مصطلحات اجتماعية: السحر والشعوذة

السحر والشعوذة

Magic and Sorcery

يعتبر السحر والشعوذة من المعتقدات والممارسات المعقدة التي تهتم بها المجتمعات القبلية التي تتميز بالبساطة والحياة البدائية. من معتقدات هذه المجتمعات بأن الحوادث المؤسفة تقع لهؤلاء الأشخاص الذين تضطرب علاقاتهم الاجتماعية والأخلاقية مع الأشخاص الآخرين.

 وهناك قبائل تعتقد بأن اضطراب وسوء العلاقات بين البشر يثير غضب الآلهة والأشباح وهذا ما يدفعها إلى جلب الشر والمشاكل للأشخاص المسؤولين عن تعكير واضطراب العلاقات وهناك قبائل أخرى تعتقد بأن مصدر الشر والأقدار يرجع إلى وجود السحرة والمشعوذين. ومن أهم الكتب والمؤلفات التي تفسر معتقدات وأساليب السحر والشعوذة كتاب (السحر والشعوذة بين أقوام الازاندي في جنوب السودان) الذي ألفه العالم الانثروبولوجي الإنكليزي إيفان بريجارد في عام 1937.

 يقول البروفسور بريجارد بأنه لو اردنا فهم طبيعة المعتقدات والممارسات المتعلقة بالسحر يجب علينا دراسة الحادثة المؤسفة التي يتعرض إليها الفرد أو الجماعة. وهذه الحادثة يمكن تفسيرها ورجوعها لسلوكية وأخلاقية الفرد الذي وقعت له الحادثة، والحوادث المؤسفة كثيرة ومتعددة أهمها المرض، الموت، الفشل الزراعي، الزلازل والبراكين، الفيضانات والجفاف. ويهتم الشعب الازاندي حسب قول بريجارد بمعرفة سبب وقوع الحادثة المفجعة لشخص معين دون غيره ووقوعها في زمان ومكان معينين دون وقوعها في زمان ومكان آخر.

 إلا أن سكان الازاندي يعتقدون بأن وقوع الحوادث الشريرة للأفراد يرجع إلى وجود السحرة والمشعوذين. وعمل الشر الذي ارتكبه الشخص والذي سبب له وقوع الحادثة الشريرة يمكن التعرف عليه من خلال الاتصال بالكهنة الذين يفسرون السبب المباشر لوقوع الحادثة الشريرة والسبب لا يتعدى أعمال الشر التي قام بها الشخص المفجوع أو فعاليات السحرة والمشعوذين. ولا يستطيع الكهنة إعطاء تفسيراتهم للحوادث الشريرة والمفجعة إلا من خلال الدخول في طقوس ومراسيم دينية معقدة. لكن الدافع الأساسي الذي يدفع أبناء الشعوب البدائية لامتهان السحر والشعوذة هو دافع عدائي هدفه الأول والأخير جلب الضرر للآخرين. ومع هذا فإن هناك بعض السحرة الذين لا يحملون الدوافع العدائية بالرغم من تمتعهم بقوة سحرية خارقة. أما الشعور الذي ينتاب الفرد ويدفعه للانغمار في ممارسات السحر فيكون على أشكال كثيرة ومتعددة أهمها الحسد، الكراهية، الغضب، الأنانية، الطمع... الخ. أخيراً يقوم البروفسور بريجارد بتعريف الشعوذة فيقول بأنها عملية متعمدة تستعمل السحر الشرير لإلحاق الضرر بالآخرين.

أما السحر فهو عبارة عن طقوس وأساليب حركية يستعمل الساحر فيها أحياناً بعض المواد بغية إنجاز أهداف تقع خارج نطاق قوة السيطرة الحسية للإنسان الاعتيادي. والمشعوذ هو الشخص الذي يؤذي الآخرين بطريقة غير مباشرة وسبب إلحاقه الأذى بالآخرين يعود إلى تغلب صفة الكراهية والغيرة عنده.

والسحر هو طريقة وأسلوب تبذل فيه الجهود المتواصلة للسيطرة على البيئة والعلاقات الاجتماعية، وهو أيضاً واسطة يمكن من خلالها محاربة السحرة والمشعوذين وتهديم النجاحات والمنجزات التي أحرزوها من خلال مهنة السحر.

...................................

