سوريا متى تفعل ما تقول ؟

لطيف القصاب*

 مابرح يحاول الجانب السوري وعلى اعلى مستوياته الرسمية ومنذ ما يقرب من اربعة اعوام  يفند الطرح القائل بان سوريا هي جزء من المشكلة العراقية الراهنة..، كيف لا وان استقرار العراق من استقرارهم.. وعافية العراق من عافيتهم وان هلاك العراق بمعنى من المعاني هلاك لسوريا ايضا..، فهم عمقنا الستراتيجي ونحن عمقهم الستراتيجي الى آخر الاقوال  التي  مهما اشتملت على عبارات التأكيد والتوكيد  فلن تقوى على الصمود ـ حتى هذه اللحظة على الاقل ـ   بوجه الارقام التي تتحدث عن (50ـ70)  مقاتلا يدخلون العراق عبر البر السوري بنية (الانتحارفي سبيل الله)، وكما هو معروف للمتابعين فان اخر تصريح لمسؤول عراقي انحى فيه  باللائمة على السوريين محملا اياهم نصف وزر الجريمة.. كان من نصيب الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية "علي الدباغ" قبل اسابيع كما ان اخر تصريح لمسؤول اميركي في هذا السياق هو تصريح المستشار في وزارة الخارجية الاميركية "ديفيد ساترفيلد" حيث ذكر في 27-3-2007 وبحسب ما اوردته وكالة رويترز "ان ما يقدر بنحو 90 في المائة من المفجرين الانتحاريين في العراق هم اجانب ياتون الى العراق عبر سوريا....وسوريا لا تحرك ساكنا..."

صحيح ان الحدود بين البلدين تصل الى (700) كيلو مترا وصحيح ايضا  ان العراق  لا يملك  حاليا ما يكفي من حراس الحدود الا ان الصحيح ايضا ان سوريا بلد هو من اعتى بلدان العالم الثالث من حيث صرامة جهازه الامني، كما ان اتساع الحدود بين العراق وبعض جيرانه الاخرين لايقل اتساعا ان لم يكن يزيد على مساحة الشريط السوري وبنسبة كبيرة، وان تلك الحدود الاخرى وبنسبة كبيرة ايضا اكثر امانا.. او اقل شراً..

ثم ان الحجة التي يلهج بذكرها الجانب السوري والتي مفادها ان الولايات المتحدة على جلالة قدرها وقدراتها "البوليسية"  لاتستطيع الحؤول دون تدفق  المتسللين  المكسيكيين الى اراضيها عبر  الشريط الضيق الواصل بين دولتيهما  ستسقط عن الاعتبار حالما ندرك حقيقة ان المتسللين المكسيكين ليسوا باكثر من مجرد لاجئين اقتصاديين يبحثون عن "لقمة خبز"  يأكلونهامع اسرهم بسلام وهم بهذا الوصف الموضوعي  ابعد مايكونون شبها عن متسللي القاعدة والذين هم بطبيعة الحال اكثر الناس زهدا بالسلام...

انا شخصيا اعتقد بان الدولة السورية حكومة وشعبا لاتتمنى للماساة العراقية ان تستمر الى الابد فبقعة الدم العراقي توسعت الى الحد الذي بدأ الجميع تقريبا يروم التنصل من المسؤولية عنها على الاقل من باب الخوف من انتشار العدوى، كما اني على يقين ايضا ان سوريا يمكن ان تكون جزءاً من حل المشكلة لا المشكلة نفسها خاصة اذا ساعدها الظرف الاقليمي والدولي بحيث تخف عنها وطأة الضغوط التي تداهمها من هنا وهناك واعني "بهنا وهناك" الولايات المتحدة والبعض من الدول الاوربية ومنها فرنسا والعربية ومنها السعودية..

  فقد آلت تلك الدول على نفسها ومنذ زمن بعيد على اتخاذ موقف سلبي من القيادة السورية كلما جرى الحديث عن مواضيع زيادة التوتر في قضية الشرق الاوسط وسجل حقوق الانسان والموقف من ايران وطبعا ملف الاغتيالات في لبنان ـ ذلك الذي استؤنف بالحريري ولن ينتهي في غالب الظن  باغتيال بيار الجميل اذا ما بقيت حالة المنطقة منهمكة في لعبة صراع الديكة ـ.

ان الاستمرار في  رفع الضغوط الامريكية والاوربية عن سوريا او التقليل من حجمها على اقل تقدير والابتعاد عن لجنة (سيرج براميرتز) باتجاه  الاقتراب من لجنة (جيمس بيكر- هاملتون ) واعادة الاعتبار الى الموقع الذي تمثله سوريا تاريخيا داخل المنظومة العربية  يمكن ان يساهم في طي صفحة الماضي القاتم والشروع بفتح صفحة بيضاء حقا بين الجارتين الشقيقتين العراق وسوريا  خصوصاً وان  الرياض لم تنته بعد من حماستها في مناقشة مشكلة العراق عل صعيد الاسباب والجذور.. بالرغم من انفضاض جمع القادة العرب وغيرهم فيها..، فبحسب اخر الاخبار ان دعوة وجهت من قبل المملكة الى زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق عبد العزيز الحكيم تقبلها الاخير بالترحيب الشديد..،

واخيرا وليس اخرا  وبالتغاضي عن مايثار من شكوك حول جدوى القمم العربية وتاريخ الفشل العربي  المزمن.. كما يعبر البعض من جهة و"اكذوبة"   التقارب السوري العراقي من جهة اخرى والتي  تتمثل  بعدم وجود "فعلي" لسفير عراقي في العاصمة دمشق حتى الان يتابع اخبار المعذبين هناك..، وان منصب السفير مازال حبرا على ورق وان "حسن العلوي" سفير مع ايقاف التنفيذ لاسباب لا يعلمها الا الراسخون بالبعث من امثاله، اقول بالتغاضي عن كل ماسلف  يستطيع المتفائل ان يجبر نفسه على التصديق  بان القطيعة الدبلوماسية التي دامت اكثر من ربع قرن بين كل من سوريا والعراق  قد ولت الى غير رجعة كما عبر وزراء خارجية البلدين  بعد افتتاح سفارة دمشق في بغداد مؤخرا..،   وان يتوقع انسجاما مع شعور التفاؤل الزائد  هذا  بان تتحول اقوال القادة العرب ومنها  الاقوال الجميلة للقيادة السورية فيما يخص اهمية ضمان الامن والاستقرار في العراق "البلد الشقيق " الى افعال فعلا.

*كاتب واعلامي - كربلاء المقدسة

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 3 نيسان/2007 -12/ربيع الاول/1428