التعليم في العراق بين الواقع والتطلعات

عدسة وتحقيق:عصام حاكم  

شبكة النبأ: لسنا هنا بصدد الخوض في شباك العملية التعليمية وتقييمها، رغم علمنا المسبق لما يعتري هذا المفصل الحيوي من وهن وتسويف او بمعنى ادق ما يصيبها من انهزام أمام آفة الفوضى والجهل، بقدر ما يتعلق الامر في البحث عن أيجاد آلية جديدة من شأنها ان تسهم برفد القاعدة الاساسية الا وهي مرحلة التعليم الابتدائي، من دون ان نتجاهل تلك الاسقاطات التي بدأت تطفو على السطح كالوضع الامني وانقطاع التيار الكهربائي بالاضافة الى الوضع المعاشي المتدني للاسرة العراقية.

ومن اجل ذلك كان (لشبكة النبا المعلوماتية) هذا الحضور للبحث عن الاسباب الحقيقية التي تكمن وراء عدم ارساء المستلزمات الضرورية للارتقاء بالواقع التعليمي.

حيث كانت محطتنا الاولى مع المعلم(مرتضى حيدر) الذي قال لـ شبكة النبأ:

 ربما تمثل الدراسة الابتدائية المحطة المهمة او الركيزة الاساسية في الرحلة المعرفية، او هي بمثابة الانطلاقة الاولى نحو ابواب العلم والمعرفة، وهذه السمة تمنحها فرصة اكبر من أجل ان تستند على قاعدة رصينة يتمخض من خلالها محور يشكل نواة فاعلة لديمومة الانطلاق نحو الدراسات الاخرى كالمتوسطة والاعدادية والجامعة والدراسات العليا، فبالتاكيد ما يحصل في الساحة العراقية اليوم من فوضى في كل مجالات الحياة، هو يشكل عقبة اكيدة امام النهوض ولن يستثني بذلك المؤسسة التعليمية، بل ربما تكون هي المستهدف الاول.

ومن ثم أنتقلنا الى الطالبة(هيفاء حسون) لتعبر هي الاخرى عن سخطها تجاه المؤسسة التعليمية برمتها اليوم، علما بان عبق الرغبة في التعليم يفوح من ثنايا برائتها وطفولتها، حيث تقول، سابقا كان المعلم يعتبر التعليم رسالة يحرص على تأديتها بالشكل الافضل، علما بانه كان يتقاضى راتب بسيط جدا ويكاد لا يذكر، اما اليوم فقد أصبح التعليم مشروع لكسب المال فقط ولم يعد كسابق عهده، وهذا بطبيعة الحال له مردودات سلبية كبيرة تنعكس على الواقع التعليمي عاجلا ام آجلا، وها نحن ندفع ثمن هذا التصور القاصر، وانت تعلم قبل غيرك مستوى التعليم الابتدائي اليوم، فها هم طلبة الصف السادس الابتدائي امام ناظريك لا يستطيعون بالكاد كتابة الاسم الثلاثي، فما بالك بباقي العلوم.

حتى ساقنا هوى الفضول لنصل الى مدرسة الشعب الابتدائية في حي الغدير لنلتقي بالمعاون(علي غالي ) وهو مختص في مادة العلوم، الذي قال لـ شبكة النبأ: هناك أسباب كثيرة تدخل ضمن اسباب تدني المستوى التعليمي لطلبة الصفوف الابتدائية، وهي تتمحور بين المدرسة والبيت والوضع العام، اما بالنسبة للطالب فهو غير جدير بان يدرك حجم المسؤولية الملاقاة على عاتقة وهو محق في ذلك، اما بالنسبة للمعلم فهو الاخر يمر بازمة كبيرة تتجسد بالراتب الشهري الذي يتقاضاه قياسا براتب الحارس الليلي، وهذه النقطة مهمة تمثل عقبة امام النهوض بالواقع التعليمي.

بالاضافة الى ذلك هناك مسؤولية تقع على عاتق اولياء ألامور فهم كذلك لا يهتمون بمتابعة ابناؤهم، من خلال حثهم على الالتزام بالدوام وعدم الغياب ناهيك ان اغلب الطلبة يعملون، وبالمقابل هناك عامل نفسي مهم حيث ينظر الطالب الى راتب المعلم فانه لا يشكل شيئا، هذا مما يدفعه للتصور بان التعليم لا يغني من جوع ابدا، وهذا الهاجس يشكل أنموذج حي يدعوهم للعزوف عن الدراسة.

اما المعلمة(ختام حسين عبد) فلها قراءة تختلف نوعا ما عن الاخرين في استنطاق الحقيقة، من خلال أيجاد آلية للبحث عن السبل الكفيلة للنهوض بالواقع التعليمي، وذلك في الاطلاع على مكامن القوة ومواطن الضعف في العملية التعليمية ذاتها، والتي هي لن تكون بمنأى عن الاستراتيجية المتبلورة في عهد النظام السابق، فمنذ سبعينيات القرن الماضي ولحد الان هناك برنامج واضح لقتل العلم والتعليم في العراق، من خلال أيجاد اساليب متعددة، فتارة عن طريق آلية سلم الرواتب، وتارة اخرى عن طريق التهميش واخرى بالتصدى لدور العلم والعلماء.

