اصدارات جديدة: عالم الفكر.. ودراسات في الأدب

شبكة النبأ: العدد الجديد من دورية عالم الفكر حمل محورها العام عنوان (دراسات في الادب) تضمن عدة بحوث محكمة..

للدكتور حفناوي بعلي نقرأ (آفاق الأدب المقارن العالمية في تصور الناقد أدوارد سعيد) لقد ظلت المؤلفات العربية في حقل الأدب المقارن، طوال العقدين أو الثلاثة الماضية، واقعة في مجملها تحت طائلة التأثير الغربي؛ سواء من الناحية المنهجية أو التطبيقية. بيد أن نوعاً من الاستقلال بدأ يظهر في السنوات الأخيرة في مؤلفات عدد من المقارنين العرب، خاصة بعد أن شعر الباحثون العرب بتشكل تجربة عربية متنامية في المقارنة، وضعت الأسس وسمحت بالتوسع والانفتاح على مصادر منهجية وتطبيقية خارج أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. والذي يبدو هو أن دخول الأدب المقارن إلى حيز الاهتمام الأكاديمي، في ما يعرف بالعالم الثالث، سيحدث تأثيراً في مستقبل هذا الحقل. فالاهتمام بالأدب المقارن في بقية دول المحيط، جاء ليعزز الاهتمام بالأدب الوطني، وذلك على العكس من التوجه المنهجي للمقارنة في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة.

فقد بدأت الشواهد تترى مؤكدة أن ثمة تحولات نظرية وتفريعات منهجية وحقلية، قد تعني انفتاح الأدب المقارن على حقول جديدة، من ذلك انفتاح الأدب المقارن على الترجمة وقضايا الاتصال والعولمة. ومن ذلك أيضاً ما يعرف الآن بالدراسات ما بعد الاستعمارية أو ما بعد الكولونيالية. والمقصود بها الدراسات التي تبحث في العلاقات الثقافية بين الغرب بوصفه مستعمراً، وما يقع خارج الغرب من دول وقعت تحت طائلة الاستعمار، مع ما تتضمنه تلك الدراسات من تحليل للنصوص الأدبية وغيرها، للكشف عن استراتيجيتها الخطابية، على النحو الذي يبرزه إدوارد سعيد في كتابه: الاستشراق، والثقافة والإمبريالية.

يأتي إدوارد سعيد في طليعة محللي الخطاب الاستعماري، بل ويعده بعضهم رائد الحقل، فقد استطاع بمفرده أن يفتح حقلاً من البحث الأكاديمي، هو الخطاب الاستعماري، ذلك أن دراسته للخطاب الاستعماري، خطاب تلتحم فيه القوة السياسية المهيمنة بالمعرفة والإنتاج الثقافي. غير أن تحليل سعيد جاء مرتكزاً على سياق معرفي وبحثي سابق له، يتضمن اعمال اثنين من المفكرين الغربيين المعاصرين؛ هما الفرنسي (ميشال فوكو Michel Foucault) والإيطالي (أنطونيو غرامشي Antonio Gramci) ومن الممكن والحال كذلك اعتبار هذين المفكرين ممن وضعوا أسس البحث في الخطاب الاستعماري، بالإضافة إلى بعض فلاسفة مدرسة فرانكفورت مثل: ثيودور أدورنو Theodor Adorno، وماكس هوركهايمر Max Horkheimer.

ونقرأ للدكتور أحمد زلط (مؤثرات أيديولوجية في أدب الطفل العبري (مقارنة تأويلية) ثمة ظاهرة فنية مهمة، أهملها الباحثون العرب في ميدان أدب الطفل المقارن، وهي عزوفهم عن تناول أدب الطفل العبري الحديث والمعاصر بالرأي والدرس.

وقد لفت انتباهي أثناء متابعتي لأدبيات الطفولة في الشرق والغرب عامة، وفي أدب اللغة العبرية خاصة، أن أطفال الدولة العبرية يتعرضون لقولبة أدمغتهم ومشاعرهم لنبذ العرب وكراهيتهم؛ فيشبون وقد تملكتهم من طباع غرس الطفولة العنف والتعصب والعدوان وخيلاء التمايز العنصري. وقد اندهشت من عمدية المخطط المؤسسي والمبدع العبري في تكريس ذلكم الغرس.

