كانت البيئة الثقافية لبلاد الغرب باعثة على الخوف والخشية عند كل
من كان يرجو لعائلته ولنفسه سكنا إيمانيا صالحا. وبين عقدين من الزمن
ماضيين شهدت أوروبا مفاجئة لم تكن في حسبان أحد من خَدّام الدين وهم
المؤمنون بأن الله تعالى يفتح الأبواب مع كل باب يغلق، فإذا بهذا الخوف
وهذه الخشية تحولت إلى ثقة غير متناهية في الذات، وإذا بالمستجدات
التقنية والعلمية بلغت مبلغها فتحولت بلاد أوروبا إلى سكن جديد مهد
الطريق للمقيمين فيها لممارسة ما كانوا يتأملون من ثقافة اصيلة وسلوك
ديني مجرد يرتضونهما، حتى صرح البعض من أتباع أهل البيت(عليهم السلام)
في أوروبا بأنهم كانوا يجهلون دينهم في مواطنهم ثم تعرفوا عليه مضافا
إلى ثقافة موطنهم الأصلي من خلال مسار الحياة اليومية لهم في أوروبا
وتطور مستوى التقنية العلمية فيها.
ولا يجانب أحد الحقيقة إذا ما جزم بأن جيلا مؤمنا جديدا نشأ في
أوروبا يحمل ملامح أصالة دينية يعجب لها المؤمنون. من هنا تكالبت
الأنظمة الفاسدة سريعا لاستغلال أوروبا قبل أن يأتي يوم تخضع فيه الفرص
هذه إلى طاعة مؤسسات شعبية عامة تتعارض مبادؤها وسياساتها أو عقائدها
وثقافاتها مع طبيعة هذه الأنظمة.
ولهذه المعطيات شهدت ساحات أوروبا صدور العديد من الصحف والقنوات
الفضائية العربية التابعة لهذه الأنظمة ولكنها فشلت في تحقيق أهدافها
لأن الله تعالى لم يرد لها التوفيق.
وإذا ما حالفك الحظ وحطّ رحالك أوروبا وأنت فرد وتر واحد ؛ ستجد بأن
فرص الإعلام والثقافة أصبحت الآن تحت متناول يدي أي شخص فرد أو مؤسسة
يرغب في تأييد الدين ورعايته.
والى ذلك، تابعنا النشاط الإعلامي الرائع لفضائيات أهل البيت (عليهم
السلام) في شهري محرم وصفر وكان لنا معينا، فانقشعت عنا غمة الغربة
والبعد عن أهالينا ومناطقنا وتقاليدنا ومأوى ثقافتنا. واستطعنا في ذلك
الجمع بين اليسير مما كان في متناول أيدينا من مصادر ثقافية دينية في
أوروبا مع ما بثته تقنية الفضائيات هذه من ثقافة وفكر إسلامي. وكان
لهذه الفرص والجهود المباركة إثارات فينا هي لمرحلة التقييم بغرض
التقويم أقرب!.
فهذا العلامة الجليل الشيخ عبد الحميد المهاجر عرفناه فاعلا منذ
السبعينات فردا واحد، يجول بين بلاد المهجر، بعيد عن وطنه، حقق نجاحا
منقطع النظير في نشاطه الثقافي والاجتماعي والإعلامي الإسلامي في بلاد
غربته، وبين أناس ليسوا من أبناء موطنه اشترك معهم في هم الطائفة
ومصالحها ؛ توج نجاحه بقناة فضائية أسسها وجامعة إسلامية أقامها،
وامتدت آثارهما إلى بلاده ووصلت موجاتهما إلينا في أوروبا، ما جعلنا
نكن له ولجهوده كل تقدير واحترام واعتزاز وندعو له بالتوفيق والسداد.
