الـ 6 سنوات القادمة.. العراق يقبل القسمة على ثلاثة

جميل عودة*

    مضت أربع سنوات على سقوط نظام صدام المستبد ومازال العراق شبه موحد، ولكن هناك تكهنات ترى أن العراق سيرغم تحت وطأة الحروب الأهلية والصراعات السياسية الداخلية، وتفشي الفقر والبطالة على قبول خيار التقسيم الذي يعد أكثر الخيارات احتمالا في المستقبل بنظر بعض المطلعين، ليس هذا وحسب، بل أصبح هذا الخيار مطلبا لأكثر من مؤسسة ومركز دراسات دولي ومحلي، مضافا إلى أحزاب وشخصيات سياسية، فبعد ست سنوات سينضج مشروع قسمة العراق على ثلاثة! فهل بات خيار التقسيم العراق إلى دويلات ثلاثة هو الخيار الذي لا مفر منه؟.

  مقالان مهمان تحدثا عن تقسيم العراق، أولهما ما كتبه «جون يو»، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا ـ بيركلي في صحيفة «لوس أنجيليس تايمز» حيث أقترح فيه تقسيم العراق إلى ثلاثة مناطق/أقاليم.. والمقال الثاني هو ما كتبه رجل القانون الأمريكي «ألان توبول» وهو الرجل الذي عمل على مدى أربعين عاماً مستشاراً للإدارات الأمريكية ومنها إدارة بوش الحالية، حيث يعتبر واحداً من كبار منظري الاستراتيجية العسكرية والسياسية لليمين المتطرف في الإدارة الأمريكية. وقد كان ما كتبه «توبول» مؤخراً في موقع Military.com الخاص بالجيش الأمريكي هو دعوة الإدارة الأمريكية إلى تقسيم العراق تماماً بنفس الأفكار والأسلوب التي دعى إليها«جون يو».

 ولم يخف هنري كيسنجر السياسي الأمريكي أن تقسيم العراق هو أحد حلين يراهما للعراق، فيما إذا أصبح من الدول التي لا تحسبها الإدارة الأمريكية في عداد الأصدقاء. وفي الثامن من آذار (مارس) من العام الماضي، أعلن هنري كيسنجر عبر برنامج (حوار صعب- Hard Talk) والذي يشاهده الملايين من الناس على الـ( BBC) البريطانية أن العراق ربما يسير باتجاه مصير يوغوسلافيا السابقة.

   الدعوة إلى خيار التقسيم من الخارج عززتها رسالة سكرتير الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، محمد الحاج محمود التي وجهها إلى الرئيس بوش" لقد أكدتم موقفكم الرافض لتقسيم العراق بحجة أن جميع العراقيين لا يريدون لبلدهم التقسيم، ولكن الحقيقة غير ذلك فنحن الكرد العراقيين نجد ضرورة تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، ونعتقد أن هذا التقسيم هو الحل الأمثل ليعيش العراقيون جنبا إلى جنب فيما بينهم بسلام واستقرار". وحث محمود الرئيس الأمريكي على "تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، وتنظيم استفتاء شعبي عام حول تقرير مصير كردستان تحت إشراف الولايات المتحدة". وقال في ختام رسالته "صحيح أن أمريكا نجحت في إسقاط النظام العراقي السابق، ولكن سياستها في العراق فشلت في إدارة البلد وتحقيق الأمن والاستقرار له".

  وفي الحقيقة يتجه الرأي الذي يؤمن بـ"الخيار الإستراتيجي الصعب" وهو العيش في ثلاثة دويلات إلى قبول فرضية أن التضحية المستمرة بالأرواح من أجل الأرض والوطن في العراق باتت موردا للنقاش الوطني! فإذا كانت تساق-في الماضي- العديد من المبررات التاريخية والسياسية والعاطفية لخوض حرب طويلة ضد إيران، وحرب خاطفة ضد الكويت، بل ضد مكون أساسي من مكونات الشعب العراقي وهم الكرد، فان اليوم لا يمكن أن يقتنع عراقي واحد بان التضحية بالمئات من المدنيين في حرب معلنة تارة وخفية في أحيان كثيرة، مع توقع استمرارها واشتدادها مبررا للحفاظ على وحدة العراق.

