ندوة عن إشكالية التحول من ثقافة المعارضة إلى ثقافة الدولة

شبكة النبأ: ينظر الى المعارضة الإسلامية انها لم يكن لديها فقه سياسة واضح على ارض الواقع نظرا لشدة الضغوط المستمرة عليها، ولكن بالمقابل كان لها رجالات ينظّرون في السياسة مثل السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) والسيد محمد الشيرازي(قدس سره) والسيد محمد الصدر(قدس سره) (1943-1999م) وغيرهم. وقد نمت المعارضة الإسلامية كأحزاب سياسية منذ الخمسينات، أي أنها ذات خبرة وتجربة سياسية غنية وطويلة.

من هنا أقامت مؤسسة الأبرار الإسلامية في لندن ندوة تحت عنوان: "إشكالية التحول من ثقافة المعارضة إلى ثقافة الدولة" وذلك يوم الخميس 19 ابريل/نيسان 2007، تحدث فيها الكاتب والمحلل الأستاذ نضير الخزرجي، أشار في مستهل المحاضرة إلى علاقة الإنسان بالسياسة، منوها بتعريف الفيلسوف اليوناني أرسطو (Aristoteles) (384-322 ق.م) للإنسان بأنه حيوان سياسي بالفطرة، واجتماعي بالطبع. فكل الناس يمارسون السياسة من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فالطفل يمارس السياسة وهو يلعب مع أقرانه. فالسياسة تجري من الإنسان كما تجري الدماء في العروق، والسياسي الناجح هو المدير الناجح القادر على حل الخلافات وتنظيمها. وهناك كتب كثيرة ألفت في السياسة منذ أقدم العصور؛ منها كتاب "الجمهورية" لأفلاطون (Platon) وكتاب "السياسة" لأرسطو.

وتناول المتحدث مسألة تعاطي النبي الأكرم محمد (ص) مع السياسة وتبنيه لعهد المدينة بوصفها وثيقة مهمة لتنظيم الأمور بين مكونات مجتمع المدينة من مسلمين ويهود ونصارى. كما تناول اجتماع سقيفة بني ساعدة عام 11 للهجرة والانتقال إلى نظام الخلافة الذي استمر قائما حتى القرن العشرين حينما ألغت حكومة الإتحاد والترقي نظام الخلافة في العام 1924م.

وذكر المتحدث أن الكتب التي الفت في نظام الحكم من وجهة نظر الفقه الإسلامي محدودة جدا. مؤكدا انه في العصر الأول كان الفقيه هو الحاكم والحاكم هو الفقيه، إلى أن ظهرت طبقة الفقهاء كرديف للحاكم يأتمرون بأمره ليس لهم أن يتدخلوا بشؤون السلطة، ولذلك قلت الكتب الإسلامية والفقهية حول نظام الحكم، فقد ألف أبو نصر الفارابي (260-339 هـ) كتابي "السياسة المدنية" و "آراء أهل المدينة الفاضلة"، وألف أبو الحسن الماوردي (364-450 هـ) كتابي "أدب الدنيا والدين" و"الأحكام السلطانية" ولم ينشر الكتاب الأخير في حياته خوفا، وأوصى بطباعته بعد موته، وألف القاضي أبو يعلى الفراء (380-458 هـ) كتاب "الأحكام السلطانية" بحث فيه ما أتى به الماوردي، وفي فترة البويهيين (320-447 هـ)، ظهرت مجموعة "رسائل إخوان الصفا" ويرجع البعض نسبتها إلى أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق، وكتب أبو حامد الغزالي (450-505 هـ) "التبر المسبوك في نصيحة الملوك"، ثم ظهر كتاب "سراج الملوك" لأبي بكر الطرطوشي (451-520) تناول فيه فن السياسة والحكم، وكتب ابن تيمية الحراني (661-728 هـ) "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية"، كما نشر ابن الطقطقي الحسني (ت 709 هـ) كتاب "الفخري في الآداب السلطانية والدولة الإسلامية". ويعتبر كتاب "مقدمة ابن خلدون" لعبد الرحمن بن خلدون (732-808 هـ) من الكتب التي بحثت في أمور الإمامة والخلافة والسياسة والحكم. وسار على منهجه القاضي ابن الأزرق الأصبحي (842-896 هـ) في كتابه "بدائع السلك في طبائع الملك". على إن كتاب "الإمامة والسياسة" لابن قتيبة الدينوري (213-276 هـ) من الكتب القديمة التي ألِّفت في شؤون الخلافة والحكم. بيد أن رسالة الإمام علي (ت 40 هـ) إلى واليه على مصر مالك الأشتر النخعي (ت 38 هـ) هي أوثق الرسائل في مجال تنظيم الحكم أصلت فقهيا لمفهوم الحكم، حيث نظم الإمام (ع) مواصفات ومسؤوليات الحاكم وحقوق وواجبات المحكوم.

