تركيا  بين انقلابات الجيش العلماني واستحقاقات الحكم الاسلامي

شبكة النبأ: تجد تركيا نفسها اليوم على شفير ازمة سياسية خطيرة مع مواجهة بين الحكومة المنبثقة من التيار الاسلامي والقوات المسلحة القوية النفوذ وحامية النظام العلماني.

وعشية الدورة الاولى في البرلمان التركي لانتخاب رئيس الجمهورية وصل الجدال القانوني الى اوجه في انقرة حول آلية هذا الاقتراع فيما يستعد انصار العلمنة للتظاهر في اسطنبول.

فطوال الفترة الماضية اجرى مرشح الحزب الحاكم الى الانتخابات الرئاسية وزير الخارجية عبدالله غول لقاءات مع ممثلي المعارضة في الجمعية الوطنية في مسعى للحصول على دعمهم.

ولضمان انتخابه من الدورة الاولى يفترض ان يجمع غول اكثر من ثلثي الاصوات اي 367 صوتا على الاقل. ويحظى حزبه حزب العدالة والتنمية المنبثق عن التيار الاسلامي بغالبية 353 مقعدا من اصل مقاعد البرلمان ال550.

لكن يبدو مؤكدا انتخابه في الدورة الثالثة للاقتراع في التاسع من ايار/مايو المقبل حيث يكفي حصوله على الغالبية المطلقة اي 276 صوتا لكن معركة قانونية تدور في هذا الصدد وقد تغرق تركيا في ازمة سياسية.

فحزب الشعب الجمهوري (اجتماعي ديمقراطي) اكبر احزاب المعارضة اعلن انه سيقاطع الانتخابات. وسيلجأ فضلا عن ذلك الى المحكمة الدستورية لابطال عملية التصويت ان جرت الدورة الاولى بدون تأمين النصاب بحضور 367 نائبا وهو امر ضروري براي حزب الشعب الجمهوري لانتخاب رئيس بموجب القانون الداخلي للبرلمان.

وردّت الحكومة التركية بحزم على الجيش الذي اتهمتها بتهديد العلمانية المطبقة في البلاد مذكرة بأن هيئة الاركان تبقى "تحت إمرة رئيس الوزراء".

واثر اجتماع دام اكثر من ساعتين بين رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وعدد من وزرائه اعلن المتحدث باسم الحكومة جميل تشيتشك لوكالة فرانس برس ان تصريحات الجيش تستهدف الحكومة.

وقال للصحافيين "لا يتصور في دولة قانون ديموقراطية ان تصدر مثل هذه التصريحات عن هيئة خاضعة لإمرة رئيس الوزراء".

واكد ايضا تمسك حكومة حزب العدالة والتنمية (المنبثق من التيار الاسلامي) بالمبادىء

العلمانية للجمهورية مشددا على انه "لا يمكن مجرد التفكير" في ان تسعى تركيا الى تسوية مشاكلها خارج اطار المنظومة الديموقراطية.

واتهم تشيتشك ايضا قيادة الاركان بـ"محاولة التاثير على مجرى العدالة" باصدار بيانها في الوقت الذي تبحث فيه المحكمة الدستورية طعنا من المعارضة لالغاء الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت الجمعة في البرلمان.

من جهة اخرى قال ان محادثة هاتفية "مفيدة ومثمرة" جرت بين اردوغان وبين رئيس هيئة اركان الجيش التركي الجنرال يشار بويوكانيت.

وفي بيان صدر سابقا شددت قيادة اركان الجيش على ان القوات المسلحة هي "حامية حماة العلمانية" وانها "ستعلن صرامة موقفها وتحركاتها عندما يستدعى الامر".

وفي رد فعل اول أكد اردوغان ان الشعب التركي سيتصدى لأي محاولة لزعزعة الاستقرار في البلاد.

وقال رئيس الحكومة في خطاب امام اجتماع للهلال الاحمر التركي في انقرة واثنى فيه على الجهود التي تبذلها هذه المنظمة لمكافحة الكوارث الطبيعية "يمكن للوحدة السياسية والبنية الاجتماعية (..) في هذا البلد ان تكونا احيانا ضحية كوارث".