ولنا هنا أن نتساءل عن هذه الجهود وتقنياتها لغرض لا يعدو كونه
إثارة لدفائن العقول وحشد للطاقات ولشحذ الهمم ومراجعة ما نقص فينا:-
في جزيرتنا عدد كبير من العلماء والمثقفين الرساليين من بني جلدتنا
يفوقون حاجاتنا. ولو أحصينا نسبتهم إلى عدد اتباع أهل البيت(عليهم
السلام) من البحرانيين سنجد أنفسنا وقد خصصنا لكل اربعين مواطن عالما
أو مثقفا رساليا واحدا يرعاه ويبلغه الرسالة، وهذه نسبة عالية جدا لا
تتوفر في بلاد اسلامية اخرى. وإذا أخذنا في الحسبان أن نسبة التوزيع
هذه عاصرت الطفرة النفطية منذ منتصف السبعينات وأخذت منها حتى منتهى
القرن الماضي مئات الملايين من أموال الحقوق الشرعية. واذا ما اضفنا
الى ذلك نيل علماء الدين والمثقفين الرساليين من محيطهم الاجتماعي
البحراني كل تقدير واحترام بعدما تهيئت لهم كل حاجاتهم المادية
والمعنوية حتى خضعت لمساعيهم المباركة كل الرقاب والأنفس ؛ فلنا هنا أن
نتساءل ونحن أصحاب حق النصح والرقابة: إلى أين وصل علماء ومثقفو
جزيرتنا – أفراد ومؤسسات- بمشاريعهم الدينية ؟!، والى أين وصلت جهودهم
التراكمية في الفكر والثقافة والعلم منذ السبعينات؟!، وهل كان للتقنية
العلمية الحديثة من دور إيجابي في إخراج نتائج جهودهم هذه إلى الواقع
العملي وهل قطعوا بها مراحل متقدمة؟! وهل يمكننا أن نعتبر ما وصلنا
إليه من أوضاع قانونية وسياسية واجتماعية مما نالته جهودهم المباركة
هذه؟!.
وإذا كانت المرحلة الراهنة لا تسع الإجابة على هذه التساؤلات فما هي
الموانع ؟!..لماذا لم نشهد لهم هجرة منتجة في مرحلة تأزم الأوضاع
الأمنية السابقة مثلما كانت لهجرة من سبقهم من علمائنا الماضيين ؟!
يؤسفني أن أقول أمام توافر نماذج ناجحة لعلماء دين ومثقفين رساليين
مهاجرين غير بحرانيين – أفراد ومؤسسات – أن طبقة علماء الدين والمثقفين
الرساليين البحرانيين في بلدنا بحاجة إلى مراجعة جديدة جادة لما مضى من
عمل فكري وثقافي واجتماعي، وبحاجة إلى مؤتمرات مكاشفة ومصارحة للبحث عن
أسباب هذا الضعف وهذا الجمود في تبليغ الرسالة، وبحاجة إلى دراسة علمية
منهجية للإمكانيات والفرص المتاحة والمناخ الاجتماعي والسياسي المحيط.
كما يؤسفني أن أقول بأن الإجابات على التساؤلات الآنفة الذكر سلبية جدا
في جميع جوانبها وأبعادها، ويكشف الواقع العملي كل الدلالات الكافية
والمقنعة أمام هذه النتائج السلبية.
نشاطات الشيخ المهاجر نموذج ممتاز يمكننا أن نتدارس أمامه وسائلنا
ونتائجنا السلبية في تثقيف وبناء مجتمعنا. وقبل أن نقدم للنموذج الكبير
لعالم الدين المثالي العلامة الشيخ عبد الحميد المهاجر كل إكبار وتعظيم
ولجهوده المباركة الناجحة ؛ نتقدم له باعتذار عما بدر من بعض علماء
ومثقفي منطقتنا (النعيم) من دور سلبي كان مؤداه إغلاق الحسينيات أمامه
ومنعه من المشاركة في برامج النعيم الثقافية وهو الضيف الذي حل
ببلادنا، وندعوه لاعتبار هذا الموقف السلبي الذي أساء لمنطقة النعيم
وسمعة أهلها نقصا من بين النواقص التي غلبت مرحلة ماضية يجب أن يؤخذ في
الحسبان علاجه، ولا تمثل كل أهالي المنطقة.
