مصطلحات نفسية: تحسين النسل

تحسين النسل

Eugenics

شبكة النبأ: طريقة مبنية على قوانين الوراثة تستخدم كل الوسائل التي يمكنها تحسين العرق الإنساني.

هذا المصطلح، الذي صاغه فرانسيس غالتون (1822 – 1911)، يشمل الهاجس القديم الذي مفاده صيانة أجيال المستقبل من العيوب الوراثية، فتحريم غشيان المحارم الكلي مظهر من مظاهره، وقتل الأطفال، الذي كان يعيث فساداً لدى بعض الشعوب، مظهر آخر (كان السبارطيون يلقون الأطفال المولودين حديثاً غير الأسوياء في قاع هاوية).

أراد غالتون، المقتنع أن العرق الإنساني الذي كان قد طرأ عليه انحطاط منذ الحضارة الإغريقية القديمة، أن يُحل محل الاصطفاء الطبيعي اصطفاءً أكثر ذكاء، مبنياً على البحث عن أفضل شروط التكاثر. ومنح لهذا القصد، عام 1904، كلية لندن الجامعية مخبراً مخصصاً لتشجيع هذا الفرع الجديد من المعرفة وأوجد عام 1908 التربية الاجتماعية ذات العلاقة بتحسين النسل.

وتلاقي أفكاره، التي تستند إلى كشوف جوهان ماندل (1822 – 1884) ونظريات شارل داروين (1809 – 1882)، حظوة كبيرة واستمر انتشارها في العالم. وعلى هذا النحو إنما تقرر، منذ عام 1907، بعض الولايات كأنديانا، في الولايات المتحدة الأمريكية، أن تجعل عقيماً كل مريض عقلي، وكل ضعيف عقلياً أو مصاب بالصرع. وفي فسحة من الزمن قدرها بعض العقود من السنين، تبنت المواقف نفسها ثلاثون ولاية أمريكية، ومنطقتا ألبرتة وكولومبيا البريطانيتين في كندا، والدانمارك (1929)، والسويد (1935)، والنرويج، وفنلندا، وسويسرا (كانتون فود).

 ولكن هذه الممارسة، التي كانت موضع مناقشة من قبل، اتخذت في ألمانيا، مع انتصار النازية، أبعاداً مخيفة؛ فلم يكن المرضى الذين رؤُي أنهم غير قابلين للشفاء هم فقط الذين كانت النازية تفرض عليهم العقم، بل كانت أيضاً تفرضها على جماعات إثنية كاملة، كالغجر، والجانحين، بل الكسالى! وذكرى هذه المأساة ستتسلط من الآن فصاعداً على كل ذاكرة وستنعش عداوة شخصيات عديدة لتحسين النسل.

ويظهر هذا الفرع من المعرفة مع ذلك مفيداً دون شك عندما يتوجه إلى الثنائي الذي يريد ألا يكون له سوى الأطفال الأصحاء. وأسهم هذا الفرع من المعرفة، من هذا المنظور، في جعل الفحص السابق على الزواج إلزامياً، فحص تأسس للمرة الأولى في البلدان الإسكندنافية عام 1918. ولم يكن هدف هذا الإجراء أن يمنع الزواج بين أشخاص يحملون مرضاً أسرياً وراثياً، بل هدفه فقط أن يجعلهم مطلعين على المخاطر التي يمكنهم أن يعرضوا ذريتهم المحتملة إليها.

 وشغلت المشكلات الخاصة بالعقم اللاإرادي اهتمام علماء تحسين النسل أيضاً، وهم الذين اقترحوا التلقيح الاصطناعي علاجاً له. وأوصوا أيضاً، في وقت مبكر جداً، بالإجهاض الشرعي للنساء اللواتي لديهن أسباب للاعتقاد أن الطفل المنتظر حامل شذوذ صبغي أو حامل آفة خطيرة كتليف البنكرياس الكييسي. ويهتم تحسين النسل أيضاً بالتخطيط الأسري والعون المادي والمعنوي الواجب تقديمها إلى الأسر الكثيرة الأطفال، من حيث أن عدة استقصاءات بينت أن ثمة علاقة بين عدد الأطفال في أسرة ومستوى ذكائهم.

