، بدلاً من الثالث من نيسان المقبل كما كان مقررا.

وقد جرى تصويت البرلمان المصري على تلك التعديلات الدستورية، في غياب أكثر من مائة عضو من أعضاء مجلس الشعب، من ممثلي كتلة الإخوان المسلمين، والمستقلين، ونواب أحزاب المعارضة الأخرى، مقاطعتهم للجلسات الخاصة بمناقشة تلك التعديلات. حسب الـ CNN.

ويتمتع الحزب الوطني الحاكم بأغلبية مريحة داخل مجلس الشعب، حيث يشغل ممثلوه 320 مقعداً، من إجمالي 454، مما يضمن له تمرير التعديلات بالصورة التي أعدتها اللجان التشريعية والدستورية في البرلمان، دون تغييرات جوهرية، رغم احتجاجات المعارضة.

وكان مجلس الشعب قد أقر بالفعل، خلال أولى جلساته لمناقشة التعديلات الدستورية الاثنين، تعديل 13 مادة من مواد الدستور، تشمل التأكيد على مبدأ المواطنة، وحق المواطن في الانتخاب، وحظر قيام أحزاب سياسية على أساس ديني.

وتعد المادة 88، التي تنص على إجراء الانتخابات التشريعية في يوم واحد، أكثر المواد إثارة للجدل، حيث يرى المعارضون أنها تعني عملياً إلغاء الرقابة القضائية الكاملة على الانتخابات.

كما ترفض المعارضة المادة 179 الخاصة باستحداث قانون لمكافحة "الإرهاب"، حيث يقول المعارضون، إن ما جاء في هذه المادة يناقض مبادئ الحريات الشخصية، ويمنح أجهزة الأمن صلاحيات واسعة في الاعتقالات والتفتيش والتنصت على الاتصالات والمراسلات، دون إذن قضائي.

وتمنح الصيغة المقترحة لهذه المادة، رئيس الجمهورية، حق إحالة قضايا "الإرهاب" إلى "أي هيئة قضائية مشكلة طبقاً للقانون والدستور"، مما يتيح أمامه (الرئيس) إحالة المتهمين في هذه القضايا، إلى محاكم عسكرية أو استثنائية.

وكانت الجلسة، قد شهدت ما اعتبره برلمانيون وسياسيون مصريون "سابقة" في تاريخ الحياة البرلمانية، تمثلت بانسحاب ما يزيد على مائة نائباً، إضافة إلى قيام  النواب، الذين يمثلون كتلة الإخوان المسلمين والمستقلين، وعدد من نواب أحزاب المعارضة، بالاعتصام أمام مقر مجلس الشعب، كما عقدوا مؤتمراً صحفياً في نفس مكان الاعتصام، أعلنوا خلاله رفضهم لتلك التعديلات الدستورية.

ويشغل نواب المعارضة ما يقرب 25 في المائة من مقاعد مجلس الشعب، حيث يشغل المنتمون لجماعة الإخوان المسلمين، 88 مقعداً، مما يجعلها أكبر كتلة للمعارضة في مصر.

وكان الرئيس حسني مبارك، قد دعا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى تعديل 34 مادة في الدستور، ضمن أكبر عملية لتعديل الدستور المصري منذ عام 1971.

وفاز أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بعد ترشيحهم كمستقلين، بسبب قرار الحظر الذي فرض على تلك الجماعة، منذ العام 1954.

وكانت منظمة العفو الدولية قد نددت بالتعديلات الدستورية، وخاصة ما يتعلق منها بمكافحة الإرهاب، ودعت مجلس الشعب إلى رفضها، قائلة إنها "تمثل أخطر انتهاك لحقوق الإنسان في مصر، خلال 26 عاماً."

كما اعتبرت المنظمة، في بيان لها، أن التعديلات المقترحة، "تعزز استمرار التجاوزات الناجمة عن سوء استعمال السلطات"، والتي برزت بسبب العمل خلال تلك الفترة الطويلة بما يعرف باسم "قانون الطوارئ."

وفوجئ نواب المعارضة الذين قاطعوا جلسات مناقشة التعديلات بتبكير التصويت. حسب تقرير لوكالة فرانس برس.