وتطرق المحاضر إلى المصنفات المعاصرة في مجال السياسة والحكم، مشيرا إلى كتاب "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" للشيخ محمد حسين النائيني (1860-1936م)، الذي كان من أنصار المشروطة في إيران ودعا فيه إلى خضوع الحاكم للمراقبة والمساءلة. في حين لم تكن المستبدة ترى ذلك من وجهة نظر فقهية أيضا، فالكتاب ألفه الشيخ النائيني في النجف الأشرف ونشر لأول مرة في بغداد في العام 1909م، ثم أعيد طباعته في إيران في العام 1910م وبعد نشره تعرض كاتبه لضغوط كثيرة اضطر لسحب الكتاب من الأسواق، إذ لم يكن ظرف الحوزة العلمية مساعدا له للثبات على موقفه، ثم أعيد طباعة الكتاب في إيران في العام 1955. وفي المقابل نرى مؤسس الجمهورية الإسلامية السيد روح الله الخميني (1900-1989م) كتب "الحكومة الإسلامية" و"ولاية الفقيه" في مدينة النجف الأشرف أيضا، واستطاع الوقوف ومواجهة الحملات المضادة، وهنا لابد من التأكيد على إن التعاطي السلبي مع مفهوم انتظار المهدي المخلص ساهم في ابتعاد الفقهاء عن مسألة الحكم وتجنب العمل السياسي، في حين أن بعض الفقهاء كان يعتقد بولاية الفقيه مثلما كان عليه السيد الخميني حيث أثمر صموده أمام التيارات المعارضة قيادة ثورة شعبية كبيرة وقيام جمهورية إسلامية. في الواقع إن للحوزة العلمية قوانينها الخاصة بها، فمثلا مفجر العمل العسكري المعارض في العراق في محرم العام 1979م في كربلاء المقدسة، الفقيد طالب العليلي، كان قبل أن ينفذ العملية العسكرية يدرس في حوزة النجف الأشرف وطرد منها لأنه شوهد وهو يقرأ جريدة يومية، إذ كانت الجريدة والمذياع محرمتين على طلاب العلم، ناهيك عن التلفاز الذي يعتبر الشيطان ذاته بالصوت والصورة، في حين أن السيد الخميني دأب على الاستماع لنشرات الأخبار.

ونوه المتحدث إلى إن الكتابة حول الحكم في الفقه الشيعي الامامي قليلة. أما الفقه السني فقد اهتم بالحكم كثيرا، فنحن درسنا الفقه ولكن في باب المعاملات والعبادات وليس السياسة. ويبرر الشيخ حسين علي المنتظري ذلك بالقمع الذي تعرض له الفقهاء. ولكن حتى الآن فان فقه السياسة لا يدرس في الحوزات في إيران رغم كل هذا الاستقرار والانفتاح، فالمشكلة إذن في مكان آخر، ويبقى انه ليس لدينا تأصيل فقهي لعلم السياسة ونظام الحكم يستطيع أن يبني عليه الفقهاء ويجتهدوا فيه، ويكون نبراسا للمسلم الحركي، فالمعضلة أن الحوزات لا تدرس السياسة كجزء من المنهج على أهميته في حياة الأمة، نعم هناك محاولات للتأصيل مثل ما صدر عن الشهيد محمد باقر الصدر (1931-1980م) الذي كتب الخطوط العريضة للدستور الإسلامي ضمن كتاب "الإسلام يقود الحياة"، والسيد محمد الشيرازي (1928-2001م) الذي ألف كتب عدة في السياسة والعمل الحزبي مثل "فقه السياسة" و"الحكم في الإسلام"، والسيد كاظم الحائري الذي كتب "أساس الحكومة الإسلامية".

