الجماعة الإثنية
Ethnic
شبكة النبأ: ظهر هذا المفهوم في
الأساس للتحايل على الدلالات اللغوية المباشرة لمفهوم الأقلية التي
تشير إلى القلة العددية، وكذلك على ميراثه التاريخي الذي يشير ولو
بطريقة لا شعورية في التراث الغربي إلى مفهوم التعصب العنصري بمعنى
إعلاء شأن من يمثل الأصل القومي والتمييز ضد من لا يمثله والتشكيك من
ثم في صدق انتمائه.
ومنذ استخدام مفهوم الجماعة الإثنية لأول مرة في عام 1909، فإنه صار
أحد أكثر المفاهيم خلافية حيث تردد مضمونه بين التعبير عن جماعة فرعية
أو أقلية، والتعبير عن جماعة أساسية أو أمة أو الجمع بين المعنيين
باعتبار أن من الشعوب من يملك كل خصائص الأمة ومقوماتها وإن لم تكن له
دولته المستقلة فالجماعات الفرعية الأيرلندية واليونانية والإيطالية في
المجتمع الأمريكي على سبيل المثال ليست في حقيقتها إلا أمما بذاتها وإن
لم يعترف المجتمع لها بحقها في التمايز عنه من منطلق استيعابه لمختلف
الأقليات وصهرهم في بوتقته.
لذلك فإن مفهوم الجماعات الإثنية لم يقدر له الذيوع المرجو، خصوصا
مع التضارب في تحديد نطاقه الذي قد يتسع ليشمل كل أشكال التمايز لتعبر
بذلك الجماعة الإثنية عن خط متواصل يبدأ بالقبيلة وينتهي بالأمة، كما
أنه قد يضيق ليقتصر على التمايز العرقي دون سواه. وهنا قد يقع نوع من
الفصل التعسفي بين مفهوم الجماعة العرقية Ethnic Group بمعنى تلك
الجماعة التي تتميز بمجموعة من التقاليد الثقافية والاجتماعية الخاصة
بها، ومفهوم الجماعة العنصرية Racial Group بمعنى تلك الجماعة التي
تتمتع بمجموعة من الخصائص البيولوجية، وذلك على الرغم من أنه في صحيح
اللغة العربية ليس ثمة فارق يذكر بين مفهومى العرق والعنصر فكلاهما
يشير إلى الأصل، علاوة على أنه في ظل امتزاج الدماء واختلاط العروق
يصعب الحديث عن جماعة عرقية نقية.
متعلقات
نظرة إلى مفهوم العرق.. عرق أم
إثنية(1)
استخدم مفهوم "العرق" Race – وهو مصطلح بيولوجي – في النقاشات
العامة لتوصيف جماعة من البشر، تنبني روابطهم بين بعضهم البعض على
عوامل أخرى غير العلاقات الوراثية. فمصطلحات مثل "العرق الإنكليزي"
والعرق اليهودي و "العرق الإفريقي" و "العرق الفرنسي" على سبيل المثال،
تبدو صحيحة هنا. إذ تنطوي هذه المصطلحات على أن اللغة المشتركة،
والدين، والإقامة في البقعة الجغرافية نفسها، والمواطنة في دولة واحدة،
تخلق روابط عرقية. لكن البشر يطورون تشابهات وراثية بين بعضهم البعض،
ويكرسون الاختلافات عن الشعوب الأخرى بغية تأسيس عرق منفصل، وذلك عندما
تفصل الحواجز التي استمرت لآلاف من السنين إحدى الجماعات عن الجماعات
الأخرى.. لقد هاجر البشر عبر العالم لآلاف السنين، ينزرعون في كل شبر
في بيئاتهم الجديدة، وعندما تمت الهجرات تم الاختلاط البيولوجي.
لم تمنع الفروق الجسدية، ولا التحريمات الدينية، والقومية، من
الاتصال مع الغرباء – أي من اختلاط الأجناس، فقد موهت العوامل البيئية
والاختلاط المتداخل، الحدود بين الأجناس. وتُظهر مئات الدراسات أن
الخصائص الجسدية التي تميز عرقاً عن عرق آخر ليست لها معايير بيولوجية
ثابتة، بل هناك عوامل أخرى كالمناخ، والتغذية، والأمراض، من بين عوامل
عديدة يمكن أن تحدث اختلافات من جيل إلى جيل.
