تحقيق الانتصار والحفاظ عليه واستثماره.. اللعبة واللاعبون

طالب الوحيلي

الاكثرية العددية قطعا لا تعني التفوق مادامت مختلفة فيما بينها، بين تباين راديكالي واعتقاد براغماتي وهوس علماني، لذا تجد فعلها البرلماني مثقل بالاختلاف والاختلال حتى يكاد المرء ليشعر بان كل تيار يحمل نقيضه.

يقال ان النصر يسير التحقق قياسا الى القدرة على الحفاظ عليه او استثماره في الخطوات الاستراتيجية الاحقة، حتى يمكن الاعتقاد بان النصر في معركة ما هو تكتيك لمرحلة اكثر تقدما، وقد مر العراق بتجارب كثير على الصعد الحربية او السلمية كانت فيها هذه إشكالية حاضرة، ولم تبارحنا نتائجها التي اسقطت على الواقع العراقي اشد الإرهاصات قسوة، ناهيك عن ان أي تجربة سياسية وقعت في العراق كانت مظاهرها الايجابية تنعدم بسبب عد وجود التخطيط الاستراتيجي للمراحل اللاحقة.

مثال ذلك ثورة 14 تموز وانتفاضة آذار 1991، والانتصارات التي تلت سقوط الطاغية صدام ونظامه،ولسنا بصدد السرد لما مر من احداث تباينت فيها الافعال والنتائج ولاسيما عبر العقود الماضية من تاريخ العراق المعاصر، ولكن ينبغي علينا ان نتأمل معطيات واقع ما بعد سقوط الطاغية، حيث اننا امام خطين متوازيين من هذا الاستثمار، خط الشعب الذي شعر بتحرره من منظومة الظلم المتجذر ورغم ذلك بقي يعيش قواعد وأصول العمل المعارض الذي جبل عليه طيلة تأريخه، ولم يتحرر من ذلك الخطاب وتلك الفعاليات التي مثلت خطوطا عريضة من التمرد على ذلك النظام، وفي اعلان الرفض التام له بالرغم من قسوته وعدم تساهله بإزاء أدنى تصرف يمس كيانه او شخصية صنمه.

فنحن أمام نوع من القصور في التمتع بالمقاييس والمناخات الجديدة، تحت وطأة الشعور بالغبن او الانطباع الواقعي للمعلن والمبطن لسياسة الاحتلال، حتى طغت هذه الطبيعة على بعض صانعي او منفذي القرار العراقي، فيما تجد البعض منا لكثرة تطبعه على التمرد السلمي على الطاغية، لا يجد حالا أفضل من ذلك بالرغم من انه في سلم المكون القيادي، مما يفقدنا حرية التحكم باللعبة السياسية ومفرداتها الظاهرية او المبطنة، ووضع تكتيكات ناضجة للتأسيس لقواعد اصولية ترسخ في العمق الوجداني للشعب العراقي لبناء دولة القانون او الدستور الذي وضع كانتصار آخر قياسا للتجارب الدستورية في العالم العرابي او ما مر على المستوى الوطني، ومع ذلك نجده مستهدفا اقليميا حيث لاينفك بعض رؤساء وملوك ومشايخ العرب ينادون بتعديله او التلاعب به، دون العبء بمن استفتى عليه، وثمة من وقف ضده منذ البدأ بكتابته وحتى الفراغ من ذلك وطرحه على الجمهور للتصويت عليه،حيث كانت منازلة فعلية بين الاغلبية الساحقة التي تحررت فعليا من زمن الظلم والاضطهاد، وبين الاقلية التي سعت لاثبات وجودها عبر وسائل عديدة منها اعلان التمرد المسلح على الدولة الناشئة التي اثقلتها اخطاء وتصرفات الادارة المدنية للاحتلال بالرغم من القرارات الدولية التي اوجبت عليها انهاء حالة الاحتلال،كما سعت القيادات السياسية لتلك القوى الى اقتحام المعترك السياسي ومجالسه المشرعة الابواب لاحتضان من يروم جمع الشتات الوطني وطمر آثار الماضي ليكتمل الخط المقابل متمما طريقه وسط ركم الخراب التي أخلفتها مؤسسة حكم كان يجدها مصدر وجوده على قمة التسلط السياسي والاجتماعي سواء كان وهما ام حقيقة، لذا تجد استثماره للفرص التي تتاح له بالرغم من محدوديتها اكثر جدية ودراية بلعبة المؤامرة وتوجيهها بالشكل الذي يخدم قضيته التي وجدها مصيرية تحت ضغط تحلف غير طبيعي مع نظومة التكفير الدولي المتمثلة بالقاعدة وعمقها الطائفي الذي استفاق على وهم كبير في اعلان حرب هوجاء ضد طائفة مسالمة ما زالت تلمس طريقها في تنفيذ مشروعها السياسي المستمد من تأريخها التضحوي وادراكها لحركة المجتمع الانساني عبر جماعتها الصالحة التي مازالت للاسف تعاني من احباطات واكبتها بسبب صراع الذات الذب خلفته نزعة القيادة وعد تجاوز الجمود على قوالب ينبغي التعاطي معها بديناميكية وهدوء، لذا سادت ارادات الفعل ورد الفعل على التعاملمع الثوابت والمتغيرات، انعكست على الشارع المفعم بالامل الذي جفت بعض جذوره ليقع في رمادية لا تتناسب مع المعطيات التي افرزتها حركة الشارع وما دعمت به من اسناد للمرجعيات الدينية وانسانية..