وقدّم المتحدث تعريفا لغويا واصطلاحيا للمعارضة، مشيرا إلى إن المعارضة هي عرض الشيء على آخر بهدف التصويب. والمعارضة السياسية هي معارضة نظام حكم لتصويبه أو قيادة البلد بدلا عنه، وهي على أنواع: فعلى سبيل المثال يوجد في أميركا حزبان، أحدهما يحكم والآخر يعارض ولكن في الواقع كلاهما يحكم. وهناك نظام فيه تعدد أحزاب كما في نموذج بريطانيا حيث للمعارضة وزراء ظل، فكما إن رئيس الحكومة يجلس مع وزرائه، فان زعيم المعارضة يعقد جلساته بحضور وزراء الظل، فإذا حدث تغير انتخابي تأتي حكومة الظل بدون أن يحدث هناك فراغ سياسي. وهناك معارضة في دولة ذات حزب واحد، كما إن هناك نظام الحزب الواحد والحاكم الواحد بلا معارضة سياسية، فعلى سبيل المثال كان ستالين (1879-1953م) يرفض أي تعددية حزبية، وقد ترجمت صحيفة البرافدا الرسمية في عدد (19/11/1927م) سياسته بقولها: "يمكن تحت ديكتاتورية البروليتاريا أن توجد ثلاثة أحزاب أو حتى أربعة أحزاب، لكن بشرط واحد: أحدهما في السلطة والآخران في السجن"!. وظهر مؤخرا نظام التوريث للأبناء.

وحول المعارضة العراقية التي تمثل نموذج التحول من ثقافة المعارضة إلى الحكم، قال المتحدث: إن المعارضة الإسلامية في المنطقة متأثرة بالمعارضة العراقية، وهي امتداد لها مثل المعارضة البحرينية والسعودية، كما إن المعارضة العراقية عندما تأسست لم تجد تأصيلا فقهيا للمعارضة وليس لديها تأصيل فقهي للسياسة والحكم، وإنما لديها نظرات وقراءات سياسية من هنا وهناك، ويشار إلى إن أول دار ترجمة أسست في إيران كانت قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية وعلى يد قائدها الحالي السيد علي خامنئي حيث قامت الدار بترجمة كتب السيد قطب (1906-1966م) وحسن البنا (1906-1949م).

وأضاف المتحدث: إن المعارضة في البلدان الديمقراطية مكملة للحكم. فهي مشاركة في الحكم في حقيقة الأمر. ولكنها في البلدان المستبدة بعيدة عن الحكم. وهذا حال المعارضة العراقية قبل أن تحكم، فهي عندما وصلت سدة الحكم في نيسان ابريل العام 2003م كانت جديدة على العملية السياسية كمتولية للحكم، ولكنها حملت معها نقاط قوة: فالأكراد كانت لديهم تجربة وخبرة في احد عشر عاما من الحكم في إقليم كردستان، وبعض أطراف السنة في الحكومة الحالية كانوا من أقطاب النظام السابق. كما إن الشيعة كانوا موجودين في الأجواء. ولعموم المعارضة بمختلف أطيافها امتدادات وعلاقات ومنذ عقود مع كل دول الجوار، وهذه العلاقة عامل قوة ساهمت في تقوية الدبلوماسية العراقية الحديثة، فضلا عن علاقات مع عواصم غربية ذات تأثير كبير على الوضع الدولي، ساهمت بشكل فاعل على إطفاء الديون العراقية. وبشكل عام فان أطراف الحكم في العراق تمتلك تجربة وقوة في الطرح السياسي والفكري وعلاقات قوية، وهو ما جعل أمريكا وبريطانيا تتعامل مع الأحزاب العراقية ذات الامتداد والقوة. وقد يعيب البعض على المعارضة العراقية افتقادها للتجربة والباع الطويل، ولكن إذا ما قارنا لحظة مجيء المعارضة للحكم، ولحظة مجيء حزب البعث للحكم، فإننا نجد أن المعارضة العراقية في هذه المقارنة أفضل وأكثر مراسا أداءاً وفكراً، ولو أن عُشر ما يحدث الآن في العراق من إرهاب أعمى حصل في نظام بوليسي آخر ولا نقول ديمقراطي، لسقط ذلك النظام من أيامه الأولى.

وختم الخزرجي حديثه بالقول: صحيح إن المعارضة الإسلامية لم يكن لديها فقه سياسة واضح ولكن كان لها رجالات ينظّرون في السياسية مثل السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد الشيرازي والسيد محمد الصدر (1943-1999م) وغيرهم. وقد نمت المعارضة الإسلامية كأحزاب سياسية منذ الخمسينات، أي أنها ذات خبرة وتجربة سياسية طويلة.

وفي نهاية المحاضرة، أجاب الإعلامي والباحث العراقي الأستاذ نضير الخزرجي على أسئلة واستفسارات الحاضرين، حيث شهدت قاعة مؤسسة الأبرار الإسلامية وسط لندن حضورا فاعلا لساسة ومثقفين ورجال دين من جنسيات مختلفة، كما كانت فضائية الفرات حاضرة وناشطة في تغطية كاملة للندوة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26 نيسان/2007 -8/ربيع الثاني/1428