مما سبق يتضح لنا – فيما يبدو – أن هناك نقصاً واضحاً في إيجاد مناخ جديد للتربية المتوازنة فيما يقدم للطفل العبري من مقاصد الهدم والعداء، لا الإخاء والبناء، فعالم الطفولة – البراءة – يجب أن ينأى عن تنفيذ المتطلبات الصادرة عن المؤسسات العسكرية والدينية، أو المناهج التربوية الإسرائيلية الضاغطة على عقول أطفالهم قبل وجداناتهم، إن التعصب أول مداخل العنف والعدوان في إرهاب الدولة أو إرهاب الفرد بينما المأمول إكساب الطفل الحب والتسامح والإخاء والتعاطف الإنساني.

وتكمن أهداف البحث التي يرجى تحقيقها فيما يلي:

تتبع موجز للفكر الصهيوني القديم والمعاصر، وعلاقة ذلك بالأدب والأيديولوجيا، أيضاً تتبع وتحليل بعض النماذج المختارة من فنون الأدب الموجه للطفل في أدب اللغة العبرية الحديثة. ثم الوقوف عند مقارنة لا بد منها – بين فلسفة أدب الطفل العربي وفلسفة أدب الطفل العبري، ومن ثم فتح آفاق جديدة أمام الباحثين لدراسة قضايا أدب الطفل العبري واتجاهاته.

لعل المنهج التكاملي هو الأقرب في التناول، نظراً إلى طبيعة موضوع البحث، أما أهم مصطلحات الدراسة فهي: الأغيار (كل ما هو غير يهودي إسرائيلي من العرب المحيطين بإسرائيل أو من الفلسطينيين). الأيديولوجيا (مذهب أو معتقد فكري سياسي تعتنقه جماعة بشرية في تصورات وأفكار اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، تحليل النص: قراءة النصوص الأدبية المختارة – في توسع دال – من أدب الطفل العبري؛ قراءة فنية تحليلية لعناصره ومراميه). المخطط المؤسسي: فكر المؤسسات الحاكمة (وهي في إسرائيل المؤسسات العسكرية، الدينية، السياسية= الفكر الصهيوني الأم).

ونقرأ للدكتور إبراهيم نمر موسى (ذاكرة المكان وتجلياتها في الشعر الفلسطيني المعاصر).

وللدكتور عبد السلام المساوي نقرأ (الموت من منظور الذات – قراءة في جدارية محمود درويش) يمكن اعتبار قصيدة محمود درويش الطويلة المعنونة بـ(جدارية) مواجهة للموت بسلاح الذاكرة الحية التي تختزن قدراً وفيراً من الأحداث والرموز الثقافية. إنه يقدم. عبرها. على إشهار الكتابة بكل ما تختزنه من حدود معرفية وحدود خيالية في وجه الموت الذي يتربص بالجسد. وهو بعبارة أخرى يفضح عري الموت وجبنه بالإشارة إلى كونه لا يستطيع أن ينال من ضحيته سوى الأعضاء الهشة، لكنه في القابل لا يقوى على ابتزاز حمولته الرمزية تلك التي ستمكنه من المكوث خالداً في ملكوت الأفكار والتوهج الرمزي والجمالي.