كما أن ليس هناك من تقسيم حاسم للأنواع البشرية إلى أجناس، ذلك أن
انتخاب الخصائص المميزة، ومستويات الاختلاف، عملية اعتباطية بحد ذاتها.
ولهذا السبب أثبتت مقولة العرق – كأداة لتعقب الارتقاء البشري والهجرة
– عدم جدواها الآن.
وعليه فقد نبذ علماء الأنثروبولوجيا هذه الفكرة برمتها. أما العلماء
الذين استمروا في الإشارة إلى الأجناس البشرية، إنما يفعلون ذلك
للتمييز بين التقسيمات الأساسية بين البشر. وخلافاً للمقولات الشائعة
حول معنى العرق الذي يخلط بين البيولوجيا والثقافة، يبقى الاستخدام
العلمي له محدداً على الصعيد البيولوجي.
لقد سيطرت الدراسات العرقية في ما مضى على حقل الأنثروبولوجيا، لكن
العديد من الأنثروبولوجيين كفوا عن تصنيف البشر على صعيد عرقي. وفي
الوقت ذاته روج العديد من الكتّاب لفكرة التفوق العرقي، ونقلوا
الانطباع أن علماء الأنثروبولوجيا يصادقون على أن تنسب الصفات
السايكولوجية إلى الأجناس، لكنهم تجاهلوا حقيقة أن التصنيفات العلمية
قد بنيت أساساً على الفروق في الخصائص المادية. كما أنهم ربطوا "رقعأً"
إلى الأجناس أسيء تقديمها، فقد تم تقديم هذه الأجناس على أنها مصطلحات
عرقية صالحة.
"فالآري" – وهو مصطلح لغوي وليس بيولوجي – هو صاحب الصيت الأسوأ.
لقد ميز هتلر بين الآريين وغير الآريين على أساس سجلات وراثية. وتبعاً
للنازية، فإن الأجناس الأخرى من غير الآريين كان يتم تحديدهم بخصائص
سايكولوجية وجسدية لصيقة بهم.
إن سوء استخدام مصطلح العرق لتبرير سياسات تحسين النسل، وذبح ملايين
البشر، عبّأ العلماء للهجوم على مفهوم مصطلح العرق بحد ذاته. وكان في
طليعة هؤلاء الأنثربولوجي آشلي مونتاغيو. فقد أوصى مونتاغيو باستبدال
مفهوم العرق race بمفهوم "الجماعة الإثنية" Ethnic group، ونصح بأن هذا
المفهوم الجديد سيفتح المجال لإعادة التثقيف في ما يتعلق الفروق
الجماعية مع إعادة تصحيح المواقف العرقية.
كما أصدرت مجموعة من علماء الاجتماع في عام 1952 كتاباً عن منظمة
اليونسكو بعنوان The Statement on Race وقد استفاد الكتاب من توصيات
مونتاغيو في وجوب إسقاط مصطلح عرق "واستبداله بمصطلح"جماعة إثنية" وهو
مصطلح يميز الجماعات عن بعضها البعض على الصعيد الجسدي.
لقد اشار "الكتاب" إلى أن "العرق" كمصطلح بيولوجي يعطي انطباعاً أن
الفروق في الخصائص الثقافية شأن الدين والقومية واللغة والسلوك، هي
فروق فطرية وغير قابلة للتغيير. أما مصطلح "الجماعة الإثنية" فيتضمن أن
هذه الفروق ليست موروثة، بل مكتسبة. وتم اعتماد مصطلح "الجماعة
الإثنية" كمصطلح ملائم للتعبير عما يعنيه البشر عندما يتحدثون عن
العرق. فبرأيهم سوف لن تحقق الجهود المبذولة لإبطال استخدام مصطلح
العرق، إلا إذا امتنع البشر عن تعريف الشعوب بالمصطلحات البيولوجية.
لكن مشكلة أخرى تظهر هنا في هذا السياق تتصل بالجهود العقلانية التي
تسعى لإحداث تغيرات في المفردة (العرق) كوسيلة لوضع حد للأذية والتمييز
الناجمين عنها. ويبقى من المغالطات الجسيمة أن نقول بأن الصفات
(الدونيّة) التي تضفيها جماعة على جماعة أخرى، تتأصل في جبلة البشر.
