المقاومون في سرديات اليوسف

حسن آل حمادة

 في حديثٍ سابق لي حول الكتابات القصصية؛ أشرت إلى أن أساليب الكتَّاب وطرقهم قد تعددت في كتابة القِصّة، فمنهم من كتبها بلغة رومانسية حالمة، ومنهم من اقترب بها نحو الواقعية، وآخرون سمحوا لخيالهم أن يُحلِّق بهم بعيداً؛ ليكتبوا لنا قصصاً خياليّة، أو رمزية، أو خرافيّة، أو...إلخ.

وأقول هنا: إذا كانت بعض القامات الأدبية تكتب بمنهجية: لي لغتي ولكم لغتكم، فالأستاذ حسين اليوسف كاتب مجموعة "أولمرت والبقرات السبع"، -التي ستصدر قريباً في بيروت- يُسطِّر مشاهداته بمنهجية: لي رسالتي ولكم رسالتكم، يا معشر الكتّاب.

فحسين اليوسف يكتب "القِصّة الواقعية النضالية" بطريقة حكائية، لا تخلو من الحشو والاستطراد.. حُباً في البوح، حباً في الكتابة؛ ككثير من الكتَّاب الذين اتخذوا من القصة الواقعية أداة للتعبير عن أفكارهم، على الأقل في البدايات؛ قبل أن يتجهوا صوب الكتابة الرومانسية أو الرمزية.  

واليوسف بكتابته لهذه المجموعة الأدبية الهادفة يريد القول: إن كل إنسان -مع ما يعتمل في نفسه من تجارب وأحداث- قادرٌ على ممارسة إغراء الكتابة، لكن بشرطي: الاستجابة والإخلاص لهذا الإغراء.

وأنا على قناعة تامة بأن أي إنسانٍ لن يصل إلى ما يريد، ولن يتمكن من البوح بما يسكن في داخله -كتابياً- بين عشية وضحاها؛ فهذا الأمر يحتاج إلى وقت من ممارسة الحكي والتجريب. وإذا كانت "عقول الفضلاء في أطراف أقلامها"، كما يقول الإمام علي (عليه السلام)، فحق لنا القول: إن حسين اليوسف، يضع نفسه في نتاجه الأدبي هذا، معبراً عنها بالحروف والكلمات.

وفي مشاهدات اليوسف وحكاياته؛ نقرأ الواقع بصورة يتداخل معها الخيال بدرجة ما. إذ أن اليوسف يعمل على نسج خيوط قصصه ومشاهداته؛ مستلاً إياها من تجاربه الواقعية الملموسة! فالواقع هو العنصر المُحرِّك والمُحفِّز لليوسف، وهو العامل الذي ألح عليه وأغراه لكي يمارس البوح.

ويكفي للدلالة على ذلك أن يقرأ أحدنا رواية اليوسف: "مهمة الأربع والعشرين ساعة في العراق" الصادرة في عام 1427هـ؛ والتي تسرد تجربته في تهريب فتاتين من آلة الجحيم (الصدَّاميَّة) في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم، فاليوسف لا يستطيع أن ينفصل عن واقعه وهو يراهن على فنه الأدبي، وإن فُصل! فسيكون مصيره؛ كمصير السمكة عندما تخرج من الماء!!

كما أن الواقع عند اليوسف قد يتحول إلى خيال، ولا غرابة في أن يتحول الخيال إلى واقع!

ولكي نقترب من أجواء هذه المجموعة التي سُطرِّت؛ لتحكي شيئاً يسيراً من أدب المقاومة، أقول: إن الكثير منّا لم يتخيل -حتى  مجرد تخيل- أن باستطاعة المقاومة الإسلامية المتمثلة في حزب الله اللبناني، أن ترد ضربات آلة الدمار الإسراأمريكية، في قصفها الوحشي على لبنان في حرب تموز 2006م، ولكن الحزب فاجأ الجميع؛ بتجاوزه لعملية الرد على الهجمات الإسرائيلية، حين حقق نصراً على الكيان الغاصب، شهد به العدو، بالرغم من جبروته وغطرسته!