متعلقات

العرب ينفقون 5 ملايين دولار سنويا على السحر والشعوذة(1)

ظاهرة الشعوذة أضحت تفرض نفسها بقوة في المجتمع المغربي، تلجأ إليها المرأة عندما تضيق بها الدنيا، وتعجز عن إيجاد الحلول للخلاص من "ديكتاتورية" الرجل، أو من ضعف ميولاته العاطفية، أو عندما تسعى إلى تطويعه حتى يستجيب لجميع رغباتها، ويلجأ إليها الرجل لفك "طلاسم" السحر، ولإبعاد شبح "التقاف"، أي العجز الجنسي، أو للدفاع عن حق ضاع منه، أو للانتصار على واقع يرى أن حله السحري يوجد فيها.

لقد تحولت الشعوذة إلى جزء من الثقافة الشعبية، وبدأت تفرض نفسها حتى في الأوساط الاجتماعية الثرية، بعدما كانت حكرا على الفئات الفقيرة، وانتقلت من مرحلة الاستقبال، أي انتظار المشعوذ للزبائن في بيته، إلى مرحلة الاستقطاب، من خلال السعي لجلب الزبائن، عبر استعمال وسائل الاتصال الحديث من أنترنيت وصحف وتلفزيون.

"الشعوذة" تتحول إلى اقتصاد مواز يدر ملايين الدولارات

إذا كانت "الشعوذة" قد عرفت تطورا كبيرا في أوروبا والولايات المتحدة، من خلال إحداث مؤسسات تعنى بالموضوع، وتمكن "المشعوذين" من التحول إلى رجال أعمال يقابلون زبائنهم، بعد تحديد المواعيد، عبر الاتصال بسكرتارية خاصة أو تقديم طلب بالبريد الإلكتروني، فإن "الشعوذة" مازالت في العالم العربي قطاعا غير منظم، ويعتبر في نظر الغالبية العظمى عملا شاذا عن الدين وعن التراث العربي، في حين كشف الدكتور محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية في القاهرة في دراسة له حول السحر والشعوذة أنَّ 250 ألف دجَّال يمارسون أنشطة الشعوذة في عموم الدول العربية، وأنَّ العرب ينفقون زهاء خمسة مليارات دولار سنويًّا في هذا المجال، وأن نصف نساء العرب يعتقدن بفعل الخرافات والخزعبلات ويترددن على المشعوذين سراً وعلانية.

وتؤكد الإحصائيات أنه يوجد في العالم العربي عرَّافٌ أو مشعوذٌ لكل ألف نسمة في عالمنا العربي.

وفي دراسة أخرى أعدتها الدكتورة سامية الساعاتي عن السحر والشعوذة ونشرها موقع -الجزيرة- أكدت أنَّ 55٪ من المترددات على السحرة هنَّ من المتعلمات ومن المثقفات، و24٪ ممن يُجدن القراءة.

وراء كل ممارسات "الشعوذة" و"السحر" توجد فئة من التجار الأكثر استفادة من هذه الممارسات، وهم العطارون والمتخصصون في المتاجرة بالأعشاب، الذين بلغ بعضهم درجة الثراء، بسبب بيعه لـ "مخ الضباع" أو أجزاء من حيوانات ميتة، بدعوى أنها تجلب الشفاء، وتقدم حلولا عاجلة للمرضى، بالإضافة إلى الذين يبيعون الأعشاب لصناعة "السحر".

وقد تحول بائعو الأعشاب إلى أشبه ما يكونوا بـ "الصيدليات" من خلال تنظيم هذه المهنة في إطار قانوني، ووضع قائمة الأعشاب في قاعدة معلومات بالكمبيوترات، واشتراط الحصول على "وصفة" من "الساحر" أو "المشعوذ" المعتمد لديهم. إنها واحدة من الحيل التي يستعملونها بالتنسيق مع "السحرة والمشعوذين" . 

ما هو رأي علم الاجتماع في الموضوع؟

يعتبر عالم الأنتروبولوجيا الدكتور محمد بلفقيه أن "الشعوذة والسحر" شكل من أشكال الثقافة المرئية، وهي جزء من الثقافة الشعبية، ويرى بأن "الشعوذة" تتميز بالسرية والحميمية، وأن كل ما يعرض هو المفارقة بين الظاهر والخفي

وقال بأن لجوء رجال الأعمال والسياسيون إلى "السحر والشعوذة" هو تزكية لهذا النوع من الممارسات

وأضاف أن المظاهر تخفي أحيانا ظروف الإنسان ومشاكله، التي تنكشف عند لجوئه إلى "السحرة والمشعوذين"

وأكد الدكتور بلفقيه أن ثقافة "الشعوذة" كانت موجودة، وليست دخيلة على المجتمع المغربي ودعا إلى البحث عن تعريف للشعوذة، وقال إن الباحثين المختصين مطالبون بالانكباب على هذا الموضوع لدراسته والخروج بخلاصات أساسية حول أسباب نشوء الظاهرة وتطورها داخل المجتمع.

