بوش ولعنة ديقراطيته في العراق

بقلم : محمد مصطفى علوش*

 لم يكن مخطئا أحد الكتاب الأمريكين في وصف الرئيس الامركي جورج بوش بالقول "نحن نملك أحمق رئيس شهدته الولايات المتحدة الامريكية منذ إنشائها" بل وأنا أكتب هذه المقالة وبخصوص دخول الغزو الأمريكي للعراق عامه الخامس تذكرت قول الإمام جعفر الصادق حين قال"إياك ومصاحبة الاحمق يريد أن ينفعك فيضرك" الأمر الذي ينطبق على جورج بوش الذي كلما ازداد الوضع العراقي تدهوراً كلما إزداد إمعانا وإصراراً على خططه الفاشلة ، فحاله  كمن يريد ان يخبئ ضوء الشمس بوضع أصبعه أمام عينه .

وفي الوقت الذي ترى فيه العالم بكامله يقر بعجز الإدارة الأمريكية من السيطرة على الوضع الأمني ترى جورج بوش يؤكد أن الوضع يسير باتجاهه الصحيح على الرغم الصعوبات التي تواجهه، فأي سير باتجاه صحيح وهو نفسه وقبل ان يتحدث أمس عن الوضع العراقي بمناسبة بمرور أربع سنوات على غزوه كان لا بد ان يترأس اجتماعاً لمجلس الأمن القومي بشأن الحرب على العراق وان يجري اتصالا عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة مع نوري المالكي الذي أطلعه على آخر التطورات في البلاد حتى يجد شيئا ما يظنه إيجابيا ليقوله في محاولة منه لإقناع العالم بأنهم يقدمون شيئا نافعا في العراق.

لم يجد بوش ما يقنع به مستمعيه من تحسن على الصعيد السياسي في العراق سوى الإستشهاد بزيارة نوري المالكي الى مدينة الرمادي في محافظة الأنبار غرب بغداد معتبرها عنواناً مهما للمصالحة للوطنية،  في حين يعلم القاصي والداني كيف وصل المالكي الى الرمادي وكم عدد الطائرات الامريكية التي صاحبته وأين نزل وكم مضى من الوقت فيها. هذه الزيارة التي صاحبتها رسالة صوتية لمن يسمى بأمير دولة العراق الإسلامية أبو عمر البغدادي حاملة تهديداً للمالكي ولمن يوقع معه أي اتفاق من أهل المدينة ، لم تكن ناجحاً حتى يستدل بها بوش على ان تقدما ما يجري على صعيد المصالحة الوطنية العراقية.

بل ان استشهاد الرئيس بوش بها يثسر الشكوك حول إذا ما كانت طلباً امريكياً مسبقاً قبيل ذكرى غزو العراق حتى يستطيع الرئيس بوش الإستدلال بها  وما يعزز هذه الشكوك هو توقيت اعدام طه ياسين رمضان بفجر اليوم الذي شُنت به الحرب .

ففي سبيل توجيه  أنظار الرأي العام  المتمثل بالمظاهرات وخصوصا في الولايات المتحدة  الامريكية عن فشل بوش في العراق كان لا بد توقيت اعدام طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقي السابق والذي ادانته المحكمة بالمشاركة في ارتكاب جرائم قتل ضد 148 شيعيا من بلدة الدجيل عام 1982 متزامنا مع الذكرى الرابعة للحرب على العراق على اعتبار ان شنق رمضان هو تحقيق للعدالة التي حُرم منها العراقيون طويلاً.

 إلا ان الواقع لم يسعف جورج بوش حيث انه وخلال إلقائه خطابه ليعدد الإنجازات كان سقط 25 شخص على الأقل واصيب حوالي 80 آخرين بتفجيرات استهدفت اماكن دينية وعناصر الشرطة في شمال العراق وعاصمته .

ثم أي أمن وفره للشعب الامريكي من احتلال العراق  ، مع صدور دراسة أمريكية موثقة تؤكد  أن هذه الحرب أدت إلي صعود قياسي ومدهش في عدد عمليات العنف وضحاياها في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الأربع الماضية‏ حيث قفز معدل العمليات علي مستوي العالم بنسبة‏607%‏ في المتوسط سنويا منذ الحرب أي من‏28.3‏ عملية في المتوسط سنويا قبل الغزو إلي‏199.8‏ عملية في المتوسط بعد الغزو‏.‏

بل ان الحرب على الإرهاب لم تفشل فقط في منع الحد من الهجمات والتهديدات للمجتمع الامريكي بل فتحت الباب على مصراعيه وجعلت العالم أقل امنا ، حيث قفز عدد القتلى بنسبة‏237%‏ سنويا ، وعلى الرغم من وجود ما يزيد على 130 ألف جندي امريكي في العراق فإن العدد الأكبر من هؤلاء الضحايا سقط في العراق .