الاكثرية العددية قطعا لا تعني التفوق مادامت مختلفة فيما بينها، بين تباين راديكالي واعتقاد براغماتي وهوس علماني، لذا تجد فعلها البرلماني مثقل بالاختلاف والاختلال حتى يكاد المرء ليشعر بان كل تيار يحمل نقيضه، وترى البعض يتربص للانقضاض على الآخر عبر تحالفات لا يفهم منها سوى انها استثمار آخر لا خفاقات موضوعية للادارة الحكومية للبلاد وما يؤدي ذلك الى نوع من فقدان الثقة للناخب في ما انتخبه مما يدعو الى التكهن بانفصام جماهيري واسع مع القيادات التي وضع ثقته فيها لتوصله الى بر الامان..

إرهاصات الواقع الأمني قد تكون اختزال او ترجمة كاملة للتجربة السياسية مادام البعض يتعكز علية في تبرير الفشل الحكومي بمعالجة الكثير من الملفات وهي بالمقدور معالجتها، كالفساد الاداري الذي قد يبالغ الاعلام المضاد في تصويره على انه اكبر آفة تهدد البلاد مما يلوث كل تصرف بهذه الصبغة حتى عد العراق الخامس في العالم من ناحية انتشاره،في الوقت الذي ينبغي على من يتبنى المشروع الانساني الرسالي ان يكون احرص خلق الله على مال الله والشعب بما في ذلك اتقان العمل والاخلاص فيه فضلا عن عدم مغادرة الذهن قدرة العدو على استثمار ذلك الفساد الى ابعد مدى ممكن بسبب خبرته الموروثة من النظام البائد ويقينه بان أي افساد يقوم به هو اداة هدم للتجربة السياسية واستثارة للحنين الى الماضي، ليقنع المواطن المبتلى بانه الخاسر الاول والاخير.

كما ان الواقع القانوني وتزاحم المشاريع التي تقدم على طاولة البحث في مجلس النواب، فان المواطن الذي نسي ما تعنية قنينة الغازل لاستحالة اقتنائها او ان مفردات البطاقة التموينية لم تعد تشكل له اهمية لعدم انتظامها ومحدودية ورداءة مفرداتها بعد ان سمع بانها سوف تطور لتسد حاجته حتى الى المواد الكمالية، وغير ذلك مما لم يجده هذا المواطن، فانه لا يعبأ بما سوف يصدر من قوانين قد تكون من الاهمية بمكان انها تعد فتحا لا نظير له في المنطقة برمتها او اكمالا لمبادئ الدستور الدائم الذي ضحى الكثير من اجله،مقابل ان تتحكم العراق قوانين مجلس قيادة الثورة المنحل بالعديد من اوجه الحياة التي تثقل كاهل المواطن لفقير دون سواه.

اما المؤسسة القضائية فهي الى الآن لم تعبء بما فيه الكفاية ولم تستنفر بمستوى استنفار القوى الامنية في بعض جوانب خطة فرض القانون، وكان ينبغي ان توضع لها آليات متحررة وميدانية لتستوعب الكم الهائل من المتهمين بالجرائم الإرهابية من اجل الإسراع في إكمال الأوراق التحقيقية لهم وتفريقها اصوليا لينال كل واحد منهم جزاءه العادل..

خطة فرض القانون والموقف الدولي منها والإسناد الأمريكي لها وتكريس بعض جوانب العلاقات الاقليمية لإنجاحها، كل ذلك يمكن ان يشكل انتصارات ينبغي الحفاظ عليها واستثمارها، فضلا عن تداعيات قوى الارهاب وافتضاح حقيقته السياسية لمن يعتقد بانه صراع بين طوائف، لان الصداميين وزمر القاعدة اعتبروا كل عراقي هو هدف لقتلهم، وخلف هذا الامر تكمن دلالات كبيرة لا يمكن إهمالها وعدم استثمارها، وفي ذلك انتصار للجميع وهزيمة لكل من يسعى الى خراب العراق..

شبكة النبأ المعلوماتية-الثنين 9 نيسان/2007 -18/ربيع الاول/1428