.................................

متعلقات

 

الاختيار الوراثي نعمة أم نِقمة(1)

إن تقدم المعارف الإنسانية كثيراً ما يشكل نقمة مغلفة بنعمة. فعلى مدار الأعوام الستين الماضية كانت الفيزياء النووية بمثابة مثال واضح للتدليل على صدق هذه المقولة. وعلى مدار الستين عاماً القادمة قد يشكل علم الهندسة الوراثية مثالاً آخر.

فاليوم تعرض علينا الشركات المغامرة أن تخبر أياً منا، في مقابل أجر، عن جيناته. وتزعم هذه الشركات أن هذه المعرفة من شأنها أن تمنح الإنسان الفرصة للحياة لمدة أطول وبصحة أفضل. فنستطيع على سبيل المثال أن نخضع لفحوصات إضافية بغرض استكشاف العلامات المبكرة للأمراض التي قد نكون أكثر عُـرضة للإصابة بها، أو نستطيع أن نبدل أنظمتنا الغذائية بهدف تقليص خطر الإصابة بهذه الأمراض. وإذا لم تكن فرصنا في الحياة لمدة طويلة طيبة، فربما نستطيع أن نشتري المزيد من وثائق التأمين على الحياة، أو نتقاعد في وقت مبكر لكي نحظى بالوقت الكافي لكي نفعل ما كنا نرغب دوماً في أن نفعله بحياتنا.

ويثير اختيارنا لأطفالنا مشاكل أخلاقية أكثر عمقاً. وهذا ليس بالجديد. ففي الدول المتقدمة نجحت الفحوصات الروتينية للنساء الحوامل الأكبر سناً، علاوة على سماح القانون هناك بالإجهاض، في تقليل عدد الحالات الجينية لأطفال مصابين بخلل مثل عرض دون على سبيل المثال. وفي بعض أقاليم الهند والصين حيث يتلهف الأزواج على إنجاب طفل ذكر، أصبح الإجهاض يمثل الشكل الأقصى من أشكال التمييز على أساس الجنس، وكانت ممارسة ذلك النوع من الإجهاض مكثفة إلى الحد الذي جعل لدينا جيلاً كاملاً يواجه ذكوره عجزاً كبيراً في أعداد الإناث الصالحات للزواج.

إن اختيار الأبناء لا ينبغي أبداً أن يتضمن الإجهاض. لسنوات عدة كان بعض الأزواج المعرضين لخطر تمرير مرض جيني إلى أبنائهم يستخدمون التلقيح الاصطناعي خارج رحم الأم، لإنتاج العديد من الأجنة التي يمكن إخضاعها للفحص لتحديد ما إذا كانت تحمل الجين غير المرغوب، ثم زرع الأجنة التي لا تحمل ذلك الجين داخل رحم الأم. والآن أصبح الأزواج يستخدمون هذا الأسلوب لتجنب تمرير الجينات التي قد ترفع من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان.

وبما أن لا أحد من البشر يخلو من بعض الجينات غير المواتية، فلن نجد خطاً يفصل بوضوح بين اختيار طفل تقل احتمالات إصابته بمرض ما عن المتوسط، وبين اختيار طفل ذي توقعات صحية وردية. وعلى هذا فلا مناص من تحرك الاختيار الجيني في المستقبل باتجاه التحسين الجيني.

بالنسبة للعديد من الآباء لا شيء أكثر أهمية من إعطاء أبنائهم أفضل بداية ممكنة في الحياة. فهم يشترون ألعاب الأطفال المكلفة من أجل رفع إمكانيات التعلم لدى أطفالهم إلى أقصى حد ممكن، وينفقون أكثر من ذلك على المدارس الخاصة أو التعليم الخاص بعد المدرسة على أمل أن يتفوق الأطفال في الاختبارات المؤهلة للالتحاق بالجامعات المتميزة. وقد لا يطول الوقت قبل أن نتمكن من تحديد الجينات التي من شأنها أن تحسن احتمالات النجاح في هذا المسعى.

