هيروشيما ايرانية في تل ابيب!

رياض الحسيني*

 بداية لا اظن ان سويا يتمنى ان يحدث مرة ثانية ماحدث قبيل منتصف القرن المنصرم حينما دكّت الترسانة النووية الامريكية المدينتين اليابانيتين هيروشيما ونكزاكي بفارق ثلاثة ايام فقط بين الضربة الاولى والثانية وتحديدا في السادس والتاسع من اب اغسطس 1945. مقارنة بسيطة بين الجو المشحون اليوم بين ايران والولايات المتحدة الامريكية وبين الاخيرة واليابان انذاك يمكن ان يوضّح الصورة ويجعلها اكثر وضوحا خصوصا لاولئك الذين يتوقعون ان من السهولة واليسر لان تعيد امريكا الكرة مرة اخرى مع ايران لارغامها على الاستسلام من دون قيد او شرط كما حدث مع اليابان.

الكارثة الانسانية والبيئية التي اقدمت عليها امريكا قبل اثنين وستين عاما كان لها مايبررها على الاقل من وجة النظر الامريكية التي كانت تنظر الى التحركات اليابانية العسكرية في العالم انذاك على انها معركة وجود اكثر منها حربا ضروس مع خصم شرس.

 ففي عام 1940 وقعت اليابان معاهدة دفاع مشترك مع المانيا بالاضافة الى ايطاليا ضد اي هجوم امريكي محتمل. في المقابل تعهدت كل من المانيا وايطاليا لليابان بدعمها لقيادة منطقة شرق اسيا. نتيجة ذلك كان تمدد النفوذ الياباني الى الهند الصينية وهو ما اثار حفيظة الولايات المتحدة الامريكية والتي ترجمها الرئيس الامريكي روزفلت برده على ذلك بقصف كل المصانع اليابانية سبقه طبعا حضرا على كل الصادرات الى اليابان في محاولة لتقليص دور الصناعات الحربية واصابتها بالشلل في مقدمة لايقافها بالكامل.

 هذه الخطوة آتت ثمارها حينما قررت اليابان الانسحاب من الهند الصينية لكن الولايات المتحدة الامريكية لم تكن راضية على هذه الخطوة حيث طالبت اليابان بالانسحاب من الصين ايضا. هذه الحيثية لاوجود لها في المنطقة العربية في الصراع بين ايران وامريكا بمعنى ان المبرر الاول للجوء الى الحل النووي قد انتفى من حيث ان ايران ليست دولة توسعية استعمارية كما كانت عليه اليابان انذاك.

 اضافة الى ذلك مهما بلغت ايران من القوة فانها لن تؤثر سلبا على الاتفاقيات التي تقيّد دول المنطقة العربية تحديدا لان تستبدل الحليف الامريكي بالايراني خصوصا وسط النعرات القومية والمذهبية وهو امر لم يكن له حظوة في التحرك الياباني في منطقة شرق اسيا سابقا.

في السابع من كانون الاول 1941 بدأت اليابان الحرب البلسيفكية بضرب الجيش البريطاني في كتو بورا بمالي. أعقبتها بعد تسعين دقيقة بضرب الأسطول الأمريكي ببيرل هابر، وهو الهجوم الذي أدى الى جرح وقتل مئات الأمريكيين وتحطيم جزء عظيم من أسطولهم وطائراتهم الحربية. بيد ان اليابان لم تتوقف عند هذا الحد فقد استمرت بغزو الفلبين وتايلاند وهونغ كونغ وسنغافورة واغلب الجزر المحيطة بتلك المنطقة. هذا التوسع العسكري الضخم افقد الجيش الياباني والقيادة اليابانية القدرة على التركيز فضلا عن الاحتفاظ بالمناطق المسيطرعليها لفترة طويلة بمعنى ان اليابان قد بدأت تدخل في حرب الاستنزاف لمواردها البشرية والمادية من دون شعور وما ذلك الا لان نشوة الانتصارات كانت اكبر من اي شئ اخر! هذه الجزئية في الصراع الامريكي الايراني غير متوفرة ايضا بمعنى ان ليس من اي من مناطق النفوذ الامريكي يمكن ان يكون لقمة سائغة للتحرك العسكري الايراني فضلا عن احجام الايرانيين الى التطلع للدخول في حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة الامريكية وهم العارفون اكثر من غيرهم بمدى التفوق التكنولوجي والعسكري لخصمهم. اي ان ايران لم ولن تدعي القطبية العظمى التي نازعت من اجلها اليابان الولايات المتحدة الامريكية انذاك خصوصا بعد اجتياح المانيا للاتحاد السوفياتي وهزيمة الاخير هزيمة كبرى.

من جانب اخر لم تتعرض ايران على الاقل ميدانيا لحد الان الى اي من المصالح الامريكية سواء في المنطقة المحيطة بها او على مستوى العالم وهو ما يعطي اشارة واضحة للامريكيين ان خصمهم الايراني اليوم لا يشكل خطرا بالحجم الذي كان اليابانيون يشكلونه للمصالح الامريكية في العالم انذاك.

الامر الاخر المختلف في مجمل الصراع الايراني الامريكي الحديث ومقارنته مع القديم الامريكي الياباني هو الوجود الاسرائيلي في المنطقة العربية المحيطة بايران فضلا عن القوة الصاروخية التي تملكها ايران والقادرة من دون ادنى شك الى الوصول بسهولة الى العمق الاسرائيلي فضلا عن القواعد الامريكية المتواجدة في بعض الدول العربية.

 فاي ضربة نووية امريكية لايران يمكن بل من المؤكد ان سيصل مداها الى اسرائيل وطبعا مرورا بمنطقة الخليج والدول العربية وهو مايفقد امريكا الكثير من حلفائها فضلا عن مصالحها. بمعنى ان اي خطوة امريكية من قبيل استخدام السلاح النووي لحلحلة الازمة الايرانية-الامريكية يعني كارثة عالمية وحربا كونية ثالثة لايعلم احد الى اين سيصل مداها ومنتهاها خصوصا وسط تحالفات لكلا الطرفين مع قوى اقليمية ودولية فاعلة.

اخيرا اذا ما استثنينا الدعم الروسي لمصالحه الاقتصادية مع ايران وتأثرها المباشر باي خطوة امريكية من جانب واحد فهل سنستثني موقع ايران الستراتيجي وطلالها على الخليج العربي-الفارسي من جهة ومضيق هرمز من جهة ثانية والذي يمكن ان يشكل كارثة في امدادات الطاقة الى العالم باسره وليس الى امريكا واوربا فقط؟ وهل يمكن ان نتجاوز التواجد العسكري الامريكي في المنطقة العربية ومحيطها وخصوصا في العراق وافغانستان؟ كل ذلك وغيره يعني لا وجود للاطروحة النووية على الطاولة الامريكية على الاقل في الوقت الراهن! وحتى تتمكن امريكا من سحب قواتها العسكرية من المنطقة العربية ومحيطها على مدى سنة الى سنتين فذلك يعني استكمال ايران لبرنامجها النووي، وفي الوقت الذي ستستكمل فيه امريكا خطتها لضرب ايران نوويا ستكون ايران قادرة على ضرب تل ابيب في اقل من ثلاث دقائق!

*محلل سياسي وناشط عراقي مستقل

www.alhusaini.bravehost.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12 نيسان/2007 -21/ربيع الاول/1428