ما وراء ترشيح عبد الله غول رئيساً لتركيا؟

بقلم : محمد مصطفى علوش*

 ليس غريباً أن يكون حق انتقاء الحزب الذي من شأنه تشكيل الحكومة العتيدة، وتعيين المدراء العاميين، واختيار مجلس التعليم العالي، وشغل منصب القائد الأعلى للجيش- حامي العلمانية التركية لما يزيد عن ثمانين سنة-،  فضلاً عن ضرورة تصديقه على القوانين حتى تصبح نافذة في يد "حزب التنمية والعدالة" ذات الصبغة الإسلامية الذي خرج من رحم المفكر الإسلامي "نجم الدين أربكان" بعد أن أصبح من حكم المؤكد وصول أول رئيس غير علماني إلى سدة الرئاسة الأولى في أكثر دولة تطرفاً في علمانيتها بل وصول أول رئيس إسلامي مدعوم من حزب  إسلامي حديث النشأة وهو "حزب التنمية والعدالة"، بل الغريب هو وصول إلى سدة الرئاسة الأولى في تركيا  رجل قضى "شهر العسل" في السجن حين وقع انقلاب عام 1980، وأن يصبح هو نفسه القائد الأعلى للجيش التركي الذي قام بانقلاب 1980 وتسبب في سجنه والأغرب من هذا وذاك أن تكون زوجته هي أول امرأة تركية محجبة ترفع دعوى قضائية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد الحكومة التركية عام 1998 لرفضها دخول المحجبات للجامعة فإذا بها أول محجبة تدخل القصر الرئاسي!

نعم انه "عبد الله غول" الوسيم الهادئ المعتدل المزاج الحاصل على دكتورة في الاقتصاد من أرقى الجامعات البريطانية، والذي شغل منصب وزارة الخارجية التركية منذ عام 2003 وحتى اليوم.. وأما زوجته فهي "خير النساء غول" المثقفة الفطنة التي تذكرك بعزة المسلمات الأوائل حين تزهو بحجابها وتتألق بثقافتها الإسلامية.

قبل أسبوع من إعلان حزب التنمية والعدالة اسم مرشحه لرئاسة الجمهورية التركية كان الشارع التركي يغلي متسائلاً فيما إذا كان رئيس الوزراء التركي ومؤسس حزب التنمية والعدالة  "رجب طيب أردوغان" سيترشح لمنصب الرئاسة الأولى حينها قال أردوغان لمجموعة من الصحافيين أن مرشح حزبه لرئاسة تركيا  سيشكل "مفاجأة"

وجاء اليوم الثلاثاء الواقع في  24 ابريل ليكشف أردوغان عن المفاجأة  وليعلن أن مرشح حزبه للرئاسة الأولى هو زميله الذي تتلمذ معه على يد "نجم الدين أربكان" سليل "محمد الفاتح" وانشقا عنه معاً وأسسا "حزب التنمية والعدالة" معاً فإذا به "عبد الله غول" فلماذا لم يترشح أردوغان للرئاسة وما الأسباب التي دفعته لاختيار "غول" بدلاً عنه؟

أسباب ترشيح غول

ما لا شك فيه أن أردوغان لديه الرغبة الأكيدة لشغل منصب رئيس الجمهورية التركية إلا أنه على ما يبدو عدل عن ذلك بعد مشاورات مكثفة داخل حزب العادلة والتنمية التي يسيطر على أغلبية البرلمان والذي يتزعمه أردوغان وذلك للأسباب التالية:

1-  منصب رئيس الجمهورية هو منصب فخري يحتاج لشخصية كارزمية مثل عبد الله غول وليس إلى شخصية طموحة وعملية مثل أردوغان الذي يرأس الحزب الأكثر تأثيراً في الشارع التركي.

2-  دخول تركيا الانتخابات النيابية في نوفمبر تشرين الثاني القادم وبالتالي فإن حزب العدالة بحاجة لرئيسه أردوغان في إدارة الحملة الانتخابية لما يتمتع به من شعبية واسعة في الشارع التركي وذلك لحصد أكبر عدد من المقاعد البرلمانية لصالح الحزب. وفي هذا يقول سرحان شفيق الاقتصادي في بنك مورجان ستانلي إن "بقاء أردوغان زعيما لحزب العدالة والتنمية سيعزز فرص فوز الحزب في الانتخابات العامة التي ستجرى في وقت لاحق من هذا العام."

3-  خشية الحزب من انقسام داخله في حال تعرض لأزمة كما كان الحال مع "حزب الرفاه" الإسلامية والذي كان كل من أردوغان وغول أحد كوادره ثم انفصلا عنه ليؤسسا حزب العدالة والتنمية.حيث أن احتمال ترشح أردوغان للرئاسة أدت لتعبئة نصف مليون إلى 1.5 مليون متظاهر بحسب التقديرات في 14 نيسان ابريل  في أنقرة. وإذا أخذا بالاعتبار ما ذكرته مجلة  (نيوزويك) الأمريكية  في ديسمبر كانون أول 2006 أن يقوم الجيش بانقلاب نسبة 50% في حال تم وصول إسلامي للرئاسة الأولى فإنه يتبين لنا أهمية الخطوة التي قام بها أردوغان في حسم مسألة ترشحه للرئاسة.