سوف يبادر العديد من الناس إلى شجب هذه المحاولات باعتبارها إعادة انبعاث لعلم "تحسين النسل"، وهو العلم الذي حظي بشعبية خاصة في أوائل القرن العشرين، والذي أكد على ضرورة تحسين السمات الوراثية من خلال التدخل الفعّال. وعلى ذلك فإن الاختيار الجيني قد يعكس على نحو ما، وبصورة خاصة في ظل أنظمة الحكم الاستبدادية، الشرور التي نجمت عن الأشكال المبكرة من علم "تحسين النسل"، والتي كانت تدافع عن تبني سياسات رسمية بغيضة ومتناقضة مع العلم، وبصورة خاصة فيما يتصل بـِ"الطهارة العرقية".

لن يتسنى للدولة بدعوى السعي إلى تحقيق الصالح العام أن تفرض قواعد "تحسين النسل" قسراً في المجتمعات المتقدمة التي يحركها السوق. بل إن الأمر سوف يكون نتاجاً للاختيار من قِـبَل الآباء والأمهات، ولسوف يخضع تنظيمياً للسوق الحرة. وإذا ما أدى تطبيق هذه القواعد إلى إيجاد أجيال أكثر ذكاءً وأكثر قدرة على حل المشاكل، فهذا أمر طيب. ولكن حتى لو اتخذ الآباء والأمهات اختيارات يرون أنها لابد وأن تحقق صالح أطفالهم، فقد يتضمن الأمر كماً هائلاً من المخاطر بقدر ما يتضمن من المنافع.

في حالة اختيار جنس الطفل (ذكر أو أنثى) فمن السهل أن ندرك أن الأزواج الذين يبادرون على نحو مستقل إلى اختيار الأفضل لأطفالهم، قد ينتهي بهم الحال إلى نتائج قد تجعل كل أطفالهم في وضع أسوأ من وضعهم لو لم يكن بوسع أحد أن يختار جنس طفله. وقد يحدث أمر مشابه مع الأشكال الأخرى من أشكال الاختيار الجيني. فعلى سبيل المثال، يرتبط الطول فوق المتوسط بالدخل فوق المتوسط، ونظراً لوجود مركب جيني يتحكم بوضوح في طول القامة، فليس من الخيال في شيء أن نتصور أبوين يختاران الحصول على أبناء أطول قامة. وقد نصل في النهاية إلى "سباق تسلح" جيني يؤدي إلى إنتاج أطفال أكثر وأكثر طولاً، الأمر الذي لن يخلو من تكاليف بيئية باهظة في ظل الاستهلاك الإضافي المطلوب لإنتاج بشر أطول قامة.

الحقيقة أن أشد العناصر إزعاجاً في بدعة الاختيار الجيني هذه، تتلخص في أن الأثرياء فقط هم الذين سيتمكنون من الحصول عليها. وبذلك فإن الفجوة القائمة بالفعل بين الأغنياء والفقراء، والتي تشكل تحدياً لأفكارنا ومثلنا بشأن العدالة الاجتماعية، سوف تتحول إلى هوة شاسعة إلى الحد الذي سيجعل مجرد المساواة في الفرص أمراً مستحيلاً. مما لا شك فيه أن لا أحد منا قد يرغب في مستقبل كهذا أو يوافق عليه.

لكن تجنب مثل هذه النتائج لن يكون بالأمر اليسير، وذلك لأن المسألة سوف تتطلب إما أن يكون الاختيار الجيني غير متاح لأي إنسان، أو أن يكون متاحاً للجميع بلا تفرقة. والحقيقة أن الاختيار الأول يستلزم فرضه قسراً، فضلاً عن الاتفاق الدولي ـ لأن كل دولة لن تقبل أن تنفرد غيرها بهذه الميزة التنافسية ـ على التخلي عن الفوائد التي قد يفضي إليها علم تحسين الجينات. أما الاختيار الثاني، والذي يتمثل في إتاحة الاختيار الجيني للجميع، فلسوف يتطلب مستويات غير مسبوقة من تقديم العون الاجتماعي للفقراء، كما سيتضمن اتخاذ قرارات صعبة إلى حد غير عادي بشأن ما الذي ينبغي على الدولة أن تتعهد بدعمه.