وهنا يتم تعبئة البشر بالنزهة العنصرية على الصعيدين السياسي
والاقتصادي، ويصبح من السهل التركيز على الفروق على أنها صفات أزلية.
إن النزعة العرقية تزدهر، سواء زعم الشعب المضطهِد (بكسر الهاء) أو لم
يزعم باختلافه عن ضحاياه.
لكن ولسوء الحظ لم تنجح الجهود المبذولة لتصحيح المفاهيم الجماهيرية
حول العرق في التخفيف من المواقف العرقية، ولا استطاعت أن توضح المعاني
الحقة للعرق والتمييز العنصري. فالكثير من التشويش المرافق لمعاني
"التمييز العرقي" ينبع أساساً من تضارب الآراء المتعلقة بتحديد مفهوم
"العرق".
بالرغم من أن الأنثروبولوجيين يشيرون إلى العرق، فهم يقصرون هذه
الإشارة على تنوع الاختلافات البشرية الأساسية. وإذا ما سلم المرء بأن
هناك العديد من الأعراق ضمن كل تقسيم من التقسيمات الأساسية للبشرية،
عندئذ يمكن أن نلبس الممارسات التمييزية للبيض ضد السود والسود ضد
السود، قبعة النزعة العنصرية. ولكن ماذا إذا كان هناك فقط ثلاثة أجناس
بشرية رئيسية؟
عندما يبدأ السود والبيض والآسيويون التمييز ضد بعضهم البعض، نستطيع
القول بوجود
تطبيق محكم للنزعة العنصرية. أما إذا كانت الأجناس غير موجودة، فذلك
يستتبع أن النزعة العرقية غير موجودة أيضاً.
دون اتفاق وإجماع بين الأنثروبولوجيين والمعنيين بمسألة الأجناس،
يصبح تحديد النزعة العنصرية غير دقيق. لقد تطور، وكما أسلفنا، مفهوم
هذه النزعة من النموذج النازي، متخذاً ثلاث مقدمات: الأولى الإعلان عن
أن الأغلبية من الشعب تتميز عن الأقلية. والثانية عملية عقلنة للتمييز
العنصري تتأسس على نظريات التفوق العرقي. أما الثالثة فتبني مقولتها
على تحريم الزواج المختلط الذي يفسد الطهارة العرقية للجماعة العرقية
المتفوقة المزعومة. لكن هذه الملامح لا تحتاج لأن تظهر في سياسة
التمييز العنصري.
إن تضمين هذه الملامح في مفاهيم متعلقة بالعنصرية تهيئ السبل لإخفاء
الممارسات العنصرية. وليس هناك اليوم من يبرر اضطهاد أغلبية لأقلية ما.
فاللجوء إلى مقولات الدونية الوراثية، أو مخاطر الزواج المختلط، إنما
يؤكد تطابق هذا المزاعم من النموذج النازي. فقد كانت محاولات نظام
الفصل العنصري في جنوب أفريقيا تهدف إلى تبرير قوانين الأبارتيد
Apartheid بالقول إن نظام الفصل هذا يساهم في تطوير أفضل للسود والبيض
على السواء. وتم رفع شعار "إفصل لكن إعدك:. وفي الولايات المتحدة
الأميركية تم، ولوقت طويل، تجنب اندماج الطلاب السود والبيض في قاعات
الدراسة. وحتى 1970 استبعد اليهود الأثيوبيون من حق الهجرة إلى
إسرائيل، بدعوى أن يهوديتهم غير أصلية، كما تم تفعيل قوانين الهجرة
البريطانية ضد الآسيويين والعرب. فبعض السياسيين هناك يقولون بعجز
"هؤلاء" عن تكيفهم مع الحضارة الجديدة. وبسبب اقتران التمييز العرقي
بالإبادة النازية، فإن تهمة التمييز العنصري تم تحريفها بالتظاهر
بالدوافع الخيرة للتمييز العنصري.
