أمريكا تبحث اساليب تعليمية جديدة للتخلص من مدارسها الفاشلة

 رغم ارتفاع مستوى التعليم بصفة عامة في الولايات المتحدة مقارنة بمعظم دول العالم خاصة في مراحله الجامعية، توجد باستمرار جهود تهدف إلى تحسين العملية التعليمية المدرسية، ومراجعة مناهج التعليم وأساليبه بما يحقق أكبر فائدة للطلاب بما يعكسه ذلك على تطور المجتمع بأكمله.

والولايات المتحدة غير غريبة على تعبيرات تدل على فشل بعض المدارس وأساليب التدريس مثل "المدارس الفاشلة" failing schools، وهو ما يؤدى إلى مراجعة مهمة للكثير من قواعد عمل النظام التعليمي، خاصة التعليم قبل الجامعي. ويتم قياس فشل المدارس الثانوية في الولايات المتحدة عن طريق قياس نسبة خريجو المدرسة ممن يلتحقوا بالجامعة، إضافة إلى نسبة النجاح في امتحان القدرات المؤهل للجامعات الأمريكية والمعرف باسم ٍِ SAT سات.

وقد طُرح في هذا الإطار بعض الأفكار والوسائل لتطوير التعليم والارتقاء بمستوى استيعاب الطلاب، كان من بينها قانون مبادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش الداعية على الاهتمام بكل الأطفال والمسماة No Child Left Behind Act. كما ناقش تقرير واشنطن ذلك.

يوم تعليمي أطول

رغم عدم موافقة الكثير من خبراء التعليم بالولايات المتحدة على مبادرة الرئيس الأمريكي، يتوقع أن تقوم المدارس بوضع خطط لتحسين مستوى طلابها، وإلا سوف تواجه بعض أشكال العقاب. وفي محاولة للوفاء بمعايير الإنجاز التي دعا إليها القانون، ولهذا السبب تبنت بعض المدارس استراتيجية "يوم دراسي أطول" a longer school day. وقد دافعت خبيرة التعليم هيلاري بيننجتون Hilary Pennington، "الباحثة بمركز التقدم الأمريكي" Center for American Progress، عن هذه الاستراتيجية، مؤكدة أن استراتيجية " يوم دراسي أطول"Extended Learning Time (ELT)، سواء كان ذلك من خلال يوم دراسي أطول أو من خلال عام دراسي أطول هي الخطوة الأولى لضمان التزام المدارس "الفاشلة" بمعايير ومتطلبات رفع مستوى طلابها. ولكنها تؤكد في الوقت ذاته أن هذه السياسية لا تمثل شرطا كافيا لتحيق الهدف المطلوب، إذ ترى هيلاري أن يوم دراسي أطول لا يمثل العصا السحرية لرفع مستوى تحصيل الطلاب. وتقترح هيلاري بعض الاستراتيجيات المكملة، إذ ترى في هذا السياق أن هناك حاجة لوضع أنظمة لتحذير وتنبيه المعلم مبكرا في حالة وجود طلاب لا يستطيعون التحصيل.

وفي إحدى الندوات التي نظمها "مركز التقدم الأمريكي" في 31 أكتوبر 2006، أشارت هيلاري إلى التحدي الكبير الذي يواجه تغيير النظام التعليمي الحالي إلى نظام يقوم على فعالية دور المدرسة وتأثيرها من خلال نظام " يوم دراسي أطول". ورأت في هذا السياق، أنه في ضوء الاهتمام المتزايد للطلاب الأمريكيين بالتعليم ما بعد الثانوي post-secondary system - فإن عملية التغيير والتأقلم مع فكرة يوم دراسي أطول سوف تواجه مقاومة كبيرة من نظام اعتاد عليه المدرسين والطلاب.

وقد شارك في النقاش الذي أجراه مركز التقدم الأمريكي عدد من مديري المدارس التي قامت بالفعل بتطبيق بعض الاستراتيجيات لزيادة مستوى إنجاز الطالب بما في ذلك نظام "وقت أطول للتعليم". وكان من بين هؤلاء مديرا مدرستين من المدارس الثانويةhigh school بواشنطن. الأولى هي مدرسة مايا انجيلوس Maya Angelous Public Charter school، وهي مدرسة ثانوية بديلة، طبقت نظام 10 ساعات لليوم الدراسي لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، والثاني هي مدرسة "مكينلي الثانوية للتكنولوجيا" McKinley Technology High School. وقد صرحت مديرة مدرسة مايا انجيلوس، جيني بنكارد Gene Pinkard، أنه بدون تنويع الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها إقناع الطلاب بالتعلم وبالمشاركة الفعالة في الأيام الدراسية الطويلة، لم يكن بإمكان المدرسة تطبيق هذا النظام أو إلزام الطلاب بالالتحاق به والاندماج فيه، خاصة أن المدرسة، باعتبارها مدرسة بديلة، تركز على الطلاب الذين فشلوا في مدارسهم الثانوية السابقة. وتشير جيني إلى أن 83% في المتوسط من طلاب المدرسة يلتحقون بالجامعة. ومن بين الوسائل التي استحدثتها المدرسة لإقناع الطلاب بالمشاركة الفعالة في الأيام الدراسية الطويلة، فكرة المدرس "غير التقليدي"، حيث تقوم المدرسة باستخدام المهنيين وشركاء القطاع الخاص، سواء للعمل كمدرسين غير تقليديين في المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسي الرسمي، أو للمشاركة في تغيير الطابع التقليدي لليوم الدراسي والمناهج الدراسية من خلال استحداث مقررات اختيارية مثل الرقص والفوتوغرافيا. وقد أشار جيني إلى أن هذه الوسيلة قد عمقت من ثقة وتفاعل الطلاب مع اليوم الدراسي الطويل.

