مستقبل البشرية .. المثالي قد يكون أفضل الطرق إلى الواقعي

المسائل التي يثيرها كتاب باحثين غربيين تُرجم الى العربية عن إنشاء مجلس يهتم بمستقبل العالم تطرح أسئلة مهمة عن أوضاع كوكبنا المتردية وتدعو الى العمل لمنع تدهورها وتحسينها وهو ما يطالب به معظم الناس.. إلا ان وصف الحلول المقترحة قد يراوح عند البعض بين المثالي والواقعي.

ومع ما يكون هناك من صحة في ما يقوله البعض من ان المثالي ربما كان أحيانا أفضل الطرق الى تحقيق الواقعي.. فالمشروعات المقترحة تبدو كأنها تترجح بين البساطة والسهولة من جهة وبين الخوف من ان تكون أقرب الى الأحلام من جهة أخرى. إلا ان المشروع يتحرك كما يبدو.

الكتاب الذي وضعه جاكوب فون اويكسيكول وهيربرت جيرارد وترجمه عن الانجليزية الى العربية رجب سعد السيد حمل عنوانا هو "تصوّر لمستقبل البشرية .. إنشاء مجلس مستقبل العالم" وصدر في 176 صفحة متوسطة القطع عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في نطاق سلسلة "دراسات مستقبلية" حسب نقل رويترز.

وقبل الدخول في محتويات الكتاب الاساسية لابد من إيراد مأخذ واضح عليه. انتقت الكتاب ودفعته الى الترجمة الدكتورة رفيعة عبيد غباش رئيسة جامعة الخليج العربي وأستاذة الطب النفسي. استهل الكتاب بصفحة كاملة هي مختصر السيرة الذاتية للدكتورة غباش. وتلت ذلك مقدمة قيمة للكتاب كتبتها الدكتورة غباش في خمس صفحات. آخر صفحات الكتاب كانت صفحة حملت عنوانا هو "إهداء وشكر" الى الدكتورة وهي بالفعل تستحق الشكر على جهودها. لكن المشكلة هي اننا لا نجد شيئا او فلنقل انه يصعب علينا العثور على شيء عن الباحثين الغربيين وعن كثير ممن اعتمد الكتاب على نتاج أو أقوال لهم.

تتحدث الدكتورة رفيعة غباش في المقدمة عن حضورها في قرية سويدية ملتقى نظمته مجموعة من المفكرين للبحث في موضوع هو "كيف لنا ان نحيا سويا على هذا الكوكب..". وتحدث المجتمعون "في كل الموضوعات التي يتخيلها العقل البشري... ولكن كان تركيزهم المكثف على قضايا تتعلق بمستقبل الانسان على هذا الكوكب ... الا انه كان واضحا غياب القضايا العربية" وانه على الرغم من الملايين الكثيرة من العرب والمسلمين ومن الثروات المتنوعة والمواقع الاستراتيجية المهمة فان "هذه المنطقة وقضاياها لم تحظ باهتمام منظمي جلسات الملتقى." ولفت نظرها هذا الكتاب المعروض في المؤتمر وفيه "يدعو مؤلفه مئة مفكر عالمي للقيام بعمل لحماية مستقبل العالم. ومرة أُخرى لم أجد اسما عربيا مسلما بينهم." وحملت الكتاب كي يترجم الى العربية.

في مقدمة الطبعة العربية قال جاكوب فون اويكسكول رئيس مبادرة مجلس مستقبل العالم ان المجلس التأسيسي للمجلس اجتمع بعد صدور الكتاب وان بلدية مدينة هامبورج الالمانية وفرت التمويل الذي "سيتيح للمجلس الذي اكتملت صورته ان تنطلق فعالياته ويبدأ أعماله بالعام 2007."

وتحدث عما يتردد من أن النموذج الغربي هو الافضل لمستقبل العالم فقال ان الولايات المتحدة بدت "لعيون كثير من الناس ولزمن طويل هي الرمز على المستقبل حيث المجتمع المفتوح الذي يحظى بالامن ويرفل في النعيم ورغد العيش. وها هي الحقيقة تتبدى فلا هو مفتوح كما نتصور ولا هو ينعم بالدرجة من الامان واليسر التي كنا نغبطه عليها..."