كتاب: قرن التقنية الحيوية(2)

كتاب قرن التقنية الحيوية يطرح أسئلة كثيرة حول الجينات وتأثيرها على حياتنا، حينما اكتشفت الجينات وبدأ العلماء في دراسة فوائدها والإمكانيات التي توفرها، بدأ العلماء في إجراء تجارب كثيرة، من أشهرها الاستنساخ والنعجة دولي، لكن دولي ما هي إلا جزء صغير من عالم الجينات الكبير. مؤلف الكتاب هو جيرمي ريفكن، الذي نشر العديد من الكتب والمقالات حول العلم والأخلاق.

الكتاب يطرح قضايا أخلاقية مهمة، فمثلاً تسعى الكثير من الشركات المتخصصة في التقنيات الحيوية في تسجيل براءات اختراع لأجزاء من جسم الإنسان، فبعض الشركات حصلت على براءات اختراع لجينات معينة، أو لأي مخلوقات ثديية تحوي خلايا أو جينات مسببة للسرطان، المشكلة هنا أن الملكية الفكرية تطبق على كائنات حية، على أشياء لم يخترعها الإنسان بل اكتشفها، فكيف يمكن لشركة ما أن تحتكر استخدام خلايا الحبل السري الذي يستخدم كعلاج لبعض الأمراض؟ هذه الخلايا ليست من اختراعهم بل هي خلق الله كما نعتقد نحن المسلمون، فهل يحق لأحد أن يحتكر شيئاً لم يخترعه؟ تبدو الإجابة واضحة هنا، لكن الشركات تجادل بأنها أنفقت الكثير على الدراسات والأبحاث وهي لا تحتكر الخلايا نفسها بل طريقة استخدامها في علاج الأمراض، وللأسف شكلت هذه الشركات مجموعات تضغط على الرأي العام وعلى الساسة وصناع القرار وتستغل أناساً مصابين بعاهات وأمراض لكي تؤثر على الناس بالعواطف، وتظهر نفسها بمظهر الشركة الراغبة في مصلحة الناس وهؤلاء المرضى.

ننتقل إلى قضية أخطر، وهي تحسين النسل، في بدايات القرن العشرين ظهرت حركة تحسين النسل في أوروبا وأمريكا، وبالتحديد ألمانيا النازية، وقد كان الكثير من الناس يؤمنون بأن تعقيم المجرمين وأصحاب العاهات أو حتى التخلص منهم سيجعل المجتمعات أكثر قوة وحيوية وسيدفعها للأمام وسيقلل ذلك من الجرائم، والتعقيم هنا يعني إجراء عملية ما للشخص تحرمه من حق التناسل والإنجاب، وبعد الحرب العالمية الثانية تراجعت أفكار تحسين النسل هذه إلى أن اكتشفت الجينات وعادة بقوة، الآن يمكن للأبوين تقرير ما إذا كان من الأفضل إنجاب الطفل أو التخلص بناء على تحليل الجينات، وظهرت دراسات تقول بأن هناك فئات معينة من الناس لديهم قابلية أكبر للإصابة بأمراض معينة بناء على جيناتهم، وبدأت تظهر ممارسة تمييز عنصري بناء على الجينات، فقد ترفض شركة ما توظيف شخص ما بناء على تحليل الجينات، وهناك شركات قامت بإحالة بعض موظفيها إلى التقاعد على أساس تحليل جيناتهم، لأنها تعتقد أنهم سيكلفونها الكثير من المال على الرعاية الصحية التي قد تضطر لتوفيرها لهم.