وقال إن تعدد المفاهيم المرتبطة بالشعوذة يجعل مجال الانتماءات متعدد وأضاف أن "الشعوذة" لها ارتباط وثيق بالأبعاد الاجتماعية والثقافية، و أوضح أن "العديد من هذه القضايا لا تحل إلا في الأماكن المظلمة"، في نظر بعض المؤمنين "بالشعوذة"

واعتبر الدكتور بلفقيه أن ميدان "الشعوذة" تحول في أوروبا إلى تجارة حقيقية، فيها البيع والشراء، وتجلب الأموال، وتم تقنينها في إطار مهن معروفة.

وقال أن الدولة لا تستفيد شيئا من هذا القطاع الذي يٌذر أموالا كثيرة، ويٌفرز إلى جانبه أنشطة موازية مثل بيع الأعشاب، كما أنه تحول إلى مصدر للإعلانات في الصحف والتلفزيون، ورأى بأنه لم يتم الارتقاء بهذا المجال كثيرا.

وأكد الدكتور بلفقيه أن "المشعوذ" في المغرب أصبح لا يتقن إلا لغة "السحر والشعوذة"، وأن المجتمع يتحمل مسؤولية هذا الواقع، لأنه لم يعلم هذه الفئات مهن بديلة، ولم يوفر لهم أسباب تعلم التكنولوجيا، وقال أن منظومة التفكير في تدبير الشأن الثقافي تخلو من أي إشارة للموضوع.

وحول الصورة المتداولة في المشرق العربي عن المغرب كموطن لبعض "المشعوذين والسحرة"، قال الدكتور بلفقيه إن المشارقة الذين يأتون للمغرب من أجل هذا الغرض يحملون معهم عقدا اجتماعية وجنسية وثقافية وتاريخية يبحثون عن حلول لها لدى السحرة والمشعوذين، وأن ذلك يمكن تصنيفه في خانة "عودة المكبوت"

واعتبر أن الإشارة إلى تنامي ظاهرة "الشعوذة والسحر" تعد مؤشرا حقيقيا على وجود أزمة ثقافية واجتماعية.

وخلص إلى أن اللجوء إلى "المشعوذين" هو محاولة لتغيير قوى العلاقة بين الأطراف المتنازعة

أبو بكر حركات: الهواجس والوساوس وراء اللجوء إلى السحر والعرافين (2)

قال أبو بكر حركات، الأخصائي في الأمراض النفسية والجنسية، إن اللجوء إلى الشعوذة للتدواي من بعض الأمراض سواء كانت عضوية أو نفسية يرتبط بانعدام الوعي وبتجذر الفكر الخرافي في المجتمع المغربي الذي مازال يؤمن بهذه الظاهرة كممارسة متبعة منذ آلاف السنين.

وأوضح حركات، ، أن هناك العديد من المواطنين تؤرقهم قلة الصبر والحيلة للشفاء من بعض الأمراض، فيختارون، بعد اللجوء إلى الوسائل العلمية الحديثة، الارتماء في براتن الشعوذة لإيجاد الحل مهما كانت الطريقة أو الوسيلة .

وعزا الأخصائي النفسي سيطرة هذا التوجه على فكر عدد كبير من شرائح المجتمع على اختلاف فئاتهم إلى سيطرة الهواجس والوساوس على نفسية الشخص، الذي لايجد بعدها سبيلا إلا سلك هذه الطريق، بعد أن تضيق به الأرض، وزاد موضحا "في كثير من الأحيان يعتقد البعض أنه أكل شيئا أو أنه مسحور، لذا فإنه يلجأ مباشرة إلى هذه الأساليب الخرافية متوهما بأنها ستساعده على الشفاء مما تعرض له.

لكن غالبا عندما يتوصل الشخص إلى الاقتناع بعدم نجاعة التداوي بطرق الشعوذة، يقصد الطبيب المختص حسب المرض الذي يعاني منه، سواء كان عضوي أو نفسيا، لكي يشرع في العلاج بطرق علمية".