  فهل تستحق الأرض (الواحدة) أن تسفك انهارا من الدم المسلم الشيعي والسني على حد سواءا؟ وهل الأرض في المعايير الوطنية اثمن من الإنسان؟ فإذا كان أهل السنة يأبون العيش مع الشيعة إلا بإعادة سلطانهم على عرش العراق، أو أخذ نصيبهم السياسي على قدم وساق كما يتوقعون هم على أقل الاحتمالات، وإذا كان أهل الشيعة -بعد اليوم- لا يمكن أن يقبلوا بعودة عهود الظلم والاستبداد والسجون الانفرادية، والقتل الجماعي على الهوية، فذاكرتهم لا تسع للمزيد من الصور المظلمة، فلماذا لا يتخذ ساسة القوم قرارهم بالانفصال ويحفظوا بقية دماء أبنائهم، قبل أن تسحب الولايات المتحدة ورقتها الأخيرة، وتعلن أنها قررت بعد دراسات مستفيضة، وبناء على (حق تقرير المصير) وتأكيدا على رغبة أهل الشمال (الكرد) وأهل الجنوب (الشيعة) وبناء على توصيات دول إقليمية، استحداث ثلاث دول من العراق القديم!.

   ورغم أن أصحاب هذا الرأي يؤمنون بان خيار العيش في ثلاثة دويلات متجاورة هو اسلم الخيارات على المستوى الاستراتيجي، ولكنهم يجدون أن هذا الخيار لا يأتي دفعة واحدة بل هو بحاجة إلى مقدمات تجعله الخيار المقبول لدى الأكثرية السياسية والأكثرية الشعبية، ومن بين هذه المقدمات الضرورية هو تأكيد مبدأ الفدراليات الثلاثة، وترسيخ فكرة أن لا حل بين السنة والشيعة، وأن هذا الصراع سيكون صراعا دائما لا ينتهي إلا بوضع الحدود والحواجز، والعمل على دعم الشخصيات والأحزاب المتطرفة من كلا الجانبين.

   مشروع العيش في ثلاث دويلات في نظر المتبنين له، سوف يلقى قبولا في المستقبل من أكثرية العراقيين إذا ما سارت الأمور بهذه الطريقة، وسوف يلقى ترحيبا من بعض دول الجوار كالكويت وإيران، لان العراق كان ومازال يشكل هاجسا وكابوسا للكويتيين بسبب المطالبات المستمر بالكويت التي بلغت ضراوتها في التسعينات من القرن المنصرم، ولكن وجود دويلة عربية جديدة، سوف يقلل من مخاوف الكويتيين.

وبالنسبة إلى إيران فأنها ترغب في وجود دويلة شيعية في جنوب العراق، وبالتالي، سوف تضمن على اقل التقادير عدم الدخول في حرب مع جارتها الجديدة، فالعراق كان يقاد بالقرار السياسي السني دائما!.

إن الشعور بأهمية الانفصال شعور يتنامى بالتدريج، إلا أن خيار الانفصال خيار محفوف بالفشل الكبير، فعلى المستوى الوطني فان توزع الكرد على المحافظات الشمالية، والشيعة في المحافظات الجنوبية، والسنة في المحافظات الغربية، لا يشفع للأطراف الثلاثة، أن تعلن دولتها، فمسألة كركوك لن تحل بالهين، وأطراف بعض المناطق الملحقة بموصل والكوت وغيرها سوف تظل محل نزاع دائم، وفي ديالى والمناطق الغربية عدد كبير من الشيعة والكرد، وفي المناطق الجنوبية في البصرة والناصرية والحلة والكوت عدد كبير من السنة والكرد والصابئين.