وفي "ملخص شامل" وردت اهداف منها "تأسيس الية مؤتمنة وبعيدة الامد لمخاطبة الاجيال القادمة وبناء منتدى عالمي يؤلف بين كل البشر ويقوم على اساس القيم الاخلاقية المشتركة والتغلب على أوجه القصور في العمل من أجل مستقبل البشرية بتحقيق روابط بين سلطان الاخلاق وقوة الديمقراطية."

وبدا احيانا كأن هناك دعوة الى قادة وشخصيات -قد يكون بعضهم يحمل كثيرا من تبعات الاخطاء الحالية في العالم- الى العمل على انقاذ هذا العالم. ففي الحديث عن المجلس ورد انه "سيتكون من افراد بارزين ينتقون من كل انحاء العالم ليكون بينهم الشيوخ والحكماء والشخصيات المبرزة في مختلف المجالات.. والرواد قادة الشباب.. تجمعهم لقاءات دورية منتظمة يهتمون بسد ثغرات خطط العمل العالمي حماية لحقوق الابناء والاجيال القادمة..."

وجاء انه من خلال الانشطة الجارية "تمت دعوة مجموعة مكونة من 25 من الشخصيات الموقرة يمثلون العالم كله تمثيلا متوازنا ليكونوا الهيئة التأسيسية لمجلس مستقبل العالم وهم الذين سيناط بهم اختيار بقية اعضاء المجلس" وان الاعلان العالمي لقيام المجلس سيجري غداة توفير التمويل الاساس اللازم.

وكتب لويس باربر ان المجلس سيكون "بحاجة الى مشورة الخبراء ومشاركة القانونيين من مختلف الأوطان الذين سيجدون مردود المشورة والمشاركة في صورة توصيات يتلقاها البرلمانيون من المجلس ليحولوها الى قوانين وطنية ودولية نافذة" وسيكون المجلس متواصلا مع منظمات المجتمع المدني في كل أنحاء العالم.

وفي المعلومات عن العالم بيئة وشأنا اجتماعيا وردت امثلة منها عن البيئة "انكمشت مساحة غطاء الغابات العالمي خلال القرن العشرين بنسبة 40 في المئة. حدث أكبر خسران في التنوع الاحيائي منذ العصر الجليدي الاخير... تتفاقم شدة شح المياه وتنعكس آثارها السيئة على حياة البلايين من البشر..." وعن الشأن الاجتماعي معلومات منها "يمتلك اغنى 20 في المئة من البشر 85 في المئة من موارد العالم. يمتلك افقر 20 في المئة من البشر اقل من اثنين في المئة من هذه الموارد. يعيش بليونان من الناس في حالة فقر مدقع" ويعيش 1.3 بليون انسان عند حد الفقر بينما يموت 25000 انسان جوعا في اليوم الواحد.

وسيكون للمجلس اعضاء مؤسسون يبلغ عددهم 100 عضو ينتقون من بين شخصيات رفيعة المقام في العالم. وفي الحديث عن القيم "التي يتعين على مجتمعاتنا ان تضعها في صدر قائمة اولوياتها طرح الكتاب بعضها كأمثلة في صورة أسئلة ومنها "هل نراعي قداسة الحياة وحرمتها أم ننحاز للمتاجرة في متطلباتها؟.. قيم "المواطنة" ام قيم المستهلك؟.. ما الاولى بالاعتبار.. صحة الفقراء ام المسائل الاقتصادية؟.. اسلوب الحياة القائم على القناعة بالكفاية ام النمط الغارق في الاستهلاك.. حقوق المواطنين ام الاحتكارات العالمية.. التبادل والتكافل ام التنافس والترنح.. سعادة البشر ونمو الحياة ام نمو التوجه المادي.. مصالح الاجيال القادمة ام "نحن ومن بعدنا الطوفان.."... التنوع الثقافي ام السيطرة والسيادة العولمية على وسائل الاعلام.."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 14 آذار/2007 -24/صفر/1428