وأضاف حركات أن الارتباط بالمعتقد الخرافي وسيطرة الهواجس النفسية، خوفا من السحر أو "التوكال" يتحول إلى مرض، مشيرا إلى أن الشخص عندما يلجأ إلى الخرافات ومحاولة التداوي بالشعوذة، إما لكونه يعتقد أنها ستفيده وسيكون لها تأثير إيجابي، وإما أنه يعتبرها سبيلا للعلاج بأقل تكلفة.

وأعلن المصدر ذاته أن المرحلة النهائية من الدخول في دوامة التداوي بهذا النوع من الخرافات، تنتهي بصاحبها في الأخير إلى نتيجتين، الأولى تتجلى في تأكده من عدم وصوله إلى نتيجة فعالة تنقذه مما هو فيه فتزداد حاله سوءا، ليقرر بعد ذلك العودة إلى مجال التداوي بالعلم، أما الطريقة الثانية فتتمثل في توهمه بأنه يسير في دوامة البحث عن إجابة شافية لدائه في مجال الخرافات والشعوذة، وبالتالي يمكن أن يصاب باضطراب نفسي أخطر في نهاية المطاف.

أسباب تفشي الظاهرة (3)

أرجع أستاذ علم الإجرام بكلية الملك فهد الأمنية الدكتور تركي العطيان الأسباب التي أدت الى لجوء عدد من ضعاف النفوس للسحرة والمشعوذين بأنها تعود نتيجة عجز الطب الحديث والأطباء في الوصول إلى علاج لبعض الأمراض النفسية إضافة إلى التأثير في الشخصية كالسذاجة والحقد والانتقام مع الجهل بتعاليم الشريعة الإسلامية مع تغليب العاطفة على العقل فيغفل الفرد عن دينه ويتبع هوى نفسه ليحصل على مراده وطالب العطيان بآلية جديدة لمراقبة أسباب تفشي الظاهرة وتدخل الطب الحديث بكل مقوماته للحد منها خاصة وأنها باتت تشكل هاجسا كبيرا لدى العديد من الأسر.

ويرى البروفيسور واستشاري الطب النفسي الدكتور طارق الحبيب أن للطب الحديث دورا في تفشي الظاهرة إذ يتطلب منه التدخل العاجل للحد منها مضيفا أن من أسباب لجوء المواطنين إلى السحر والشعوذة أنه كل ما قل تمدن المجتمعات تعلقت بالغيبيات بدرجة اكبر وكلما زاد تمدنها زاد تعلقها بالماديات إضافة إلى المبالغة في أمور السحر, الجن والعين فوجود الجن حقائق لها تطبيقاتها على أرض الواقع وهي آثار فكر اجتماعي وليست تتبعات منهج ديني.

وقال زميل الكلية الملكية للاطباء النفسيين بكندا استاذ الطب النفسي بكلية الطب والمستشفيات الجامعية عبدالله السبيعي إن الفرد إذا كان لديه مشكلة عضوية فإنه يلجأ الى الطب الحديث لأنه يعرف أن مشكلته طبيه وعلاجه لدى الأطباء في المستشفيات أما إذا كانت غير طبية مثل أن يشعر الفرد بالضيق أو سماع أصوات أو قلق ومخاوف وغيرها فإنه يلجأ إلى أي شيء قد يساعده للعلاج مثل الكي والعلاج بالأعشاب أو الطب البديل وهو الأمر الذي أدى لتزايد أعداد الحالات الراغبة في العلاج بعيدا عن ما يدور داخل أروقة المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة.

وركز أستاذ الخدمة الاجتماعية الدكتور عبدالعزيز الغريب على المشكلات الصحية لأن وجودها في المجتمعات النامية يشوبه الكثير من المحاذير وينتج عنه سلوكيات صحية سلبية كلجوء أفراد المجتمع للسحرة والمشعوذين للحصول على العلاج الصحي المنشود حيث لا تقتصر المشكلات الصحية على المجتمعات النامية فقط بل على أصحاب المستويات التعليمية العليا التي تلجأ للسحر والشعوذة في نوعية محددة من الأمراض المستعصية كالأمراض الخبيثة وأمراض الكلى.

وحدد أستاذ علم الاجتماع الدكتور عبدالله الصبيح الأسباب في ضعف الإيمان وعدم الوعي بالخطورة والعقوبة المترتبة على ذلك والجهل بتحذير الدين، مع ضعف الوعي الصحي لدى الناس.

.......................................

(1) محمد السهامي - المغربية  18.03.2006

(2) فؤاد اليماني - المغربية 18.03.2006

 (3) الوطن السعودية 1 سبتمبر 2005م العدد (1798)

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 20 آذار/2007 -30/صفر/1428