4-  ما يتمتع به غول من سمعة طيبة وما يوصف به من اعتدال إضافة لما حققه من انجاز دبلوماسي خلال فترة توليه لوزارة الخارجية التركية فضلاً عما يوصف به من قبل الأحزاب التركية الأخرى بأنه الرجل الأكثر اعتدالاً داخل حزب التنمية والعدالة، فترشيح غول للرئاسة يمكن أن يقلص من نقمة العلمانيين على الحزب وبالتالي يخفف من حدة الاحتمالات بانقلاب عسكري كما هو معهود في تركيا. يقول " وولفانجو بيتشولي" وهو محلل متخصص في الشؤون التركية "رغم حقيقة أن زوجته ترتدي الحجاب إلا أن جول وهو سياسي معتدل رقيق الحديث يتمتع بثقة الجيش والمؤسسة العلمانية أكثر من زعماء حزب العدالة والتنمية الآخرين."

5-  شغل حزب التنمية والعدالة لسدتي الرئاسة في تركيا سيعزز من الحراك السياسي حيث ستتحد الأحزاب العلمانية بكل أطيافها مع مؤسسة الجيش لمراقبة أداء الحكومة على الرغم مما هو قائم بينها من اختلاف في التوجه من جانب ومن جانب آخر فإن شغل منصبي رئيسي الجمهورية والحكومة من  نفس الحزب من شأنه أن يحرر أداء الحكومة ويسهل من تطبيق أجندتها السياسية في الداخل وبالتالي يحقق لها نشاط دبلوماسي غير مسبوق خصوصاً إذا علمنا أن الرئيس المنتهية ولايته احمد نجدت سيزر المتمسك بالعلمانية ردّ عدة تعيينات على رأس مؤسسات أساسية، معتبرا المرشحين الذين طرحتهم حكومة أردوغان غير مناسبين.

 هذا في البرامج الداخلية أما في السياسة الخارجية فقد حال الرئيس "سيزر" دون استقبال كل من الرئيس العراقي "جلال الطالباني" والرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" في أنقرا على خلاف ما كان يرغب به رئيس الحكومة أردوغان الذي أراد علاقات طيبة مع دول الجوار.

على الرغم من أن أول اعتراض على ترشيح "حزب العدالة والتنمية" لوزير الخارجية عبد الله غول لرئاسة الجمهورية جاء على لسان "مصطفى أوزيوريك" وهو نائب بارز من أعضاء حزب الشعب الجمهوري المعارض بأن الحزب سيطعن أمام المحكمة الدستورية إذا قل عدد النواب الحاضرين في جلسة التصويت عن الثلثين، فإنه بالمقابل فقد عوضت أسواق المال التركية بعض خسائرها بعد الإعلان عن ترشيح جول. وانتعشت الليرة التركية أمام الدولار كما حد مؤشر الأسهم الرئيسية في بورصة اسطنبول من خسائره.

وإذا كانت المعارضة ترى نفسها نجحت في إقصاء أردوغان عن الترشح للرئاسة فإن الأخير نجح وبلا شك في تجاوز حساسية  الأحزاب العلمانية نسبيا تجاه حزبه واستطاع أن يقدم مصلحة مشروعه على مصلحته الخاصة فـ أردوغان الرجل المتمرس والعنيد وذو الجذور الإسلامية لم يكن لطوحه حد فقد استطاع أن يخرج من السجن وان ينشق على أستاذه أربكان ويؤسس لحزب العدالة ويكون أول رئيس للحكومة غير علماني، لا يمكن أن يعجز أمام حاقديه وبالتالي ينهزم مشروعه أمامهم والإسلاميين اليوم في تركيا أحسن حالا من ذي قبل فها هو يتفرغ لمشروعه الذي بدأ به منذ  2004 والذي من ملامحه ما يلي:

-       مصالحة بين تركيا وتاريخها العثماني

-       تحقيق أكبر قدر من الديمقراطية والحرية

-       انفتاح تام على الإتحاد الأوروبي

-       فك العزلة التي وضعت تركيا نفسها بها منذ الحرب العالمية

-       بناء علاقات جيدة مع جيرانها العرب

-       أسلمة المجتمع الدولة ولكن بنكهة تركية غير معهودة في أي مكان آخر

-       الحد من تدخل الجيش في السياسة التركية

-       تثبيت دعائم الاقتصاد التركي لا سيما في المجال الصناعي.

-       القضاء على التفاوت الطبقي ورفع مستوى الدخل الفردي للمواطن التركي.

ويبقى السؤال هل سيلبي رئيس الجمهورية التركية القادم عبد الله غول الذي سيدخل التاريخ التركي على أنه أول رئيس تركي غير علماني تطلعات 70% من شعبه الراغب بحرية أوسع في ممارسة شعائره الدينية، وهل سيراعي شعور 60 % من نساء تركيا المحجبات أو 59 % من الأتراك الذين يعتقدون، وفقا لمسح أجرته مؤسسة "تي.اي.اس.اي.في" البحثية، أنه يجب على المسلمات أن يتحجبن، أم أن المظاهرات التي شهدتها اسطنبول في عهد سلفه سيزر ستتواصل في عهده حين وقف الرجال والنساء منفصلين هاتفين بشعار واحد "يحيا الكفاح من أجل الحجاب" على اعتبار أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها وان ليس بوسع "حزب التنمية والعدالة" أكثر مما كان؟....

*كاتب ومحلل سياسي لبناني

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1 آيار/2007 -12/ربيع الثاني/1428