وقد قامت مدرسة "مكينلي الثانوية للتكنولوجيا"، بتطبيق فكرة المدرس غير التقليدي ولكن مع إدخال بعض التعديلات على هذا النظام، حيث قامت المدرسة باستقطاب المهنيين في مجال التكنولوجيا للإشراف على مشروعات المدرسة والطلاب في المجالات التكنولوجية، مثل مجالي العلوم الحيوية والإعلام. ولا يؤيد دانيل جول Daniel Gohl، مدير المدرسة، فكرة زيادة وقت اليوم الدراسي بشكل كبير، إذ يقول أنه "عندما نزيد وقت الفصل يجب أن نسأل ما الذي سيتركه الطلاب"، يجب أن نفكر في تخفيف ضغط اليوم الدراسي، وأنه ليس من المفيد أن نطلب من الطلاب التخلي مثلا عن الأنشطة الاجتماعية والترفيهية أو التخلي عن الجزء المهم من يومهم لصالح الأنشطة الدراسية التقليدية. وفي هذا الإطار، لم تقم مدرسة مكينلي الثانوية للتكنولوجيا بزيادة عدد ساعات اليوم الدراسي، كما هو الحال في مدرسة مايا أنجيلوس، حيث تم زيادة اليوم الدراسي إلى 7 ساعات فقط (بالمقارنة بالمتوسط العام ستة ساعات ونصف يوميا لمدة 180 يوما دراسيا)، وهي الفكرة التي تؤيدها هيلاري بيننجتون، فقفزة محدودة في عدد ساعات الفصل يمكن أن تضاعف القدرة التحصيلية والاستيعابية للطلاب من خلال العمل الموجه لتنمية مهارات الطلاب العملية، وزيادة دعمهم لنظام " يوم دراسي أطول".

وقد انتهت هيلاري إلى أن الطلاب سيكونون أكثر استعدادا للمشاركة في نظام "يوم دراسي أطول" بشكل طوعي إذا كان هذا النظام سيضمن لهم تأهيلهم وفرصا أكبر للالتحاق بالتعليم الجامعي. وقد اتفق مديرا المدرستين السابقتين على أهمية السماح للطلاب بالاستفادة من تعليمهم في الحياة العملية وتكوين خبرات عملية كوسيلة لتعميق قناعتهم بهذا النظام. وعلى سبيل المثال، يحصل الطلاب بمدرسة مايا أنجيلوس على مقابل مادي نظير عملهم في بعض أيام الأسبوع بعد فترة الدراسة، بالإضافة إلى مشاركتهم في برامج معسكرات العمل الصيفي. ويؤكد مديرا المدرستين السابقتين أيضا أن مساهمة المدرسة في تشكيل وبناء الخبرة العملية لطلبة التعليم الفني يضع الطلاب في وضع أفضل وأكثر تنافسية عند سعيهم إلى الالتحاق بإحدى الكليات أو الوظائف بعد التخرج. 

يقول مدير مدرسة مايا انجيلوس إن المدرس الذي يأتي للعمل بالمدرسة يفهم منذ البداية أن العمل في المدرسة يختلف عن العمل في أي مدرسة عادية أخرى لا تطبق نظام " يوم دراسي أطول"، ويدرك أيضا أن الوقت والجهد الذي سيبذله في المدرسة يفوق متوسط الوقت والجهد الذي يبذل في أي مدرسة عادية أخرى، كما يصبح المدرس مطالبا بالمشاركة في تنمية المهارات العملية، والتفكير في التدريس بطريقة مختلفة تماما. ومن ناحية أخرى، يقول مدير مدرسة مكينلي أنه يقوم بتشجيع المدرسين بابتكار أفكار جديدة، وإلزامهم بالعمل وفق ثقافة المدرسة وليس بمنطق "الترس" داخل الماكينة ولكن بصفتهم شركاء في عملية مستمرة “as an owner of an organic process”.

ويواجه تطبيق نظام "يوم دراسي أطول" بعض المشكلات، أهمها مشكلة تمويل المدارس التي تقوم بتطبيق هذا النظام، وكما تقول هيلاري فإن درجة فعالية واستفادة الطلاب من هذا النظام تعتمد على قدرة المدرسة على توفير التمويل اللازم. ومن ثم يظل السؤال: كيف يمكن توفير التمويل اللازم للساعات الإضافية في الأيام الدراسة الطويلة؟ إذ أن متوسط تكلفة الطالب الواحد في نظام المدارس الحكومية في مدينة واشنطن العاصمة DC public school system تقدر بنحو 11094 دولارات (وفقا لتقديرات سنة 2005)، بينما وصلت تكلفة الطالب في مدرسة مايا أنجيلوس - وفق تقدير مدير المدرسة- نحو 20000 دولارا للطالب الواحد، أي بفارق يصل إلى نحو 8000 دولارا للطالب الواحد. وقد استطاعت المدرسة توفير هذا العجز المالي من خلال مؤسسة See Forever Foundation، بينما تقوم مدرسة ماكينلي بتوفير العجز من خلال عدد من البرامج والجهود التطوعية. وتقوم الحكومات المحلية في بعض الولايات، مثل ولاية ماساشوستش، بتخصيص 1300 دولارا لكل طالب في حالة المدارس التي تقوم بزيادة الوقت الدراسي بنسبة 30%. إلا أن تلك النقطة تثير ملاحظة أخرى مهمة، وهي أن تطبيق هذا النظام في المدارسة الجديدة، كما هو الحال بالنسبة لمدرستي ماكينلي وما أنجيلوس، يكون أسهل بكثير من تحويل المدارس العادية إلى هذا النظام.

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 19 كانون الثاني/2007 - 29 /ذي الحجة /1427