ويعود اليوم موضوع الإثنية إلى الظهور مجدداً، خصوصاً في الولايات
المتحدة الأميركية، على أيدي عدد من المفكرين والمشتغلين فكرية ما بعد
حداثية، والذين ينتمون إلى جماعات إثنية في جرن الانصهاربعد أن تم
إدخال واعتماد الإثنية كميدان معرفي جديد في سيرورة السجالات الفكرية
التي تسود الولايات المتحدة هذه الأيام.
التعددية الإثنية: إدارة الصراعات
وإستراتيجيات التسوية(2)
اكتسبت التعددية الإثنية أهمية خاصة بسبب كونها وراء الصراعات التي
تشهدها مجتمعات ودول كثيرة في مختلف أنحاء العالم، وأدت إلى انهيار دول
مثل الصومال وليبيريا، أو إلى حروب طويلة وتغيير أنظمة سياسية في دول
مثل الكونغو والسودان ورواندا وبوروندي، أو إلى أزمات وتوترات
وانقسامات سياسية مثل إندونيسيا وإسبانيا والولايات المتحدة ودول
أميركا اللاتينية.
-اسم الكتاب: التعددية الإثنية: إدارة
الصراعات وإستراتيجيات التسوية
-المؤلف: محمد مهدي عاشور
-الطبعة: الأولى 2002
-الناشر: المركز العلمي للدراسات السياسية،
الأردن
ويحاول هذا الكتاب الإحاطة بأبعاد العلاقة بين التعددية الإثنية
والنظام السياسي والتحقق من مجموعة من الأفكار والافتراضات في هذا
المجال، مثل العلاقة بين مطالب الجماعات الإثنية وأوضاعها الاقتصادية
والاجتماعية. كما يعرف الإثنية واتجاهات تحليلها ومطالب الجماعات
الإثنية وألوياتها والمسار الذي تتخذه، ويعرض إستراتيجيات إدارة
التعددية الإثنية ومؤسساتها وسياساتها.
مفاهيم
الإثنية هي ظاهرة تاريخية تعبر عن هوية اجتماعية تستند إلى ممارسات
ثقافية معينة ومعتقدات متفردة والاعتقاد بأصل وتاريخ مشترك وشعور
بالانتماء إلى جماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع
الآخرين.
الإثنية هي ظاهرة تاريخية تعبر عن هوية اجتماعية تستند إلى ممارسات
ثقافية معينة ومعتقدات متفردة والاعتقاد بأصل وتاريخ مشترك وشعور
بالانتماء إلى جماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع
الآخرين
والعرقية تختلف عن الإثنية في أنها قائمة على الأصل السلالي أو
العرقي المشترك، فهي تعبر عن شعب أو قبيلة بغض النظر عن الثقافة
والمعتقدات.
والأمة ظاهرة اجتماعية تعبر عن جماعة تشترك في سمات جامعة كالدين
والعرق واللغة والتاريخ والثقافة سواء كانت في إقليم واحد أو عدة
أقاليم، ومفهوم الأمة هو الأكثر قربا وتشابها مع مفهوم الإثنية.
والقومية تعبر عن جماعة قائمة على المكان، ومن معانيها أنها حركة
سياسية تستهدف قيام كيان سياسي (دولة) فالقومية حركة سياسية والأمة
كيان اجتماعي.
تصنيف وتحليل
تصنف الجماعات الإثنية من عدة زوايا كالسلالة أو العنصر أو اللغة
والثقافة، أو الدين والطائفة، وتصنف أيضا وفقا لغاياتها: الاندماجية
والانفصالية والاستعلائية كالصهيونية والنازية.
فالإثنية ظاهرة معقدة ومركبة وقديمة يتطلب تحليلها والسعي في فهمها
ضرورة الإحاطة بالأبعاد المادية والنفسية والاجتماعية التي تمثل البيئة
الخاصة بالظاهرة والتي تمنح كل جماعة طابعها المميز ودوافع قيام
الجماعة الإثنية وتبلورها.
المطالب الإثنية
تطرح الجماعات الإثنية مطالب خاصة بأبنائها تتعلق بالنظام السياسي
الذي تعيش في ظله والمجتمع الذي تنتمي إليه، ومن هذه المطالب تأكيد
هويتها واحترامها بتمثيلها في النظام السياسي أو منحها وضعا خاصا في
البلاد. وكلما تباينت قيم الجماعة الإثنية وهويتها وتمثيلها في المجتمع
تزداد نزعتها إلى التمرد والانفصال. وعادة ما تكون اللغة والدين
والعادات والتقاليد أكثر الموضوعات حضورا في المطالب الإثنية وقد تمتد
إلى النشيد الوطني للدولة وأسماء المدن والرموز المختلفة في الدولة.
