الارهاب من قطع الرؤوس الى قطع الجسور

 شبكة النبأ: يشكل تفجير جسر الصرافية في بغداد الخميس الماضي والتفجير الانتحاري قرب جسر الجادرية، بداية لما يخشاه بعض العراقيين والمراقبين حملة لإستهداف جسور العاصمة العراقية في إطار مخطط لتقسيمها طائفيا. وتقطيع البلد الى اجزاء، كذلك انهاكه تنظيميا وإداريا، وعدم اعطاءه السبل والمستلزمات الكافية لتحقيق الامن والاستقرار.

وقد كثفت الإجراءات الأمنية ونقاط التفتيش عند أطراف الجسور التي تربط جانبي الكرخ (أغلبية سنية) والرصافة (غالبية شيعية)، بينما منعت كافة المركبات الكبيرة المحملة بالبضائع من المرور على جسر "السنك" وهو الممر التجاري الرئيسي في العاصمة.

وكشف مسؤول كبير في قوات اللواء الثاني من الفرقة السادسة للجيش العراقي لوكالة رويترز عن ان الاجهزة الامنية حصلت على معلومات مؤكدة عن استهداف بعض جسور بغداد، ومنها جسر الصرافية، قائلا: ان هذه المعلومات ساعدت على إحباط عدة محاولات سابقة لتفجير الجسر، وقال آمر اللواء الثاني العميد الركن عبد الجبار الحمداني إن المحاولات السابقة «أحبطت لحظة التفكير والتخطيط، حيث تمكنت قوة من الاستخبارات معززة بأحد أفواج اللواء نصبت كميناً للمجموعة الارهابية واشتبكت معها، بينما كانت تحاول نسف جسر الصرافية بواسطة عبوات ناسفة وكمية كبيرة من المتفجرات في حينها».

وقدر ضابط مختص بتفكيك العبوات الناسفة «ان الارهابيين استخدموا أكثر من طنين من المتفجرات في تفجير الجسر، وان الانتحاري ربما هرب قبل العملية وفجر الشاحنة عن بعد». مسؤول كبير في وزارة الداخلية العراقية رفض التعليق على ما اذا كانت نية مهاجمي الجسور عزل مناطق الشيعة عن السنة، بينما أكد سياسيون عراقيون أنه ربما يكون هذا من بين أهداف تنظيم القاعدة وجماعات أخرى.

يذكر أن في بغداد 11 جسرا هي: الائمة، الأعظمية، الشهداء، الجمهورية، الاحرار، السنك، 14 تموز، الجادرية، ذو الطابقين، الرشيد، الحديد او الصرافية.

وبعض هذه الجسور أغلق مثل 14 تموز والشهداء والأئمة وبعضها حدد السير فيه للمشاة فقط مثل الرشيد. وهذه الجسور الرابطة بين ضفتي دجلة وتفصل الرصافة عن الكرخ هي الآن بين ضفتي الخوف، حسبما قال مواطنون.

وأضافوا انهم منذ سقوط جسر الصرافية باتوا يخافون عبور الجسور.

وقال صاحب محل قرب جسر السنك اسمه محمد كامل، إن الجسر غالبا ما يشهد عمليات مسلحة واختراقات أمنية كبيرة، ولم يستبعد ان يستهدف جسر السنك، وهو يقول ان بيته في جانب الكرخ وعمله في جانب الرصافة ولا يعرف كيف سيواصل حياته وعمله ان قطع الجسر الذي يعبره منذ سنوات طويلة.

ويضيف تقرير رويترز، عندما فجر مسلحون جسر الصرافية في بغداد اختفى إلى الأبد جزء من ماضي ياسين كاظم بعد أن تحطم في المياه المختلطة بالطين في نهر دجلة.

وقال كاظم وهو طبيب يبلغ من العمر 37 عاما متحسرا على الجسر المصنوع من الحديد الصلب "شعرت بالصدمة عندما سمعت أنه دمر. انه جسري. كنت استخدمه كل يوم."

لكن تفجير أحد أقدم رموز بغداد لم يكن مجرد هجوم على البنية التحتية للمدينة. فبعض السكان والمسؤولين يخشون من أن يكون جزءا من مؤامرة خبيثة ينفذها المسلحون لتقسيم بغداد إلى شطرين ضفة شرقية شيعية وضفة غربية سنية.