فكل أهالي النعيم يؤمنون بأن ليس لأحد الحق في احتكار الحقيقة في
منطقتهم، ولهم كامل الحق في معرفة تفاصيل كل قضية تمس مصالحهم لأنهم
ليسوا كما كانوا من قبل وإلا فهم مغبونون. ولو لم يكن لهم الحق في ذلك
لما كانت النعيم أفضل المناطق البحرانية وأقدرها نجاحا في تخطي الأمواج
الفكرية والسياسية والأمنية العاتية بلا أثر سلبي على منظومتها
الاجتماعية.
إن مشكلتنا الراهنة في المنطقة ليست بالعصية على الحل، إنما هي روح
فردية اقصائية وبقية من بقايا مظاهر التخلف التي عمت البلاد ووفدت إلى
منطقتنا حديثا. وكل ما نال الشيخ المهاجر من موقف سلبي ما كان إلا
ادعاء بلا وجه حق ظن أصحابه انهم صنعوا مجد منطقة النعيم وتاريخها
لوحدهم ولهم الحق الآن في الوصاية عليها وعلى شؤونها.
إن صور التفرد بالرأي في النعيم لن تصمد كثيرا ومصيرها الزوال بلا
أثر سلبي تتركه على منظومتنا الاجتماعية بمشيئة الله تعالى وتوفيقه.
وكل ما يتطلب منا الآن في المنطقة هو مشاركة العلماء والمثقفين وكل
أبناء المنطقة في مراجعة علمية موضوعية نوعية تشمل العطاء الثقافي
والاجتماعي ومستوياته ومدى تفاعله مع المحيط الحضاري، وأن نتطلع إلى
الواقع بصدق، وان نمارس الإيمان الخالص.
فما هي الفائدة التي كسبناها من منع الشيخ المهاجر من مشاركتنا
همومنا الاجتماعية وحاجاتنا الفكرية والثقافية ؟!..فإذا منع البعض منا
الشيخ المهاجر من ارتقاء منابر المنطقة بسبب حزبية ضيقة غير معتبرة
فرضتها روح الهيمنة والتسلط باسم حماية المنطقة من التنوع الفكري
والثقافي.. وإذا وضع هذا البعض نفسه وصيا على الأهالي واعتبرهم جهّالا
قاصرين لا يفقهون شيئا في درء الفتنة إن وجدت ؛ فهو لم يدرك بعد من هم
أهالي المنطقة وكيف يفكرون، كما أنه لم يدرك بعد كيف رحبت بيوت أهالي
النعيم في البحرين ولندن بالشيخ المهاجر أعظم ترحاب في وقت واحد من
خلال متابعة فضائيته المباركة. فماذا نحن فاعلون بإزاء ذلك؟!..الحل
الوحيد..اصنعوا فضائية النعيم البديلة!..ولن يسعنا عندها إلا القول:
(الله تعالى يزيد ويبارك، فنعمه لا تحصى)!، تيمنا بقول أجدادانا في
النعيم بعدما أدى خلاف قديم إلى نشوء مأتم التيتون (نتأمل أن يبنى من
جديد) في جنوب النعيم، وبعدما أدى خلاف قديم إلى نشوء مأتم الشباب في
شرق النعيم، وبعدما أدى خلاف إلى نشوء مأتم النعيم الوسطي : (احتجنا في
ذلك إلى اكثر من خطيب فتنوعت الخطب وزاد الثواب ثوابا بين مأتم وآخر.
وتوسعنا في مسيرة مواكب العزاء بين المآتم هاته لتأخذ بنا مسيرة العزاء
الى بعد مناطقي رحب واسع عمق من علاقاتنا الاجتماعية ومتنها) !.
|