فحزب الله -بقيادة أمينه العام السيد حسن نصر الله (حفظه الله)- تجاوز خيال الأمة المتفرجة، بفضل صمود جنوده واستبسالهم في الدفاع عن الوطن والعزة والكرامة؛ ليصنع فيما بعد بملاحمه الأسطورية، واقعاً جديداً تختزنه ذاكرة الأمة. فالقوة الإسرائيلية التي ظن المنهزمون أنها لا تقهر، قد قُهرت وذلت، على أيدي رجال آمنوا بقضيتهم وبقدرتهم على تحقيق النصر.

وهذا الواقع الجديد الذي فُرض بفضل جهاد المجاهدين، ومقاومة المقاومين، نحن بحاجة لتسطير صفحاته على الورق؛ لنستلهم منه العزّة والكرامة. وللأمانة أقول: عندما تغيب أو تتغيب بعض الأقلام عن تسطير الكتابات التي تجلّي وتبرز عزة هذه الأمة؛ فإننا بذلك نفقد الكثير من التفاصيل المهمة، وها هو اليوسف يشمِّر مُجدًّا عن قلمه؛ ليكتب لنا شيئاً من مشاهداته الحيّة لجزء يسير مما حققته المقاومة الإسلامية في لبنان، بلغة شخص عاش الحدث عن قرب؛ فيما شاهده الكثير عبر الشاشة الدامية! لهذا أحسب أن مشاهداته، هي مشاهدات مُقاوم!

ومن يقرأ حكايات اليوسف؛ فسيلحظ إيمانه بالفعل المُقاوم بوضوح لا يخفى على ذي لب، كما ستتضح للقارئ قدرة اليوسف على بث الروح النضالية المُقاومة من خلال سرده للأحداث الدائرة بين المقاومين وذويهم.

نقاط مضيئة في قصص اليوسف:

ولعلَّنا نستطيع أن نسجل جملة من الأمور التي تُحسب لهذا العمل الأدبي، ومنها:

- عدم الهروب من الواقع: فإذا كان البعض يكتب القصة الرومانسية هروباً من الواقع الذي يأس من تغييره؛ فهذه المجموعة قد تعزز الثقة في النفوس؛ خاصةً وأنها تحكي قصصاً من واقع العزّة التي نعيش شيئاً من تجلياتها، بعد أن تغيرت قواعد المعادلة، بفضل جهاد المقاومين الشرفاء، الذين سجلوا انتصارهم المدوي على الكيان الإسرائيلي اللقيط. فاليوسف وهو يكتب قصصه الواقعية، لم يكن بحاجة للي عنق الواقع، بل سرده كما هو.

- نجح اليوسف، وهو يسرد حكايات المقاومين؛ حتى يُخيَّل للقارئ وكأنه يعيش مع المجاهدين في معاناتهم، وهم يواجهون العدو الإسرائيلي. فعندما تصل للمقطع الآتي من حكاية (رب تلاتين): "أفقنا الصباح وقد تلطخت ملابسنا بروث الأبقار ومائها"، قد تتلمس حينئذٍ   ملابسك للتأكد من نظافتها!     

- الروح التهكمية: فعندما يقرأ متصفح الكتاب -على سبيل المثال- قصة: (أولمرت والبقرات السبع)؛ ستتضح له القدرة التهكمية التي تتمتع بها كتابات اليوسف، ولا غرو أن تترك     القصة في نفسه أثراً لا ينسى، وابتسامة لا تخفى! وهذا الأمر يُعطي دلالة واضحة على تمكن الكاتب من سرد الأحداث بجدارة؛ قد تغيب عنها المعالجة الفنية الصرفة!  

- أضفى الكاتب على نصوصه صفة الحيوية والصدق والواقعية، عندما استخدم اللهجة اللبنانية، وهو يستنطق شخصيات حكاياته في بعض مواقفهم الحوارية الدائرة بينهم، وهذه نقطة قوة في العمل، تنأ به عن التكلف المصطنع.

- عدم تعويل الكاتب على الجنبة الغيبية، التي اتكأ عليها البعض وهم يسردون عمليات النصر التي حققها أبناء حزب الله؛ بل تجده ينحى لتأكيد قيمة العمل الجهادي المُعدّ والمنظَّم، والجهوزية الدائمة لدى المقاومين.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 10 نيسان/2007 -19/ربيع الاول/1428