يستخدم الدين للتعبئة والحشد لصالح أو ضد النظام السياسي، وتنادي
الجماعات ذات الأغلبية باعتبار دينها هو الدين الرسمي، والإثنية الأقل
تطالب عادة بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة كما في السودان ونيجيريا.
اللغة
تعتبر مكانة اللغة في النظام السياسي إحدى أدوات الهيمنة والسيادة،
والمطالبة بوضع رسمي للغة ما في البلاد مطالبة باعتراف رسمي بأن
الجماعة المتحدثة بتلك اللغة ذات شرعية أكبر، وقد تكون المطالب بأولوية
لغة أو بالتعددية اللغوية إذا كانت الجماعة الإثنية أقلية. وللغة دور
في الحراك الاجتماعي الطبقي والكفاءة الإدارية وشغل المناصب وعلاقات
الدولة الخارجية. ومن أمثلة المطالب اللغوية مطالب الأمازيغ في الجزائر
بتدريس لغتهم في الجامعات واعتبارها لغة رسمية ثانية، ورفض التعريب في
جنوب السودان، والاعتراف باللغات الأفريقية في جنوب أفريقيا بعد انتهاء
الحقبة العنصرية.
الدين
يستخدم الدين للتعبئة والحشد لصالح أو ضد النظام السياسي، وتنادي
الجماعات ذات الأغلبية باعتبار دينها هو الدين الرسمي، والإثنية الأقل
تطالب عادة بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة كما في السودان ونيجيريا.
العادات والتقاليد
تطالب الجماعات الإثنية باحترام عاداتها والسماح لأبنائها بممارسة
هذه العادات، مثل مطالب السيخ البريطانيين والنساء المسلمات
البريطانيات الذين يخدمون في الجيش والأمن بارتداء لباسهم حسب التعاليم
الدينية أو العادات والتقاليد.
المطالب السياسية
الانفصال: تكون مطالب الجماعات الإثنية المتعلقة بالنظام السياسي
بالانفصال لإقامة كيان سياسي جديد مستقل مثل تيمور الشرقية التي انفصلت
عن إندونيسيا، وبعض الأكراد في العراق وتركيا، وجزيرة أنجوان في جزر
القمر، وإقليم الباسك في إسبانيا، أو الانفصال للانضمام إلى كيان سياسي
آخر مثل إقليم أوغادين الذي يطالب بالانفصال والانضمام إلى الصومال،
وكشمير التي تطالب بالانفصال عن الهند والانضمام إلى باكستان (على
اختلاف بين الجماعات الكشميرية).
الاستقلال الإداري: في بعض الحالات لا تطالب الإثنيات بالانفصال
ولكن بالاعتراف بخصوصية هذه الجماعة كأن تحصل على استقلال إداري أو حكم
ذاتي ضمن فدرالية أو مخصصات لأجل الحصول على مخصصات مالية أو الاعتراف
بقيمة الجماعة وتميزها في المجتمع. ومن الأمثلة في هذا المجال نيجيريا
وبعض أكراد العراق الذين لا يطالبون بالانفصال عن العراق وإنما
باستقلال إداري ضمن الدولة العراقية.
المناصب العامة: تتنافس الجماعات الإثنية عادة من أجل السيطرة على
جهاز الخدمة المدنية والوظائف الرئيسية في الدولة، ومن أمثلة ذلك
مطالبة جماعة الكيوري في موريتانيا والإيبو في نيجيريا واللوزي في
زامبيا والهوتو في بوروندي والبربر في المغرب والجزائر، والأورومو
والسيدامو والصوماليين في إثيوبيا، والبيض في زيمبابوي الذين نص
الدستور على تخصيص 20% من مقاعد البرلمان و25% من مقاعد مجلس الشيوخ
لهم برغم أن نسبتهم لا تتجاوز 5% من السكان.