    وفوق كل هذا وذاك العاصمة بغداد؛ ففيها ما يقارب من أربعة ملايين شيعي، وحدها الصدر قرابة ثلاثة ملايين شيعي مضافا إلى الاقليات الأخرى، فهل  تقسم بغداد وفق هذا التوجه إلى قسمين أيضا الرصافة للشيعة، والكرخ للسنة، حتى هذه المناطق فيها أيضا شيعة وسنة!. إلا اللهم يقرر دعاة الانفصال نقل قرابة خمسة – ستة ملايين من الشيعة، ونقل مليونين من السنة والاكراد إلى مناطق جديدة، وبالتالي لا يكون أمامهم إلا استحداث أكثر من عشر محافظات، مثل محافظة السماوة(500000) نسمة ومثل محافظة كربلاء(850000) نسمة.

    وعلى المستوى الإقليمي لا يمكن للأتراك أن يقبلوا بوجود دولة كردية على الإطلاق في شمال العراق، فهم على هبة الاستعداد للتدخل في الشؤون العراقية عندما يشعرون أن الأكراد يبيتون نية الانفصال، أو حق تقرير المصير؛ لان قرابة عشرين مليون كردي في شرق تركيا سوف يحذون حذو الكرد العراقيين، والأمر ينطبق على إيران وسوريا، وإن كان بدرجة اقل خطورة.

 وعلى المستوى العربي والدولي، فان تقسيم العراق من  المسائل المرفوضة جملة وتفصيلا، وهي لا تلقى  أدنى درجات القبول إلا عند الكويت-ربما- لحاجة الكويتيين إلى عراق ضعيف لا يهددهم ولا يشعرون مع وجوده بقلق الماضي. وربما عند الإيرانيين لحاجتهم إلى عراق شيعي قيادته شيعية يأمنون من طرفه على حدوده المهددة دائما، ليعلنوا بذلك عهد انتهاء الحروب الفارسية- العربية، فالقرار السني هو الذي كان سبب تلك الحروب، والشيعة من الطرفين هم وقود الحرب دائما.

   وسوى هاتين الدولتين، فان خيار التقسيم سيكون مرفوضا عند الجميع، ناهيك أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تقدم على هكذا خطوة لأنها سوف تضر بتواجدها في العشرات من الدول، وتُعيد للذهن العربي اتفاقية سايكيس -بيكو التجزئية. كما أنها تجهز بالكامل على مشروعها الموعود في الديمقراطية والحرية للشرق الأوسط، والعراق نموذجه، وهي الأمور التي لا تقبلها أمريكا ولا تفكر بها، إلا اللهم تضرب عرض الحائط كل هذه الحسابات، وعند ذاك ستكون حسابات جديدة.

 وفي تصورنا أن مشروع قسمة العراق على ثلاثة يظل مشروعا قائما ومدعوما محليا وإقليميا، وذلك ما لم يتم التوصل إلى إزالة كل الملابسات التي من شانها أن تعزز الانفصال في المستقبل المنظور ومن أهمها:

-التأكيد على وحدة العراق أرضا وشعبا في الدستور العراقي الدائم. ووضع ضمانات أكيدة لتعزيز هذه الوحدة، وحذف العبارات التي يُشم منها أنها تساعد على تجزئة العراق مستقبلا.

-الاتفاق الوطني بين جميع القوى السياسية على المفهوم المتبنى للفدرالية العراقية، بما لا يدع شك لدى المجتمع العراقي أن الفدرالية طريق أولي لتقسيم العراق. ونعتقد في هذا المجال أن الفدرالية الإدارية هي انجح الفدراليات وأكثرها ضمانا لوحدة العراق.

-إلغاء القائمة الانتخابية المغلقة، وجعلها قائمة مفتوحا، تتيح للناخبين العراقيين اختيار المرشح الأفضل من أجل الوصول إلى مجلس نواب كفء وقادر على تشكيل حكومة وطنية قوية.

-تشريع قوانين لمحاسبة دعاة الانفصال تحت أي مبرر، لان كل الحجج لا تصمد أمام الوحدة الوطنية.  

*مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12 نيسان/2007 -21/ربيع الاول/1428