واضاف "ان هذه الامة دفعت ثمنا غاليا ومؤلما عندما فقدت اسس الاستقرار والثقة. لكنها لن تعد تسكت ابدا عن الانتهازيين الذين ينتظرون ويفتحون الطريق امام الكارثة".

وفي بروكسل دعا المفوض الاوروبي لشؤون التوسيع اولي رين اليوم السبت الجيش التركي الى البقاء خارج العملية الانتخابية في تركيا.

واعلن المفوض لمجموعة من الصحافيين "من المهم ان يترك الجيش الصلاحيات الديموقراطية للحكومة المنتخبة".

واعتبر ان ذلك "يمثل اختبارا لرؤية ما اذا كانت القوات المسلحة التركية تحترم العلمانية الديموقراطية والتنظيم الديموقراطي للعلاقات بين المدنيين والعسكريين" مؤكدا رغم ذلك "احترامه الكبير" للجيش.

وشهدت الازمة تطورا جديدا خلال الجولة الاولى لانتخابات البرلمان لرئاسة الجمهورية التي لم يترشح لها سوى وزير الخارجية عبد الله غول اليد اليمنى لرئيس الوزراء. ولم يحصد غول سوى 357 صوتا في حين ان الغالبية المطلوبة لانتخابه هي 367 صوتا.

واجمعت الصحف التركية على المطالبة بانتخابات مبكرة بعد تحذير الجيش واتهامه للحكومة بانها لا تحرك ساكنا لوقف تنامي الانشطة الاسلامية.

وكتبت صحيفة "حرييت" الواسعة الانتشار "الخلاص الوحيد لتركيا هو تنظيم انتخابات تشريعية في الاشهر المقبلة. لا يوجد حل اخر".

وفي افتتاحية على صفحتها الاولى حثت صحيفة "وطن" الشعبية الاحزاب السياسية الى اخذ تحذير العسكريين على محمل الجد والاتفاق على تنظيم انتخابات تشريعية في اسرع وقت ممكن.

وكتبت "وطن" تقول "ان السبيل الاسرع لانقاذ تركيا ومستقبلها هو دعوة البرلمان الى الاجتماع فورا وتنظيم انتخابات في اسرع وقت ممكن وان نثبت للعالم ان هذا البلد من النضوج الكاف لحل مشاكله بطريقة ديموقراطية".

وقد قام الجيش التركي بثلاثة انقلابات في 1960 و1971 و1980 وارغم اول رئيس وزراء اسلامي لتركيا وهو نجم الدين اربكان المرشد السياسي لكل من اردوغان وغول على الاستقالة في 1997.

وعلى الرغم من ان الاخيرين يتنكران لماضيهما الاسلامي ويؤكدان انهما باتا من مؤيدي المبادىء الجمهورية الا ان انصار العلمانية يرون انهما يريدان أسلمة البلاد سرا.

ويعارض هؤلاء خصوصا وصول غول الذي ترتدي زوجته الحجاب الى الرئاسة.

وفي منتصف نيسان/ابريل ضمت تظاهرة اولى مؤيدة للعلمانية اكثر من 500 الف شخص في انقرة.

الحكومة التركية تندد بتهديد الجيش

وفي تقرير لرويترز، نددت الحكومة ذات الجذور الاسلامية في تركيا بالجيش بعد تهديده بالتدخل في الخلاف الخاص بالانتخابات الرئاسية في حين دعا الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الى ايجاد حل سلمي للازمة.

وأصدر الجيش الذي أطاح بأربع حكومات خلال الخمسين عاما الماضية بيانا شديد اللهجة اعرب فيه عن القلق ازاء الانتخابات وقال انه مستعد للتحرك دفاعا عن النظام العلماني الذي يفصل بين الدين والدولة.

وجاء هجوم المتحدث باسم الحكومة جميل جيجيك على الجيش علامة على تصعيد الخلاف بشأن الانتخابات الذي يضع الصفوة العلمانية في تركيا بما فيها جنرالات الجيش الاقوياء في مواجهة الحكومة التي يتهمونها بمحاولة زيادة دور الاسلام في السياسة.

وقال جيجيك في مؤتمر صحفي "مشاكل تركيا ستحل في اطار القانون ولا يوجد أي سبيل أخر... رئيس هيئة الاركان العامة للجيش مسؤول أمام رئيس الوزراء."