مسألة الأرض: يملك البيض في زيمبابوي نصف أراضي البلاد وهي معظم
الأراضي المروية أو التي تحوي على مناجم للمعادن، وتحاول الأغلبية
إعادة توزيع الأراضي على نحو أكثر عدالة، لذا قامت مجموعات من
المواطنين الأصليين بالاستيلاء على أراض وممتلكات بالقوة. والوضع نفسه
ينطبق على كينيا وجنوب أفريقيا، حيث تملك الأقلية البيضاء مساحات شاسعة
من الأراضي تفوق كثيرا نسبتها العددية.
مبررات المطالب الإثنية
تقدم الجماعات الإثنية عادة مبررات تاريخية أو إدارية لمطالبها كأن
تكون أكثر تعليما وكفاءة وخبرة.. وتستند المطالبة التاريخية إلى حيازة
الأرض أو الإقليم قبل التحولات السياسية التي خلقت الواقع الجديد
كالاستعمار الذي غير كثيرا أوضاع الإثنيات، وفي مرحلة ما بعد الاستعمار
أيضا تعقدت المطالب الإثنية مثل المجموعات التي كان لها دور نضالي في
التحرر والاستقلال.
وثمة مبررات متعلقة بالجدارة والكفاءة، فثمة مجموعات تطالب بإتاحة
الفرصة لتتمكن من تحقيق توازن في الفرص والموارد مع جماعات أخرى مثل
الجنوبيين في السودان، وتطالب جماعات أخرى بأفضلية لأنها تمتلك خبرات
تؤهلها أو أنها تطالب بالمساواة وترك المسائل للجدارة والكفاءة لشغل
المناصب والاستفادة من الفرص.
فاعلية المطالب الإثنية
تعود فاعلية المطالب الإثنية إلى الجماعة نفسها وإلى النظام
السياسي، فمن العوامل المتعلقة بالجماعة الإثنية: طبيعة هيكل المجتمعات
الإثنية وحجم الجماعة ومدى تماسكها والتركز الإقليمي وطبيعة الإقليم
ودور النخبة السياسية للجماعة الإثنية في تعبئة مطالبها وطرحها والدفاع
عنها.
ومن العوامل المتعلقة بالنظام السياسي ومؤسساته وسياساته: درجة
التوافق القائم في المجتمع بشأن قواعد اللعبة السياسية، والعلاقة بين
المؤسسات والقوى الاجتماعية، والإجراءات المتبعة للحفاظ على النظام وحل
الخلافات واختيار القادة.
إن تجاهل النظام السياسي لمطالب جماعة إثنية معينة أو عدم اعترافه
بها أو عجز مؤسسات النظام عن استيعاب المطالب المتصاعدة بالمشاركة
السياسية، يؤدي في معظم الأحوال إلى تشدد الجماعات المستبعدة ولجوئها
إلى وسائل غير مشروعة للحصول على مطالبها.
المطالب والجماعة والإقليم
ثمة أربع أنماط ممكنة وهي:
جماعة متخلفة في إقليم فقير: وتطالب عادة بتوزيع نسبي لوظائف الخدمة
المدنية والنفقات العامة، وقد يؤدي تجاهل مطالبها أو رفضها إلى
المطالبة بالانفصال رغم التكلفة الاقتصادية المترتبة على ذلك، وغالبا
ما تكون هذه المطالب في مرحلة مبكرة ومتكررة. ومن أمثلة هذه الحالة
مملكة التورو في أوغندا، وأوغادين وأورومو في إثيوبيا، والهوسا في
نيجيريا.
جماعة متقدمة في إقليم فقير: وتطالب بعدم التمييز وعدم التوزيع
النسبي أو حجز الفرص والحصص وأن يترك اختيار الوظائف والتسهيلات حسب
الكفاءة وعلى أساس المساواة، وتعاني عادة من عنف يستهدفها من الجماعات
الأخرى، وتطالب بالانفصال في حال مواجهة أعباء البقاء في إطار الوحدة
أو في حال تعاظم فوائد الانفصال، وتكون مطالبها عادة في مرحلة متأخرة.
ومن أمثلة هذه الحالة جماعات السكان الأصليين في القارة الأميركية
وأستراليا، والسكان الأصليون في إقليم كاتنغا بالكونغو.