وهو في خلال ذلك يحتمي بأسماء أسلافه الكبار من أمثال امرئ القيس وطرفة والمعري والمتنبي... وينحاز إلى صفهم الذي يسمو على كل فناء محتمل. وقد كان احتماؤه بالجدار محاكاة لطقوس الأسلاف الذين أدركوا بالفطرة، وبالثقافة فيما بعد، أن الجسد – مهما عمّر – يمحوه الزمان، ولكن ما تخطه الأصابع – حزناً وفرحا – على الجدران يحظى بالخلود. هكذا سمى محمود درويش قصيدته: جدارية. فهي من جهة قصيدة مرفوعة بالجدار، وهذا ما يؤهلها لأن تكون الأكثر بروزاً للعين القارئة، بمعنى أن الشارع ينتخبها من بين القصائد الكثيرة التي يحفل بها مساره الإبداعي لكي تمثل – اختزالاً – هذا في زمن منذور للتحولات الرهيبة بفعل التقدم التكنولوجي، وأن الشاعر نفسه يدعم هذا الطرح في قوله: (وإذا كان لا بد من تخليص، فلتكن (جدارية) هي المخلص، فالقارئ القادم ليس لديه لقراءة أي شاعر حتى ولو شكسبير... سيختزل أي شاعر بنص ما، خاصة أننا مقبلون على زمن الانترنت لقد كنت أرشح هذه القصيدة لتكون هويتي الشعرية، ثم إن (الجدارية) بمعنى من المعاني تحيل على الكتابة والرسم على الجدران؛ وهي ممارسة قديمة في تاريخ الشعوب، عرفها الإنسان البدائي الذي كان يتخذ من جدران الكهوف مجالاً مسعفاً للتخطيط أو الرسم.. وظل الإنسان بعد ذلك مشدوداً إلى الجدران لممارسة فعله الرمزي الذي يضمن استمراريته بعد موته. وقد غذت الحضارات والأديان القديمة هذه الممارسة عندما انتقلت بها من عتمة جدران الكهوف إلى جدران المعابد والقصور وشواهد القبور. ولعل ذلك ما يفسر إيمان الإنسان القديم بجدوى الآثار المخطوطة ومقدرتها على الحياة بعد فنائه. و(الجدارية) بمعنى آخر (معلقة) والفرق بينهما تقني لا جوهري؛ لأن الجدارية كتابات أو رسوم محفورة على الجدار، أما المعلقة فهي كتابات أو رسوم سبق تنفيذها على مادة أخرى وعلقت على الجدار، على نحو ما نجد في الموضوع المرتبط بالمعلقات العربية، وهي القصائد الجاهلية التي حظيت بمكانة بارزة فقيل إنها كتبت بماء الذهب وعلقت على أستار الكعبة. والشاعر محمود درويش يشير إلى أنه قصد بـ(الجدارية) كتابة مشروع شعري هو بمنزلة وصية أو معلقة أخيرة، يقول: (في قصيدة جدارية كنت أكثر انتباهاً أولاً للمسألة الوجودية وليس للمسألة الشعرية، وكنت أعتقد أنني أكتب وصيتي وأن هذا آخر عمل شعري أكتبه... وما دمت أكتب وصيتي الشعرية، فعلي أن أستعير واستخدم كل أسلحتي الشعرية في الماضي والحاضر.. فعلي أن أستعير واستخدم كل أسلحتي الشعرية في الماضي والحاضر... هذا يفسر الملاحظة الدقيقة أن هناك تقاطعاً بالقصيدة هو عودة إلى إيقاعات سابقة وعودة إلى مفردات سابقة وعودة إلى نفس سابق... لكن القصيدة في كليتها ليست كذلك، لأن هناك مناطق بالقصيدة ميتافيزيقية. لقد حاولت أن أضع في هذه القصيدة كل معرفتي وأدواتي الشعرية معاً، باعتبارها معلقتي).

ونقرأ للدكتور محمد مريني (خطاب ما بعد البنيوية في النقد المغربي الحديث) وللدكتور أحمد السماوي نقرأ (المقال السردي... إبراهيم عبد القادر المازني أنموذجا).

ونقرأ للدكتور محمد محمود الدروبي (التهم الموجهة إلى الجاحظ... نظر نقدي) وأخيراً للدكتور أحمد رزيق نقرأ (شروح البيت والقصيدة في الأدب العربي... محاولة في التصنيف).

في محور آفاق معرفية..

نطالع للدكتور نزار التجديتي (مفهوم التلقي من خلال الأنموذج التواصلي لنظرية زيجفريد شميث)

يُعدّ مبحث التواصل، وهو الرديف اللصيق بمباحث الاتصال والإخبار والإعلام، اتجاهاً علمياً عاماً انبثق بالغرب المتقدم تقنياً في منتصف القرن العشرين مع ابتكار أول حاسوب ضخم الحجم بالولايات المتحدة عام 1946م، واستعماله لأغراض عسكرية تتصل بتحديد أهداف القاذفات المضادة للصواريخ تحديداً دقيقاً. وعرف هذا المبحث العلمي انطلاقته النظرية الحاسمة في مجال الإنسانيات مع بداية الستينيات من ذلك القرن عند تطور الأجهزة التقنية الكهربائية تطورها الهائل، قبل أن تشجع عليه تشجيعاً كبيراً في حقبة الثمانينيات هيمنة ثقافة الصورة البصرية على ثقافة المروي المسموع والمطبوع المقروء في المجتمعات الاستهلاكية الغربية وطغيان قوة الإعلام السمعي البصري على منابر الساحة الإعلامية الدولية.

بل إن الطفرة التقنية والعلمية والثقافية التي عرفها ميدان الاتصالات بفضل القمر الاصطناعي غزت، في حقيقة الأمر معظم جوانب الحياة المادية والمعنوية للانسان المعاصر الذي اصبح يدعى من جراء ذلك بـ(الكائن الإخباري) وكذلك غدت تقنيات الاتصال السريعة الجديدة – مثلما قال العالم الإناسي الفرنسي جورج ديميزيل Georges Dumezil في حوار مشهور معه قبل أسابيع من وفاته – سمة كونية بارزة لحضارة الغرب الاستهلاكية، وصارت حقنة ضرورية لأمثولاته المعاصرة. إذ يمكن الإقرار، مع أحد الإعلاميين المتابعين للتطورات التقنية السريعة التي عرفها مجال الاتصال السمعي البصري في نهاية القرن الماضي، بأنه: (بعد عدة قرون طويلة اتسمت بسيادة الحضارات الزراعية، وبعد قرنين من هيمنة الصناعة التحويلية للمواد الأولية، يدخل العالم في عهد جديد: عهد الإخبار) أو بالأحرى (عصر ثورة الإخبار).