ويعتقد العلمانيون أن وزير الخارجية عبد الله جول مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم للانتخابات الرئاسية سيقضي بشكل تدريجي على النظام العلماني في حالة انتخابه. وسيكون جول في حالة انتخابه أيضا قائدا للقوات المسلحة.

وقال جيجيك ان رئيس الوزراء طيب أردوغان تحدث تليفونيا مع أكبر جنرال في

تركيا وهو ياشار بويوكانيت مضيفا أنه يتعين أن يبقى الجيش تحت سيطرة مدنية صارمة.

واضاف ان بيان الجيش موجه ضد الحكومة واستهدف التأثير على المحكمة الدستورية التي ستنظر في طعن قانوني في صحة الجولة الاولى غير الحاسمة من الانتخابات الرئاسية التي أجريت الجمعة.

وقال جيجيك الذي يشغل أيضا منصب وزير العدل في لفتة تصالحية ان الحكومة لن تسمح لخصومها باثارة التوترات بينها وبين الجيش. كما شدد على التزام الحكومة بالقيم العلمانية.

ودعا الاتحاد الاوروبي الذي تأمل تركيا في الانضمام اليه والولايات المتحدة حليفة انقرة في حلف شمال الاطلسي الى احترام الديمقراطية.

وقال مفوض شؤون توسيع الاتحاد الاوروبي اولي رين للصحفيين في بروكسل " هذا اختبار سيظهر ان كانت القوات المسلحة التركية تحترم العلمانية الديمقراطية والنسق الديمقراطي للعلاقات المدنية العسكرية."

لكن الاتحاد الاوروبي فقد التأثير في تركيا حيث تنتاب الشكوك الرأي العام وسط خلافات بشأن قبرص وقضايا أخرى. ويشعر كثير من الاتراك بأن الاتحاد الاوروبي لا يريد قبول تركيا فيه.

وقال كارل دكوورث المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية في واشنطن " الولايات المتحدة تدعم بشكل كامل العملية الدستورية للديمقراطية العلمانية في تركيا. سيتعين ان تتخذ المحكمة الدستورية قرارا بشأن أي مسائل تتعلق بالانتخابات الرئاسية التركية."

وصدر بيان الجيش بعد فشل جول في الفوز بتأييد كاف في الجولة الاولى من التصويت في البرلمان. ومن المقرر اجراء جولة ثانية يوم الاربعاء القادم.

وقاطعت احزاب المعارضة العلمانية جلسة الجمعة. وطلب أحد هذه الاحزاب من المحكمة الدستورية الغاء التصويت الذي جرى يوم الجمعة بسبب حضور أقل من ثلثي الاعضاء في الجلسة.

واذا أيدت المحكمة الطعن المقدم من المعارضة سيتعين على اردوغان الدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة. وسيبقى الرئيس الحالي احمد نجدت سيزار في منصبه الى ان يستطيع برلمان جديد انتخاب خلف له.

وقال أركان مومجو القيادي في حزب الوطن الام وهو حزب يمين وسط "يتعين ان نتجنب الاستقطاب... الديمقراطية التركية اصيبت بجروح" في اشارة الى بيان الجيش. كما قالت رابطة حقوق الانسان ومقرها في انقرة ان البيان الحق الضرر بالديمقراطية.

ونظم نحو 1000 متظاهر تجمعا في جامعة أنقره يوم السبت للاحتجاج على الحكومة. ومن المقرر تنظيم مظاهرة كبيرة مؤيدة للعلمانية في اسطنبول يوم الاحد.

وقبل عشر سنوات أطاح الجيش التركي بحكومة رئيس الوزراء الاسلامي نجم الدين اربكان التي كان جول عضوا فيها بدعم شعبي قوي وبدون نزول الدبابات الى الشوارع.

ولكن لا يتوقع كثيرون قيام الجيش بانقلاب في تركيا اليوم حيث ينمو الاقتصاد بقوة وتحظى حكومة اردوغان بشعبية.

ويقول محللون ان اجراء انتخابات عامة مبكرة قد يكون السبيل الوحيد لنزع فتيل التوتر والسماح للبلاد بالمضي قدما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30 نيسان/2007 -11/ربيع الثاني/1428