اماني الشعوب وأحلام اليقظة.. من أين تبدأ وهل تنتهي؟!

عدسة وتحقيق/عصام حاكم

تعد أحلام اليقظة هاجس مشروع في التعبير عن القيم الروحية والإنسانية لكل المجتمعات على حد سواء، إلا أن هذا الشأن يفترض ازاءه جملة من المسؤوليات في التعاطي مع ما يحملة من خصائص، تؤكد على ان الأمنيات ليست ضربا من ضروب الخيال، بقدر ما يتعلق الأمر كونها فعل تحكمه ثقافات معينة أهمها، رفض حالة السكون، وكذلك الانطلاق عبر مسارات متباينة من أجل أن تنصب تلك الآمال في بوتقة العمل ولا تمسي كالسراب.

ولسبر أغوار تلك الحقيقة (شبكة النبأ المعلوماتية) حاولت التقرب من عالم الأمنيات فكانت لها هذه الوقفة لاستطلاع آراء بعض أهل الاختصاص من أساتذة علم الاجتماع والنفس والتربية والإعلام.                                    

وقد كان لقاؤنا الأول مع الاعلامي(حيدر السلامي) الذي قال لـ شبكة النبأ بأن: "المطالب المكبوتة أو الاهداف التي لا يمكن تحقيقها في العالم الخارجي أو المحسوس انما تترسب في اللاشعور وتبقى تتحين الفرصة للتعبير عن نفسها أو الخروج من قمقمها وحينئذ تتمظهر بشكل أحلام يقظة فإن كانت تلك المطالب صالحة ومحبة للخير ترجمت الى حلم رومانسي جميل يحمل قيم الخير والصلاح.

أما إذا كانت تلك الأمنيات نابعة من نفس شريرة أو ميالة بطبعها الى الفساد فتنتج أحلاماً تحمل صبغتها السوداوية..

واضاف: وعلى أية حال فإن الأماني وأحلام اليقظة هي متنفس حيوي وهام لتفريج الهم والكبت واعادة التوازن داخل النفس الانسانية وهي قد تشبه من هذا الجانب أحلام المنام أو الرؤى غير الصادقة التي يعبر عنها بالأضغاث.

وفي الغالب تجنح النفس البشرية الى الأحلام طلباً للخلاص من المعاناة والألم الذي تعيشه في الواقع المادي لأن الأحلام جسر أو نافذة الى العالم المثالي أو الكمالي الذي تنشده النفس الانسانية وتحن اليه لأنه موطنها الأول ـ بحسب أفلاطون ـ بقي أن أقول ان الأحلام اليقظوية أو الامنيات لو هيأت لها السبل الملائمة لخرج أغلبها الى الواقع العملي لأنها تنشأ نتيجة الاحباط واليأس من تحقيق الأهداف وإنماء المشاريع والطموحات الشخصية سواء المشروعة منها أم غير المشروعة، ما يولد الفراغ الفعلي للانسان ويدفع به الى السلبية والتكاسل وبالتالي محاولة التعويض النفسي من طريق الحلم.

وقديما قال الشاعر العربي: وما نيل المطالب بالتمني، وقال آخر: ما كل ما يتمنى المرء يدركه.                                   

أما الدكتور(خالد العرداوي) وهو أستاذ القانون في جامعة كربلاء والمعاون العلمي في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، حيث يقول لـ شبكة النبأ:

 اعتقد الخوض في غمار هذا الموضوع له جانبين مهمين، الجانب الاول هو تاريخي له علاقة بالتاريخ، أما الجانب الثاني فهو جانب ثقافي، وبالنسبة للمحور الاول، فنحن ما زلنا ننظر للتاريخ على أنه مرحلة ذهبية وخصوصا في صدر الإسلام كونها أفضل مرحلة في تاريخنا، وما عداها لايمثل الا مستوى متدني أو مسيرة حافلة بالإخفاقات، هذا مما خلق حالة من الانكسار والانهزام في البناء الإنساني، وهذا الاحساس خلق  حالة من التواكل في العمل، أو بمعنى آخر هي أشاره مؤكدة على ان الانسان لا يستطيع تحقيق ما هو أفضل الا بتدخل الارادة الالهية.

