أصدرت ما يسمى باللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية بيانا رسميا يصف
الخلافة الفاطمية بالمجوسية فضلا عن حزمة لا بأس بها من نعوت الشرك
والضلال ومفردات التبديع والتفسيق التي يزخر بها القاموس الوهابي!!.
لماذا صمت من تصدوا سابقا وهاجوا وماجوا للرد على مزاعم الصهاينة
القائلة بأنهم بناة الأهرام واعتبروا الأمر سرقة لحضارة مصر إزاء من
وصفوا بناة الأزهر الشريف بأنهم مجوس وعبدة النار, فهل يرى هؤلاء أن
كرامة مصر لا تتجاوز حدود الأهرام ولذا فقد لزموا الصمت كأبي الهول؟!.
السبب وراء هذا الصمت يرجع في تقديرنا إلى أن لجنة التكفير والإفتاء
كانت ولا زالت واثقة ومطمئنة أن هذا النوع من السب الحضاري والقذف
السياسي العلني لن يثير غضبا أو امتعاضا من قبل من يرون أن انتماءهم
الطائفي يعلو انتماءهم الحضاري والوطني ومن ثم فليس هناك ما يردع لجنة
التكفير لأننا قد ابتلينا بأناس لا يغضبون إلا إذا قيل لابن النابغة يا
ابن النابغة!!.
حملة منسقة؟!
في نفس الوقت الذي صدر فيه بيان لجنة التكفير الدائم يصف الحقبة
الفاطمية بالمجوسية كان الدكتور عمارة يمارس هوايته المفضلة في هجاء
الفاطميين والإشادة بهولاكو الدين الأيوبي الذي دمر حضارة مصر
ومكتباتها وأهرامها حيث ذكر في مقاله المنشور في جريدة القاهرة بتاريخ
17-4-200 أن (صلاح الدين هو القائد السني الذي خلص البلاد الإسلامية من
انحرافات الشيعة الإسماعيلية الباطنية ..كما خلص هذه البلاد من أشرس
حملات الصليبيين وهو مرفوض عند الشيعة لأنه أزال انحرافاتهم العقائدية
وحرر الأمة من الاحتلال الصليبي الذي جاء على أيديهم).
الرجل يرى أن (إزالة الانحراف العقائدي) عبر الخيانة والقتل والقهر
والتهجير الجماعي أمر مبرر وطبيعي ومشروع!!.
نحن أمام حملة منسقة, هذا يطعن في الأنساب وذاك يطعن في الضمائر
ويوزع ألقاب الخيانة هنا ونياشين البطولة هناك ثم يزعمون أنهم أبطال
الاستنارة والوحدة الإسلامية في حين أنهم يقودون ما تبقى من الأمة في
مرحلة ما بعد نهاية التاريخ!!.
فات الرجل الذي استقر به المقام في معسكر الطائفية العمياء أن الغز
الأيوبيين جاءوا إلى مصر بدعوة من الخليفة العاضد لمواجهة الفرنج كما
يذكر المقريزي في اتعاظ الحنفا (برأي شمس الخلافة الذي اجتمع بالكامل
ابن شاور وقال له: إن أباك قد وطن نفسه على المصابرة وآخر أمره يسلم
البلد إلى الفرنج ولا يكاتب نور الدين وهذا عين الفساد فاصعد إلى
العاضد وألزمه أن يكتب إلى نور الدين فليس لهذا الأمر إلا نور الدين
فصعد الكامل إلى الخليفة العاضد وكتبا الكتاب وأرسلاه إلى نور الدين
فقيل للعاضد لم لا أطلعت وزيرك على ذلك فقال أعرف أنه لا يوافقني عليه
لكراهته في الغز وأنا أعلم من أي باب أدخل عليه وأرسل إلى شاور يقول
أين استدعائي الغز من المسلمين لنصرة الإسلام من استدعائك الفرنج
للإعانة على المسلمين فقال للرسول: قل لمولانا عني أنت مغرور بالغز
والله لئن يثبت لهم رجل بديار مصر إلا كانت عاقبته وخيمةً عليك فلما
بلغه ذلك قال: رضيت أن تكون إسلامية وأكون فداء المسلمين فوافت كتب
العاضد إلى نور الدين بحلب فجمع الأمراء للمشورة فأشاروا بإرسال أسد
الدين شيركوه).
الخليفة الفاطمي المخدوع بالغز أرادها إسلامية تجمع الكل تحت راية
الإسلام وأبى هؤلاء إلا حربا استئصالية ضد كل ما هو شيعي إلى يومنا هذا
ومن ثم كان المثل الشعبي المصري (آخر خدمة الغز علقة) وأي علقة؟؟!!.
ليس من حقه أن يفرض مذهبه!!
المنطق الذي قامت عليه حملة العداء لما يسمى بالتبشير الشيعي يقول:
ليس من حق حزب الله المنتصر في حربه مع إسرائيل أن يفرض مذهبه على
الناس!!.
ورغم أن حزب الله لم يحاول أن يفرض مذهبه فضلا عن أنه لا يقدر على
ذلك نقول: ليس من حق أحد أن يفرض مذهبه أو دينه على الناس إذا كان
منتصرا فما بالك لو كان مهزوما!!.
فلماذا يدافع هؤلاء باستماتة عما فعله السيد صلاح عندما فرض مذهبه
أولا على الناس بالحديد والنار وألغى حقهم في الاختيار حتى قبل أن
ينتصر على الصليبيين في معركة حطين بأكثر من عشرين عاما؟!.