واضافت: في النهاية كل تلك الوسائل أنصبّت في بوتقة واحدة، مما خلق قراءة جديدة تشير الى ان  المؤسسة التعليمية لا تشكل الا هامش بسيط في عملية البناء والتقدم، وهذا التصور خلق فرصة أمام العلم ان ينسحب الى الوراء، حتى جاءت لحظة السقوط لتضيف عبئا أخر على كاهل المواطن العراقي عموما والحقل التعليمي على وجه الخصوص.

وبالنتيجة اضحت العملية التعليمية تحمل آثام كثيرة تتحمل الهيئة التدريسية جزء منها والجزء الاكبر يقع على عاتق باقي مكونات الطيف العراقي أفراد و مسؤولين. 

اما محطتنا الاخيرة فكانت مع السيد(جواد مهدي حسين) مدير التعليم العام في تربية محافظة كربلاء، حيث يقول لـ شبكة النبأ:

 فيما يتعلق بموضوع ضعف المستوى العلمي لطلبة الدراسة الابتدائية، فأني أعزي السبب الرئيسي الى الهيئات التعليمية، وذلك كون المعلم يحمل رسالة مهمة يتريب عليها مستقبل الامة باكملها، بالاضافة الى ذلك فانه أمام مسؤوليتين،الاولى تقتضي ان يمتلك مؤهلات علمية غزيرة تؤهله للعمل في حقل التعليم، بالاضافة الى ذلك هناك جانب مهم وهو كيفية التعامل مع الطلبة وخصوصا من هم في أعمار صغيرة، وللعلم سابقا كان قبول طلبة معاهد المعلمين لا يعتمد على اسس علمية، بقدر ما يتعلق الامر بالانتماء الحزبي والولاء للدولة فحسب.

ناهيك عن المناهج الدراسية التي بدأت تنحدر منذ عقود، فعلى سبيل المثال في عام 69 او 70 زارني أحد المشرفين الى المدرسة وكان يتابع الاسئلة التي وضعتها الى الطلبة، حيث فاجأني بالقول ان تلك الاسئلة قد عفى عليها الزمن، ولنبداء بأسئلة ميسرة لا تعنى أي قيمة علمية، حتى تكون ميسرة للطلبة ويصبح النجاح بمتناول أي طالب بغض النظر عن مستواه العلمي، ومنذ تلك اللحظة أدركت بان التعليم بداء بالا نحدار من خلال ذلك التساهل.

هذا بالاضافة الى المستويات المنخفظة للطلبة المقبولين في معاهد المعلمين، ناهيك ان الشعبة الواحدة تضم أكثر من اربعين طالب، وهذا خطأ كبير في الوقت الذي عهدنا في الستينات ان عدد طلاب الشعبة الواحدة لا يتجاوز الخمسة وعشرين طالب فقط، وكان الدوام حتى الساعة الثانية بعد الظهر، حيث ان الازدواجية في الدوام او الثلاثية أحيانا، سبب اخر في انخفاض المستوى العلمي.

اذن فالمناهج من جهة والكادر التعليمي من جهة ثانية والضغط الزمني على فترات  الدوام من جهة ثالثة، والتفاوت الاقتصادي بين شرائح المجتمع هو عامل اضافي، حيث ينعكس على طموحات الطلبة وأولياء أمورهم بنفس الوقت، وهذا يدفعهم للاستفادة من أبناءهم في مجالات العمل لتحقيق مكاسب مادية او مردودات مالية.

بالاضافة الى ذلك ضعف وسائل الايضاح وفقدان هذه الوسائل في كثير من الاحيان، ناهيك عن عدم وجود الحرص لدى القائمين على التعليم وضعف الاخلاص وضعف الحس الوطني هذا ربما نقوله بمرارة، وهذه جزء من افرازات الحالة السياسية السابقة، حيث كانت الوطنية تتجسد بمستوى الولاء للشخص، وكان الموالي هو المواطن الصالح والعكس بالعكس.

واضاف: أذن نحن مطالبون اليوم بأن نضع دراسة شاملة تأخذ بنظر الاعتبار كل الإسقاطات التي من شأنها ان تأخر عجلة التقدم والنهوض بالعملية التعليمية، وهي بالتأكيد جزء لا يتجزء من الوضع العام للحالة العراقية الجديدة، علما بأننا ندرك ما كانت عليه العملية التعليمية في عهد النظام السابق وما كان يصيبها من وهن او تأخر وهو مشروع كان يعتبر نقطة مهمة في بناء الدولة البعثية البائدة، ولكن ما يهمنا اليوم ان نقف على أدوات النكوص ومحاولة تجاوزها.

وهي مهمة كبيرة جدا ومسؤولية مشتركة يتحمل الجميع تبعتها من الطالب الى الأسرة الى الهيئة التدريسيه الى الحكومة ذاتها من وزير التربية الى رئاسة الدولة، فالجميع اليوم مطالب ان يؤدي دوره في عملية الارتقاء بالواقع التعليمي، وحيث لن يكون هناك مسوغ مشروع يعفي أياً منا عن تحمل مسوليتة، علما بأننا ندرك حجم المشكلة ولكن نحن أمام التزام أخلاقي وأنساني وديني يفرض على أمة الضاد ان تضرب مثلاً في الريادة التعليمية ولتثبت للعالم بانها فعلاً من علمت الدنيا الحرف.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 5 نيسان/2007 -14/ربيع الاول/1428