جماعة متقدمة في إقليم غني: تطالب عادة بعدم التمييز في الإنفاق
وتوزيع الفرص، وتعاني من تمييز وعنف، ويندر أن تطالب بالانفصال، وقد
تطالب به إذا كان ذلك لا يكلفها كثيرا، ومن أمثلة هذه الحالة جماعة
اللوزي في زامبيا، وجماعة الإيبو في نيجيريا، والبالويا في الكونغو.
جماعات متخلفة في إقليم غني: تطالب بنسبة في الوظائف والإنفاق
وتعاني من تجاهل مطالبها ورفضها واستبعاد من المناصب وقد يكون
الاستبعاد مرده إلى أسباب موضوعية، وتطالب عادة بالانفصال بغض النظر عن
الفوائد والخسائر المترتبة على ذلك، ومن أمثلة هذه الحالة جماعة
اليوروبا في نيجيريا، والباغاندا في أوغندا، والكيكويو في كينيا.
إدارة التعدديات الإثنية
يقصد بالإستراتيجيات الفلسفات العامة الظاهرة والمستترة التي تتبعها
النظم في التعامل مع الجماعات الإثنية ومطالبها. وأهم هذه
الإستراتيجيات: الاستيعاب والدمج، واقتسام السلطة، والاستئصال
والترحيل.
تقوم عمليات الاستيعاب والدمج على عمليات ثقافية بتكوين ثقافة موحدة
وأنظمة تعليم ومناهج وأساليب تربوية موحدة، وعمليات استيعاب مادية بصهر
الجماعات ببعضها إما بإلحاقها بهوية الجماعة الرئيسية أو بتكوين هوية
جديدة. كما تقوم على عمليات استيعاب مؤسسي بإنشاء مؤسسات يشارك فيها
جميع الأفراد من مختلف الجماعات على أسس غير إثنية.
وأما إستراتيجية اقتسام السلطة فتقوم على ائتلاف حاكم ذي قاعدة
عريضة تحتوي داخلها الجماعات الإثنية في المجتمع، وقد تم تطوير هذا
النظام بين الكاثوليك والبروتستانت في هولندا، وكذلك الأمر في سويسرا.
وتقم إستراتيجية القسر على الهيمنة وهي الأكثر شيوعا، وتمارسها
الإثنيات الكبرى والأقليات الحاكمة. وقد تقوم الأنظمة السياسية بعمليات
تطهير عرقي واستئصال وترحيل جبري، كما جرى بين اليونان وتركيا وبين
موريتانيا والسنغال، وترحيل جماعات التوتسي في رواندا إلى الدول
المجاورة، ثم حدث العكس عندما سيطر الهوتو.
المؤسسات
تمثل المؤسسات أهمية خاصة في عملية إدارة التعددية الإثنية، وهي
مؤسسات حكومية وأخرى غير حكومية. وفي المؤسسات الحكومية تأتي المؤسسة
التشريعية والمؤسسة التنفيذية والقيادية والمؤسسة العسكرية. وفي
المؤسسات غير الحكومية تأتي الأحزاب وجماعات المصالح.
وقد يؤدي الفساد السياسي إلى تأجيج الصراعات الإثنية واستخدامها
لأغراض منفعية ومصالح شخصية، وتؤدي عمليات النهب والترهل إلى زيادة
التوتر الاجتماعي والتمرد وتأخير الاندماج الوطني.
السياسات
تعد السياسات أدوات النظام في الاستجابة لمطالب الجماعات وترجمتها.
ومن أهم السياسات المتبعة في إدارة التعددية الإثنية: السياسات
الاستخراجية والتوزيعية، وسياسة إعادة التوزيع، وسياسة الضبط وإعادة
التنظيم، والسياسات الرمزية.
وتقوم السياسة الاستخراجية على حشد وتعبئة الموارد المادية والبشرية
وتوزيع الموارد القائمة بصيغة جديدة يرى النظام أنها أكثر حفظا لأمنه
واستقراره، وتقوم سياسة الضبط على ممارسة
الضبط ومراقبة سلوك الأفراد والجماعات داخل المجتمع. وتستخدم
السياسات الرمزية لدعم
الشعور بالمواطنة والولاء للنظام وأهدافه.
....................................................................
1- صخر الحاج حسين
2- عرض/ إبراهيم غرايبة / المصدر: الجزيرة
|