لماذا يصبح نفس المنطق مرفوضا هنا وأسوأ منه مقبولا بل وموضع إشادة
وفخر هناك؟؟!!.
معركة الأحساب والأنساب!!
من بين طرائف لجنة التكفير الدائم وانعدام التفكير الأبدي التي نصبت
نفسها لجنة للأنساب (أن تسمية الدولة بالفاطمية تسمية كاذبة أراد بها
أصحابها خداع المسلمين بالتسمي باسم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقد بين العلماء والمؤرخون كذب تلك الدعوى، وأن مؤسسها أصله مجوسي..
وأن انتسابهم إلى آل البيت كذب وزور، وإنما أظهروا ذلك الانتساب
لاستمالة قلوب الناس إليهم).
فات ذوو الحسب والنسب أن معركة الطعن في نسب الفاطميين قد افتتحها
العباسيون (الهاشميون) واستعانوا في ذلك بمجموعة من وعاظ السلاطين
الذين طالما أفتوا بكل ما طلب منهم!!.
كان العباسيون هاشميين لديهم ما يمكن الاعتزاز به ولكنهم فرطوا فيه
وفي الكثير من أخلاقيات الإسلام في حروبهم من أجل السلطة والمال ونحن
نريد من لجنة التكفير الدائم جوابا (وهم من استدعى معركة النسب إلى
الواقع المعاصر) من أنتم وعن أي نسب تدافعون؟؟!!.
الوجه الآخر للقضية أن اللجنة ومن خلال محاولتها نفي انتساب
الفاطميين للدوحة المحمدية قالت من دون أن تدري أن هذا النسب شرف ولكن
الفاطميين لا يستحقونه!!.
فماذا لو ثبت النسب؟!.
لقد انتهت الخلافة الفاطمية وضاعت الخلافة الأموية والعباسية
والعثمانية ولم يعد هناك مجال لاستعادة هذه ولا تلك وبقيت الحضارة التي
أرست معالمها هذه الدولة كامنة في نفوس المصريين وهذا هو بيت القصيد من
وراء حملة الهجاء التي تشنها لجنة التكفير ومعها مرضى الشيعوفوبيا
والتي تضع نصب عينها جر مصر إلى حظيرة الوهابية بعد أن قضى المصريون
على حلم تحولها إلى خلافة تنهض على أنقاض الخلافة العثمانية من خلال
الحملة التي قادها محمد علي باشا.
ينقل المقريزي في كتابه (اتعاظ الحنفا) رد ابن خلدون على فرية الطعن
في نسب الفاطميين: (ومن الأخبار الواهية ما يذهب إليه بعض المؤرخين في
العبيديين خلفاء الشيعة بالقيروان والقاهرة من نفيهم عن أهل البيت
صلوات الله عليهم والطعن في نسبهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق يعتمدون
في ذلك على أحاديث لفقت للمستضعفين من خلفاء بني العباس تزلفاً إليهم
بالقدح فيمن ناصبهم وتفننا في الشماتة بعدوهم ويغفلون عن التفطن لشواهد
الواقعات وأدلة الأحوال التي اقتضت خلاف ذلك من تكذيب دعواهم والرد
عليهم... فقد ظهرت دعوتهم بإفريقية والمغرب واليمن والإسكندرية ثم بمصر
والشام والحجاز وقاسموا بني العباس في ممالك الإسلام وكادوا يلجون
عليهم مواطنهم ويديلون من أمرهم. وقد أظهر دعوتهم ببغداد الأمير
البساسيري من موالي الديلم المتغلبين على خلفاء بني العباس في مغاضبة
جرت بينه وبين أمراء العجم وخطب لهم على منابرها حولا كاملا. وما زال
بنوا العباس يغصون بمكانهم ودولتهم وملوك بني أمية وراء البحر
(بالأندلس) ينادون بالويل والحرب منهم فكيف يقع هذا كله لدعي في
النسب يكذب في انتحال الأمر! واعتبر حال القرمطي إذ كان دعيا في
انتسابه كيف تلاشت دعوته وتفرق أتباعه وظهر سريعا على خبثهم ومكرهم
فساءت عاقبتهم وذاقوا وبال أمرهم ولو كان أمر العبيدين كذلك لعرف ولو
بعد مهلة. فمهما تكن عند امرىءٍ من خليقةٍ ** وإن خالها تخفى على
الناس تعلم, فقد اتصلت دولتهم مائتين وسبعين سنة وملكوا مقام إبراهيم
ومصلاه وموطن الرسول ومدفنه وموقف الحجيج ومهبط الملائكة ثم انقرض
أمرهم وشيعتهم في ذلك كله على أتم ما كانوا عليه من الطاعة لهم والحب
لهم واعتقادهم بنسبهم لإسماعيل بن جعفر الصادق).
دعك إذا من ترهات اللجنة الدائمة للتكفير ومرضى الشيعوفوبيا الذين
لا يكفون عن إدانة الغرب المصاب بالإسلاموفوبيا وهم يرون القشة في عيون
غيرهم ولا يرون الخشبة في أعينهم وكفى تزويرا للتاريخ وطعنا للأنساب
وامتهانا لعقول الناس.
ودعك أيضا من فتاوى السياسة وسياسة الفتاوى التي لم تطعم جائعا ولم
تكس عريانا ولم تنصف مظلوما من ظالمه!
[email protected] |