وهو نفس الاحساس الذي كان ينتاب الغرب قبل عصر النهضة او عصر الثورة الصناعية، حيث كانوا يعتقدون بأن السعادة كانت في الماضي، والماضي يعني الماضي الاغريقي وهذا الادراك قد خلف تداعيات كثيرة أوصلت العالم الغربي الى حالة مزرية، حتى جاءت الثورة الصناعية واوجدت قراءات جديدة تتحدث عن وجود السعادة في المستقبل كون الانسان يتقدم الى الامام وليس كما يشاع عن وجود السعادة في الماضي، وبالتالي أستطاعوا تجاوز ثقل التاريخ عليهم.

واضاف: اما بالنسبة للمحور الثقافي، فأن الثقافة العربية والاسلامية أصبحت في الوقت الحاضر ثقافة مهزومة ليس هذا فحسب بل توالت عليها الهزائم من جيل الى جيل، وهذا التوالى في الهزائم مع أنغراس الثقافة البدوية مع أصولنا الفكرية كما يقول الدكتور علي الوردي.

وهذا خلق شعور لدى المواطن العربي بان احلامنا واهدافنا لن تتحقق، وان آمالنا العريضة سوف لن يكتب لها النجاح، وهذا العجز في تحقيق الاهداف خلق منا أصحاب شعارات أكثر منا أصحاب عمل، الا ان الشعوب الاخرى تدرك ما يمثلة العمل من قدسيه، فهناك مثال بسيط يمكن ان نستدل منه على اشياء كثيرة، فانت ترى الشخص الاجنبي عندما يتأخر على موعد حتى لو كانت القيامة تقوم  فأنه  يعتذر فقط عن عدم التزامه بالموعد، اما بالنسبة للشخص العربي فانه يتحدث كثيرا ويقسم أغلظ الايمان من اجل ان يبرر سبب تأخره، كونه متأكد بأن الشخص المقابل لا يصدقه ابدا، هذا هو جزء من الثقافة فمتى ما تجاوزنا ثقل التاريخ؟ ومتى ما أستطعنا تحرير ثقافتنا من الشعور بالانهزامية والانسحابية من الحياة، واعطينا فكرة للانسان كلما تقدم للامام فأنه يحقق الافضل، وفقا لقول الرسول الاعظم(ص) (رحم الله من عمل عملاً فأتقنه) وهذا الحديث يحمل مؤشر ايجابي كون الانسان مرهون بالعمل الجيد وما عدى ذلك فالله تعالى هو الذي يسدد عمله نحو الصواب، وكما ورد في القران الكريم،(بسم الله الرحمن الرحيم،ياأيها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه)، ومن هنا نستشف بان الكدح والعمل ليس حكرا على الاخرة فقط، بل هو يشير الى الحياة الدنيا ايضا.

اذن نحن اليوم بحاجة الى ثقافة دينية وثقافة عامة تحترم العمل وكذلك نحتاج الى خطاب ديني جديد وخطاب ثقافي جديد يقدس العمل ويعطي له أهمية، حيث نجعل من ديننا دين حياة وليس دين آخرة فقط، وعندما يتحقق هذا الهدف حين ذاك نستطيع ان نتخلص من عقدة أحلام اليقظة.                                     

الا ان مديرة اعلام جامعة كربلاء الاستاذة (وسن البلداوي) كان لها رأي يختلف نوعا ما، حيث تقول لـ شبكة النبأ:

 لكل أنسان طموحات منشودة يمكن تحقيقها على ارض الواقع ويمكن لا، لكن طموحات شعبنا العراقي لا اعتقد بانها طموحات صعبة المنال، كون الواقع العراقي والسياسة التي أنفرضت علينا والارهاب الذي وصلنا من جهات مجهولة، جعل من طموحاتنا البسيطة تلاقي اشكاليات كثيرة.