الكتاب كما قلت يثير الكثير من الأسئلة ولا يقدم إجابات كافية، الجينات والعبث بها تثير الكثير من القضايا الأخلاقية هنا، فهل يحق للإنسان العبث بما خلقه الله؟ هل يحق للإنسان أن يحسن نفسه جينياً في حين أن الله خلقه على صورة معينة؟ الجينات تثير سؤالاً مهماً: هل الإنسان وحياته شيء مقدس أم مجرد سلعة وشيء يمكن النظر له على أنه فائدة منفعية؟

قد يستغرب البعض من طرح مثل هذا السؤال وهذه القضايا، لأننا في مجتمع مسلم محافظ تبدو لنا بعض القضايا واضحة ولا تحتاج إلى جدال، لكن دعونا لا ننسى أن ما يحدث في الغرب سيؤثر علينا بشكل أو بآخر، الأمم المتحدة والولايات المتحدة تسعيان لفرض بعض المعايير والمبادئ على أنها مبادئ عالمية يجب أن يقبل بها الجميع بغض النظر عن اختلاف الأديان والثقافات، فهل سنرى اهتماماً من قبل العامة بمثل هذه القضايا على تمس كل مقدس لديهم؟

تحسين النسل.. نعمة أم خطر مقبل(3)

من بين أكثر الأسئلة الهامة تشعبا مما أثارته الإنجازات الأخيرة التي حققها علم الوراثة، السؤال التالي: هل ما زلنا نرغب في أن نرى الاطفال يولدون بدون إعاقات وراثية؟

العلم ما يزال يحقق العديد من الإنجازات في مجال مكافحة المشاكل والأمراض الوراثية، التي يقدر عددها بسبعة الاف، ويمكنها أن تصيب أطفالنا، ولهذا يبدو ما نتحدث عنه خبرا سعيدا بالنسبة للبعض. لكن من الصعوبة بمكان رسم خط فاصل يمكن التوقف عنده، في ما يتعلق بـ«تحسين» نسلنا أو نوعنا البشري. ذلك إن العديد من النشطاء في مجال الإعاقة يقولون اننا نتحرك باتجاه علم جديد لتحسين النسل، ويؤسفني القول إن هؤلاء قد يكونون محقين في قولهم.

فأولى الخطوات المتعلقة بتحسين نسلنا، تتمثل في معالجة الإعاقات، بما يحققه ذلك من فوائد. وهكذا فقد وجدت نفسي أتحدث مع خبير في الإعاقة والوراثيات، في لندن، وهو شخص وهب نفسه لهذه القضية، ليس فقط من ناحية علمية، بل ولاعتبارات شخصية، تهمني وتهمه أيضا.

تعود خلفية هذه الحكاية إلى تاريخ إنجاب جدي البريطاني السير جيفري شكسبير لنجله ويليام. أجل. فقد بات ذلك المولود يدعى السير ويليام شكسبير. (وعائلتنا ظلت دائما تزعم بوجود علاقة لها بعائلة شكسبير، وقد يكون في الأمر مصادفة حيث كتبت مقالي هذا بلغة شاعرية).

كان ويليام قد ولد بعاهة وراثية أدت إلى إصابته بحالة حدَّت من طول قامته وجعلته شبه قزم. وقد أصبح ويليام طبيبا بارعا ( كما جعلته قامته القصيرة أكثر قربا من مرضاه الأطفال)، وقد ولد نجله الأكبر، جدي توم، مصابا بتلك الحالة الوراثية. وفيما بعد أصيبت إبنة توم بنفس الحالة أيضا.

كان توم شكسبير قد ورث اللقب وأصبح يعرف بالسير توماس (وهو لقب لم يستحسنه)، كما أصبح عالما بارزا في مجال الوراثيات والإعاقة.

وبينما كنت في أحد مقاهي لندن أتحدث حول هذه القضايا، استقطب توم الاهتمام، ليس فقط لأنه كان الأقصر قامة بين الحاضرين، بل لأنه كان أكثرهم ثقة بالنفس، وأكثرهم بشاشة ولطفا، حيث زين أذنيه بحلق وامتاز بحضوره الهائل.

يقول توم: «المجتمع يرى الإعاقة بأنها أسوأ شيء يمكن أن يحدث. إنه شيء قد يحدث، لكنه ليس الأسوأ». وبشكل عام يقول، إن الفرص التي أتيحت له كانت هائلة وأكثر مما كانت متاحة لو انه ولد بدون إعاقة، بل لعائلة فقيرة.