كما تؤكد الدراسة‏ التي تحمل عنوان" تأثير العراق" أن الهجمات التي استهدفت المصالح الغربية والمواطنين الغربيين في العالم خارج أفغانستان والعراق قد زادت بنسبة الربع تقريبا من‏7.2‏ عملية إلي‏9‏ عمليات سنويا بعد الغزو‏.‏وتتوقع الدراسة  التي اقتصرت على تسجيل العمليات التي تقوم بها جماعات ذات توجه إسلامي فقط أن يستمر تأثير الحرب في العراق لمدة عقد كامل علي الأقل‏.‏

أما بخصوص الحديث عن أمل ما من "خطة أمن بغداد" فلا يعدو تلاعب بمشاعر الشعب الأمريكي في الصراع السياسي الداخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين حيث ان الوقائع الميدانية تثبت عكس ما يشاع من أن عدد الهجمات اليومية والتفجيرات قلت بعد تطبيق الخطة وهذا ما يؤكده العقيد ديفد ساثرلاند التابع للواء الثالث لفرقة ‏الخيالة الأولى المنتشرة في ديالي إن "عدد الهجمات ‏التي يشنها مسلحو المقاومة العراقية بقذائف الهاون والصواريخ ‏بلغ الشهر الماضي 98 مقابل 28 في يوليو ‏‏2006، بينما تصاعدت الهجمات المباشرة من 90 ‏إلى 153 هجوما، كما تراجعت بشدة العمليات ‏الطائفية"مبرهنا بذلك على ان ‏‏"تطبيق خطة أمن بغداد أسفرت عن زيادة نشاط ‏المسلحين في تلك المناطق".‏

ثم إن بوش واتباع إدارته يكثرون في الآونة الاخيرة المقارنة بين العراق الآن وما كان عليه زمن صدام حين ردهم على خصومهم ومنتقديهم ليثبتوا ان العراق يسير في الطريق الصحيح وهذا الكلام مليئ بالمغالطات وإليك الدليل:

على الصعيد الامني، فإن العراق اليوم يشهد تهجير 2 مليون عراقي لسوريا والأردن وغيرها، وقد قتل ما يزيد على 660 ألف عراقي حتى الآن ،  وقد كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بحوث الرأي العام البريطانية وشمل خمسة آلاف عراقي ، أن واحداً من كل أربعة عراقيين قد قتل أحد أفراد أسرته وأن واحدا من كل أربعة في العاصمة بغداد قد تعرض أحد أقاربه للاختطاف وأن واحدا من كل ثلاثة فر أحد أفراد عائلته إلي خارج العراق.

على صعيد الإقتصادي والإجتماعي، فإن 80 % من أطفال العراق يعانون من سوء التغذية ، ويتسرب الكثير منهم من المدارس ، ومعدل التضخم بلغ 20 % في العراق في عام 2006 وتتراوح البطالة بين 25 إلى 40 % و47 % من العراقيين لا يحصلون أبداً على إمدادات كافية من الكهرباء و 70 % منهم يعانون من سوء خدمات الصرف الصحي وفق إحصائيات أورتها صحيفة الإندبندنت البريطانية.

على صعيد الفاتورة المالية ، وبحس الاندبندنت البريطانية فقد كلف الخزينة الامريكية  حتى الآن 304 مليار دولار ، بإستثناء الفاتورة  البريطانية التي بلغت 3.5 مليار جنيه إسترليني في حين كانت تقديرات البنك الدولي تؤكد أن العراق يحتاج إلى 36 مليار دولار لتحقيق إعمار كامل ونهائي لو أن الامريكيين خرجوا بعد إسقاط النظام.

ثم بعد كل ذلك نرى بوش واعضاء إدارته يمعنون في العناد ويتعذّرون بأعذار واهية لتخبئة فشلهم من خلال إلقاء التبعة على الزرقاوي وغيره من الفصائل المسلحة ، بل يذهب ساترفيلد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية البارحة الى القول " كيف يمكن ان نُقيّم أربع سنوات من الحرية مقارنة بالنظام الديكتاتوري السابق وهل نظام صدام كان أحسن مما شهدناه من تصويت 12 مليون عراقي مؤخراً" فأي حماقة أكبر من حماقة هؤلاء الذين لا يلون على شيء..وهل هناك أخطر على العالم او أكثر ديكتاتورية فيه من هؤلاء؟

*كاتب ومحلل سياسي لبناني

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 25 آذار/2007 -5/ربيع الاول/1428