وفجر انتحاري نفسه بسيارة ملغومة يوم السبت عند منحدر يقود إلى جسر الجادرية إلا أنه لم يلحق أضرارا بهيكل الجسر.

ولم يتضح ما اذا كانت هناك صلة بين الهجومين لكن الجيش الامريكي قال إن المسلحين يغيرون تكتيكاتهم فيما يبدو.

وقال الاميرال مارك فوكس وهو متحدث باسم الجيش الامريكي في العراق للصحفيين يوم الأحد إن "استراتيجية الارهابيين التي لا تتغير هي البحث عن سبل لاحداث الفرقة والارهاب وجعل الحياة صعبة على الشعب العراقي." وأضاف أن المخططين العسكريين يدرسون (الحادثين) بعناية".

وقال عضو شيعي بارز في البرلمان إن "الارهابيين يريدون فصل الكرخ عن الرصافة" مستخدما الاسمين القديمين لبغداد (الكرخ) للضفة الغربية و(الرصافة) للضفة الشرقية.

وأضاف "هذه هي خطة الارهابيين وحلفائهم السياسيين على الدوام لمحاولة طرد الشيعة من الكرخ ليتمكنوا من تقسيم بغداد إلى نصفين".

وعلى الجانب الاخر وصف رئيس البرلمان محمود المشهداني وهو سياسي سنّي تدمير جسر الصرافية بأنه "مؤامرة لعزل شطري بغداد (عن بعضهما البعض").

وكانت بغداد التي يقطنها سبعة ملايين نسمة مزيجا من الطوائف الدينية منذ أن أسسها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور قبل حوالي 1200 سنة على ضفتي نهر دجلة.

وكانت جسورها البالغ عددها 12 جسرا تربط الجانب الشرقي بالجانب الغربي رمزا للتنوع في بغداد حيث يعيش الشيعة والسنة والاكراد والمسيحيون معا.

ولكن منذ تفجير مزار شيعي في سامراء في فبراير شباط عام 2006 أعادت موجة من العنف الطائفي تشكيل نسيج المدينة فيما أدى إلى خلق اقطاعيات مقسمة على أسس طائفية. ويعيش غالبية السنة الآن على الضفة الغربية من النهر والشيعة على الضفة الشرقية.

ويتحدث البعض بنبرة تشاؤمية عن "حرب الجسور". وبالرغم من أن جسر الصرافية بناه البريطانيون في أربعينات القرن الماضي فقد اثار تدميره نحيبا في الصحف المحلية كما لو كان تكرارا لقصف جسر موستار الاسطوري الذي أصبح رمزا عالميا للحرب الاهلية في البوسنة من 1992 إلى 1995.

وقال سعد اسكندر وهو مؤرخ ومدير المكتبة الوطنية العراقية إن تدمير جسور بغداد استراتيجية عسكرية لغزو المدن أو للدفاع عنها منذ العصور القديمة.

وأحرق حكام العصور الوسطى جسور بغداد التي كانت في ذلك الوقت ألواحا من الخشب طافية فوق عوامات ومربوطة ببعضها البعض بالحبال لمنع المغول الغازين من نهب المدينة. ودمر الجيش الامريكي في حروبه ضد صدام حسين جسورا في بغداد لاعاقة حركة القوات.

وأضاف اسكندر أن "تدمير جسر الصرافية هو محاولة لفصم عرى وحدة العراق واستقطاب مجتمعنا".

وأضاف "إنه رسالة مفادها أن بغداد ستصبح قريبا بغدادين واحدة للشيعة وأخرى للسنة."

ولكن جسور بغداد لن تتحطم أبدا بالنسبة للذين يتقاسمون ذكريات الطفولة بالعوم تحت الجسر البالغ طوله 453 مترا بينما تسير القطارات بصوتها القوي على القضبان.

وقال سعدي احمد الذي يدير متجرا للصرافة "اذا كانوا يعتقدون أن بامكانهم فصل الكرخ عن الرصافة فانهم يحلمون."

واضاف "الارهابيون يحاولون تدمير المعالم البارزة في بغداد لمحو تاريخنا الحضاري الذي نفخر به".