ولدى علمهم ببدء التصويت النهائي على التعديلات دخل اثنان من نواب المعارضة هما حسين ابراهيم من الاخوان المسلمين وسعد عبود من حزب الكرامة (ناصري تحت التاسيس) الى قاعة المجلس وطلبا تلاوة اسماء النواب الـ 102 المعترضين على التعديلات.

ولكن رئيس المجلس فتحي سرور رفض فقرر المعارضون جميعا المشاركة في التصويت الذي شارك فيه 419 عضوا من اصل 454 هم اجمالي اعضاء مجلس الشعب (444 منتخبين وعشرة معينين من قبل رئيس الجمهورية).

وعقب التصويت هتف نواب الحزب الوطني "بالروح بالدم نفديك يا مبارك" ورد عليهم نواب المعارضة "بالروح .. بالدم نفديك يا مصر".

وارتدى نواب الاخوان المسلمين الذين فازوا بـ 20% من مقاعد البرلمان (88 مقعدا) في الانتخابات التشريعية الاخيرة عام 2005 وصاروا قوة المعارضة الرئيسية في مصر أوشحة سوداء كتب عليها "لا للانقلاب الدستوري".

وعقد عدد من نواب المعارضة مؤتمر صحفيا امام مجلس الشعب وسط اجراءات امنية مشددة اذ اغلق تماما الشارع الذي يطل عليه مجلس الشعب امام المارة والسيارات وانتشرت فرق مكافحة الشغب التي ترتدي زيا مدنيا عند مداخله لمنع الناشطين من تنظيم تظاهرة احتجاجية امام البرلمان.

والقي القبض على عضو مجلس نقابة الصحفيين محمد عبد القدوس وعلى احد المدونيين المصريين لدى اقترابهما من مجلس الشعب غير ان عشرات من الناشطين تجمعوا بعد ذلك امام مقر نقابة الصحفيين في وسط القاهرة حيث تظاهروا احتجاجا على التعديلات الدستورية.

وقال رئيس الكتلة البرلمانية للاخوان المسلمين سعد الكتاتني للصحفيين ان "الحزب الوطني استخدم الكتلة التصويتية للغالبية التي نعرف جميعا كيف جاءت (في اشارة الى تزوير الانتخابات) لأقرار التعديلات بسرعة غير مسبوقة".

واضاف "التفسير الوحيد لهذه العجلة والتبكير بموعد الاستفتاء هو ان الحزب الوطني يريد منع المعارضة من الالتحام بالجماهير وتوعيتها بمخاطر التعديلات".

واكد "انها ايام حزينة في تاريخ الشعب المصري وئد فيها الدستور وشيع الى مثواه الاخير".

وقال النائب حمدين صباحي (مستقل ينتمي الى التيار الناصري) ان "هذه التعديلات لا تعبر عن ارادة الشعب والتصويت في مجلس الشعب يحمل دلالات على ذلك فلم يعط اي نائب من خارج الحزب الوطني صوته لهذه الجريمة (التعديلات) وكل المنتخبين بارادة شعبية من نواب احزاب المعارضة والمستقلين رفضوا بدون استثناء التعديلات".

واعتبر الكتاتني ان التعديلات "تستهدف بالاساس اقصاء الاخوان من الحياة السياسية وفتح الطريق تنفيذ سيناريو توريث الحكم" الى جمال مبارك نجل الرئيس المصري.

وقال ان "التعديلات التي اقرت تتضمن قيودا على حق المستقلين غير المنضمين لاحزاب رسمية في الترشيح للرئاسة ولمجلس الشعب كما تحظر قيام احزاب على اساس ديني".

وتتيح المادة 179 اعتقال المشتبه فيهم وتفتيش منازلهم ومراقبة مراسلاتهم والتنصت على اتصالاتهم الهاتفية من دون الحصول على اذن قضائي.

وتسمح المادة 179 لرئيس الجمهورية احالة قضايا الارهاب الى "اي هيئة قضائية مشكلة طبقا للقانون والدستور". ويستطيع بذلك رئيس الجمهورية ان يحيل المتهمين في قضايا الارهاب الى محاكم عسكرية او استثنائية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس22 آذار/2007 -2/ربيع الاول/1428