ولقد تأكدت معالم هذا التحول التاريخي والحضاري والتقني سنة بعد سنة في واقع الممارسات الحضارية والعادات الإنسانية اليومية، واتضحت أدواته ومسالكه وانعكاساته عقداً بعد عقد في خريطة العالم المعاصر بسياج الأقمار الاصطناعية المتزايدة في الفضاء الخارجي للأرض (أكثر من 500 قمر صناعي) حيث فرضت طرق نقل المعلومة الجديدة بالتقنيات الحاسوبية السريعة جداً واقعاً ثقافياً وتربوياً وعلمياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً جديداً مطبوعاً بمظاهر العمومية الكونية المفقرة، عوض معالم الخصوصية المحلية الغنية.

مما دفع هنا وهناك بعدد كبير من المحللين المعاصرين لآثار وسائل الاتصال الجماهيري الجديدة media of mass communication على حركية المجتمعات الإنسانية وتطورها، ومنهم على وجه التمثيل المتخصص الشهير أبراهام مولز Abraham Moles إلى القول – منذ بداية السبعينيات – إننا ولجنا عصراً تقنياً وعلمياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً جديداً مغايراً تماماً للعصور السالفة: عصر التواصل.

ونقرأ للدكتور عبد المطلب زيد (صيغ التماس في القصّ القرآني)

يمثل البحث في صيغ التماس مقدمة ضرورية لدراسة القصص دراسة تشريحية تهدف، فيما تهدف إليه، إلى الوقوف على نقاط الالتقاء وخطوط التماس المشكّلة لشبكة العلاقات في النسيج القصصي القرآني، إذ تؤشر هذه الخطوط وتلك النقاط، بوصفها مظهراً مادياً وعلامة دالة، على التلاحم والتشابك سواء بين مفاصل القصة الواحدة أو بين عدة قصص تترابط فيما بينها برباط يجمع شتاتها، ويؤلف بين تنوعاتها الزمانية والمكانية في خطاب يحمل الملامح ذاتها، ويصدر عن البواعث ذاتها، ويتغيا الغايات ذاتها.

كذلك تؤشر تلك العلامات، في الوقت ذاته، على التماس بين زمن القص الأصلي والأزمنة التابعة له، وتكشف عما طرأ على الحواجز الحدودية لتلك الأزمنة من عمليات اختراق متنوعة ومتتابعة في عملية مدّ وجزر دائمين، سواء حدث هذا الاختراق لحواجز الزمن الاستباقي الذي يتسع مداه ليشمل التاريخ البشري كله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أو تعلق هذا الاختراق بحجب الأزمنة الاسترجاعية التي تضرب بجذورها في قضاء تاريخي مترامي الأطراف، واسع الجنبات، وذلك بغية ردم ما بين هذه الأزمنة من هوة فسيحة، وملء ما بينها من فجوات زمنية أو مدد بينية، ثم المساعدة على مد جسور التواصل التي ترتبط بعضها البعض من جهة وتربطها بواقع المسلمين من جهة أخرى؛ أي بين الوقائع الغيبية القارّة في تلك الأزمنة الغيبية ماضية كانت أو مستقبلية والوقائع المنظورة القارّة في الحاضر الشاهد والواقع المائل أمام الأعين.

ولا يقف اثر هذه الصيغ عند التحام الأزمنة والوقائع في بنية القصص القرآني فحسب، بل

يتعدى ذلك إلى غايات أخرى تتمثل، فيما تتمثل، في توظيف بعض هذه الصيغ لأداء دور الأسوجة والحدود الفاصلة بين مشهد وآخر أو بين حلقة وأخرى، وذلك بغية تركيز الأضواء على وقائع بعينها، أو على حدث بذاته، إما بقصد تقوية جانب الإيحاء فيه، وإما بهدف لفت انتباه المتلقي إلى الانزياح لمعنى جديد أو حدث مغاير، وما ينجم عن ذلك من تضافر واستنفار لجميع حواسه وقواه النفسية والعقلية بغية استنطاق تلك الأحداث، وبعث الحياة فيها، وأخذ العبرة كاملة وجلية منها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30 نيسان/2007 -11/ربيع الثاني/1428