وفي سياق متصل حذّر الناطق بإسم وزارة الداخلية العراقية عبدالكريم خلف من ان «الاستراتيجية الجديدة للارهابيين تتضمن استهداف الجسور الرئيسية في بغداد بهدف قطع جانبي الكرخ والرصافة»، وقال لـ «الحياة» ان هناك تقصيراً في اداء القوات الامنية ونقاط التفتيش القريبة من الجسور ما يفضي الى اختراقها.

وتقع بالقرب من جسر الجادرية، الذي يربط منطقة السيدية بالكرادة الشرقية (ذات الغالبية الشيعية)، مقرات عدد كبير من الاحزاب العراقية وأحد منافذ «المنطقة الخضراء».

وحمل النائب مثال الالوسي، الذي يقيم قرب مكان الهجوم، قوات الامن العراقية مسؤولية الحادث، ملاحظاً «ضعفاً في ادائها» على رغم انها «غالباً ما تقوم بنشر السيطرات».

ويأتي تفجير «جسر الصرافية» كارثياً على نفسية المواطن البغدادي خصوصا، لانه اقدم جسور العاصمة واكـــثرها ارتباطاً بوجدان انسانها، فهو ليس مجرد جسر، مثله مثل بقية الجسور القديم منها والحديث، وانما هو تاريخ، وطراز هندســـي خاص، وذاكرة حية توارثها الاحياء عمن رحلوا حتى اصبح التعلق بهذا الجسر، عند البغداديين، حالاً وجدانية.

وحسب تقرير للـ"الحياة"، هو تأريخ، من كونه أول جسر شيدته اول حكومة وطنية ولدت بعد خروج العراق من «الدائرة العثمانية» وبناء كيان العهد الوطني بعد احتلال بريطاني قال قائده الجنرال مود، اوائل القرن الماضي - كما قال الجنرال الاميركي اوائل القرن الحالي، في عملية احتلال بغداد ايضاً: «جئنا محررين، لا فاتحين» - ولكن الفارق هو ان اولئك «حرروه» من «نظام الدائرة العثمانية»، وهؤلاء من «نظام صدام حسين».

وقد اصبح هذا الجسر- الذي هو اعلى جسور بغداد عن سطح النهر - اول جسر ثابت، بعد ان كانت «الجسور العثمانية» وحتى سنوات طوال من «العهد الوطني» جسوراً عائمة، لم يعتمدها الناس في العبور بين ضفتي النهر (الكرخ والرصافة) بقدر ما اعتــــمدوا «الزوارق النهرية» و «العبارات» و «القفف» (جمع قفة)... للسهولة ...والمتعة ايضاً.

وهو جسر ذو طراز هندسي خاص، يثير الاعجاب، وخصوصاً في تشابكات سقفه المؤلف من صفائح حديد اضفت عليه مسحة من جمال، وكذلك في امتداد سكة حديد القطار على جانبه الشرقي، وامتداد هذه السكة على ركائز تتواصل مع سدة ترابية لتربط منطقة الصرافية بآخر امتداد لمنطقة الوزيرية، حيث يمر القطار الصاعد من بغداد، والقطار النازل اليها - والذي اعيد احياؤه في السبعينات من القرن الماضي ليربط بين «المحطة العالمية، و«مدينة الثورة» وعلى الاطراف الشمالية من بغداد، فكان متعة اخرى من مشاهد المتع اليومية في حياة البغداديين، فضلاً عن ممر ضيق للسابلة على الطرف الآخر منه.

ومن هنا، فهو جزء حي من الذاكرة الشعبية، كثيراً ما تجد الناس يعبرونه مشياً بين الصوبين (الكرخ في منطقة العطيفية) والرصافة (في منطقة الوزيرية) اكثر مما يفعل سكان المناطق القريبة من الجسور الاخرى التي انشئت في ما بعد.

حتى ان بعض المؤرخين العراقيين قال، وهو يتأمل المشهد الذي آل اليه هذا الجسر «بالأمس بكينا اندثار شارع المتنبي واقدم مقاهيه (مقهى الشابندر، ملتقى المثقفين في هذا الشارع) في تفجير ارهابي مروع، واليوم نرثي جسر الصرافية».

وتساءل: «ترى ماذا سيكون الهدف غداً؟» مضيفاً: «إن بغداد تتعرض للاغتيال، ولحملة ابادة منظمة، لا تشمل انسانها وحده، بل تراثها ايضاً»... متسائلاً: «عمن سيوقف المجزرة؟!»

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17 نيسان/2007 -26/ربيع الاول/1428