فالمواطن اليوم يمتلك خزين من الامنيات المتواضعة، وهو يحلم برزق بسيط وبيت متواضع وسيارة تريحه من حر الصيف وبرد الشتاء، اما بالنسبة للمراة العراقية الصابرة المجاهدة فهي كذلك  تحلم بالحفاظ على عائلتها وهي تحلم ايضا بان تكون كاي أمراة في بقاع العالم، حيث لا تمتلك مساحة حقوق كافية لتحقيق طموحاتها، اما بالنسبة لاطفال العراق فهم كذلك يحلمون بان يذهبوا الى المدرسة بدون خوف ويسمعون نشيد البلابل والعصافير، فها هي احلام الاسرة العراقية، انها احلام جدا متواضعة، ولكن من له القدرة على تحقيقها فنحن نتمنى من الحكومة العراقية والعالم أجمع وجمعيات حقوق الانسان ومن كل شخص مثقف ان يدعم الشعب العراقي، من خلال خلق فرص اكيدة لتقويض مشاكل هذه الامة، ومن حق أبناء البلد ان يلقوا الدعم من قبل الشعوب المحبة للسلام، علما بان العراقيين يمتلكون كل مقومات النهوض الحضاري من العقل المبدع الى الامكانات الجبارة والموارد البشرية الهائلة، لذى نحن نشد على ايادي كل الخيرين من اجل الارتقاء بهذه الامة.

واضافت: اني ادرك بان شعبنا واعي ومثقف، ولكن ينقصه الدعم والاعلام الناضج الواعي، الذي يجب ان يحاول جاهدا في سبيل انتشال هذه الامة من واقعها المزري، وهذه المسؤولية كبيرة جدا يتحمل وزرها كل العاملين في حقل الاعلام والمؤسسات الحكومية. 

اما وقفتنا الاخيرة فكانت مع الاستاذ(حسن عبود) وهومختص في علم الاجتماع، حيث تحدث لـ شبكة النبأ قائلا:

 لا يمكن المرور بهذا الموضوع مرور الكرام ما لم ندرك حيثيات هذا التوجه، وهو لزاما يحمل تركة ثقيلة من مخلفات الماضي وكذلك يشير الى تداخل ثقافي في فهم البعد التاريخي والديني على حد سواء، ومن هنا نبحر في عالم الامنيات او التصورات المكبوته، والتي هي ربما تعد متنفس اوقراءة ضعيفة للواقع، وهذا الشعور يرمز الى حالة التوازن المفقود بين الواقع والطموح.

بيد ان هذا الاحساس لم يكن بالمرة وليد اللحظة، بل هو نتاج عالي لفترات متباعدة من الانتكاسات المستمرة، ولم يقتصر الامر عند هذا الحد بل تعدى الى الجانب الديني والذي يعتبر المفصل المهم في القراءة العربية والاسلامية، من خلال طرح نظريات هي اقرب ما تكون الى حالة الركود والتلكوء في بناء استراتيجية تؤمن بحالة البناء والعمل، وهذه القراءات استطاعت ان تخترق الفكر العربي من خلال زرع بذور داء السكون في داخل النفس العربية.

وربما تكون تلك القراءات هي اشبه ماتكون الى الحراك المتنامي بين الذات والفكر، فكلاهما يبحث عن ارضية خصبة من اجل ان ينمو وفق معيار الوعي النابض من حالة الفهم للحقيقة المفقودة، والتي هي ربما بمتناول أي شخص بمجرد التدقيق في سر الوجود، الذي هو حتما جاء من العدم لذى ينبغي ان نسلم بان الحياة هي بمعناها الحقيقي رفض حالة السكون الأولى وإلا أين يكمن سر ديمومة البقاء؟.   

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 1 نيسان/2007 -10/ربيع الاول/1428