يقول توم إن العديد من المصابين بإعاقة ما، يشعرون بأن ما تحقق من إنجازات في علم الوراثة يتهددهم، كما يؤلمهم حديث البعض المتفائل عن هندسة عالم لا يحتوي على أناس مثلهم.

ويضيف: «إن ذلك أمر مؤلم للغاية بالنسبة للمعاقين. فان يستمع المرء إلى الناس وهم يتحدثون عن عالم ليس له مكان فيه، مسألة مؤلمة للغاية».

ويستطرد توم قائلا: «يسألني الناس طوال الوقت عما إذا كنت قد تمنيت أن أكون قصير القامة ام لا؟ وهو سؤال يشبه القول: الم تكن تفضل أن لاتكون قد ولدت؟».

ومع ذلك يلاحظ توم إن وجهة نظره باتت مسموعة، وهو يكابد عند محاولة الإجابة على السؤال المتعلق بما إذا كان يرغب في أن يولد له طفل آخر بنفس حالته. فكل أب يرغب في أن يكون طفله شبيها له، وفي الوقت نفسه أن يتمتع بكل الصفات الحسنة. لكنه يختتم حديثه بالقول بأنه لن ينجب المزيد من الأطفال، لأسباب منها احتمال إصابتهم بالإعاقة.

ان كان ذلك سؤالا معقدا، الا انه لا يختلف عما نواجهه كمخلوقات بشرية.

أنا شخصيا لا أتفق مع زعماء جماعات الإعاقة الذين يعارضون بذل الجهود الرامية للتصدي للأمراض الوراثية. لكنني أعتقد بأنهم محقون في دق جرس الإنذار. فالمشكلة إنه قد يصبح ممكنا ليس فقط عزل الجينات المصابة، بل أن يتم التخلص من الصلع والأنوف الفطساء، أو حتى اختيار الجينات الذكية التي قد تؤدي إلى التحاق المولود بجامعة عريقة.

يخيل لي أننا قد نصل إلى هذه المرحلة من علاج الجينات في فترة لاحقة، بحيث يتسنى، في البداية، التعامل مع «الجينات السيئة» التي تسبب المرض، ثم المضي قدما نحو تحسين مستوى الذكاء والأداء.

وأخشى أن نكون قد اندفعنا، بدون أي قرار واع أو حتى إدراك للانعكاسات، نحو مستقبل سيؤدي إلى تحريك قدراتنا الذاتية بشكل هائل، وبطريقة ستحرم أجيالنا المقبلة من كل ما اعتادت عليه البشرية منذ 200 الف عام.

يبين بيل ماكيبين، في كتابه الجديد بعنوان «إنَفْ» (كفى)، الذي حذر فيه من مخاطر علم الوراثيات، وهو يتذكر صديقة طفولته، كاثي، التي توفيت لإصابتها بمرض تليف المثانة، حيث يقول: «لماذا لا يقوم مهندسو الوراثة على الأقل بمعالجة جميع الحالات التي تشبه حالة كاثي في العالم؟ فالألم هنا لا يتمثل في أن تكون مريضا، بل في العالم الذي عاشت فيه. وكما يعترف أنصار هذه الهندسة، فإن الخط الفاصل بين الإصلاح وتحسين النسل يعد غائما جدا من حيث الجدوى. فالإنسان بات يتجه مهرولا نحو عالم قد تعمل فيه رئة كاثي بشكل جيد، لكن أين مكمن روعتها ولطفها من ذلك كله. وهل سيشمل الأمر تجفيف دماغها والتحكم في مشاعرها أم انه سيقتصر فقط على تجفيف أوردتها؟

.........................................

1- بيتر سِـنجر، بروجيكت سنديكيت، 2006، بيتر سِنجر أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون، واشترك مع جيم ماسون في تأليف كتاب "الطريقة التي نتناول بها طعامنا: ما السبب في أهمية اختيارنا لطعامنا". ترجمة: إبراهيم محمد علي.

2- أحمد عدنان العيتاني، سردال.

3-  نيكولاس كريستوف، نيويورك تايمز.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 27 آذار/2007 -7/ربيع الاول/1428