الارهاب والمقاومة والمهزوم المتطرف

 اذا تعلق الامر بقضايا أو مصطلحات مثل المقاومة المسلحة والارهاب والتطرف فلا ينتظر القارئ اتفاقا في الرأي بين مثقف ألماني واخر عربي في مرحلة تاريخية يصبح فيها العالم العربي في مقدمة المناطق المرشحة لاعادة الاستعمار.

ففي حين يقول الشاعر الالماني هانس ماجنوس أنسسبيرجر ان المهزوم المتطرف يصر على التمسك بمشروعه ولا يسعى الى حل النزاع بالتصالح يرد عليه المترجم العراقي عدنان عباس علي قائلا ان في هذا خلطا بين الارهاب والحق "الطبيعي" في المقاومة كما تنقل (رويترز) ذلك.

وقال أنسسبيرجر في دراسة عنوانها (المهزوم المتطرف) وهي جزء من كتاب (رجال مروعون) ان الفاشل يرضى بحظه والمعتدى عليه يطالب برد الاعتبار الا أن المهزوم المتطرف يعتزل الاخرين كاتما أوهامه انتظارا لرد تنفجر فيه قواه الكامنة "ويشكل انفجارها الحل الوحيد لمشكلته. أعني مشكلة تزايد التعاسة التي يئن تحت وطأتها."

وأضاف أن الجمع بين تدمير الاخرين وتدمير الذات هو المخرج للمهزوم المتطرف الذي لا يعتقد أنه مسؤول عن الظلم الواقع عليه ولهذا فانه يبحث عن شخص يحمله هذا الوزر.

وفي الحالات العامة تتجه السهام الى قوى خفية هي "اما الاجانب أو المخابرات أو الشيوعيين أو الامريكان أو الشركات عابرة القارات أو رجال السياسة أو الكفرة. واذا ما استعصى ايجاد العدو المناسب فهناك اليهود في نهاية المطاف.

"ان عملية الاسقاط هذه تمنح المهزوم شيئا من راحة البال لفترة معينة لكنها لن تشفي غليله وتمنحه الطمأنينة."

ونشرت الدراسة في مجلة (ديوان) التي تصدر في برلين بالعربية والالمانية وتقع في 136 صفحة كبيرة القطع. وأعلنت الشاعرة العراقية أمل الجبوري رئيسة تحرير (ديوان) في افتتاحية أن هذا العدد هو الاخير حيث ستتوقف عن الصدور بسبب "الارهابيين المثقفين وهم طليعة هدم كل المؤسسات... نؤثر أن تتوقف ديوان على أن تصبح مشروعا معروضا لهذا الدكان السياسي أو ذاك".

وجاءت فكرة المجلة خلال مؤتمر للشعر العربي والالماني بالعاصمة اليمنية صنعاء عام 2000 بمشاركة حوالي مئة شاعر عربي وألماني منهم السوري أدونيس واليمني عبد العزيز المقالح والعماني سيف الرحبي والمصري أحمد عبدالمعطي حجازي وصدر عددها الاول في العام التالي.

وقال أنسسبيرجر ان المهزوم المتطرف يشعر بأن وجوده لا قيمة له ولهذا "يكتسب في لحظة انفجاره قوة تسلطية عظيمة ففي لحظة تدميره للاخرين وقضائه عليهم يشعر بنشوة انتصار عظيم" كما يشعر بنشوة اضافية لنجاحه في جذب انتباه اخرين ماكانوا يهتمون به "لولا استخدامه ما لديه من سلاح. وتتكفل وسائل الاعلام بأن يصبح المهزوم عظيم الشهرة ولو لاربع وعشرين ساعة فقط."

وأضاف أن غريزة حب البقاء لا تسري على كل البشر وأن "كل الديانات مجدت القرابين البشرية وأشادت بها وفي الازمنة التالية كان الشهيد يسمو الى مكانة رفيعة لدى البشر" مشيرا الى أن معظم الثقافات تمجد الابطال اذ "زعم" البعض قبل الحرب العالمية الاولى أن العمل في الاسطول الحربي أهم من البقاء على قيد الحياة ورأى اخرون "الموت أفضل من الخضوع للشيوعيين" أثناء الحرب الباردة.

وأشار الى أن المهزوم المتطرف المستند الى عقيدة سياسية أو دينية تتعاظم طاقته "الهدامة" الكامنة اذا تغلب على عزلته وعثر على سقف يأوي مهزومين من أمثاله يفهمونه ويرحبون به ويحتاجون اليه ففي هذه الحالة "سيتضاعف بطشه وتطلعه الى الانتحار وسيزداد جنونه وشعوره بالعظمة" انطلاقا من وهم التحرر من مشاعر الهزيمة.

وقال أنسسبيرجر ان المشروع النازي في ألمانيا استغل شعور المواطنين بالهزيمة بعد الحرب العالمية الاولى وتمكن أدولف هتلر من تحويل ذلك الشعور "صوب جنون العظمة... المهزوم المتطرف لا يسعى الى حل النزاع بالتصالح. انه لا يريد التوصل الى تسوية ترضي الطرفين المتنازعين.. تسوية تضمن له مواصلة التفاوض المألوف على المصالح المشتركة... المهزوم المتطرف سيتمسك بمشروعه بعناد أكبر كلما كان الامل في نجاحه أقل. ومن المحتمل جدا أن هتلر وأتباعه ما كانوا يأبهون كثيرا بالانتصار بل كانوا يأملون في أن يخلدهم التاريخ كمندحرين دافعوا عن امالهم حتى اخر نفس."

وأشار الى أن هتلر وأتباعه لم يكن هدفهم احراز النصر وانما "كان يكمن في الفناء. في الهلاك. في الانتحار الجماعي. في بلوغ النهاية المرعبة. وفي الواقع لا يوجد تفسير اخر غير هذا التفسير لمواصلة الالمان الدفاع عن أطلال برلين باخر قطرة من دمائهم في الحرب العالمية الثانية."

وفي تعقيبه على دراسة الشاعر الالماني قال المترجم العراقي عدنان عباس علي في المجلة نفسها ان أنسسبيرجر "وقع في التباسات وتناقضات عديدة وهي تبدو بينة للمتلقي العربي الذي عرف هذه الاحداث والحوادث والحركات والشخصيات بشكل جيد من خلال المعايشة أو الوقوع في مصدر الحدث.

" لكن كاتب المقال ينطلق من أفق اخر ويخلط ما هو حق طبيعي كالمقاومة وحرب التحرير كما في الجزائر وفلسطين مثلا بالارهاب والتطرف دون أن يشير الى ارهاب الصهاينة وما قامت به حركاتهم الارهابية كالهاجانا وارجون وجماعة شتيرن التي أبادت قرى ومدنا (فلسطينية) بساكنيها ونسائهم وأطفالهم."

ويعتبر علي وهو يقيم بألمانيا من المترجمين البارزين حيث ترجم أعمالا منها (فخ العولمة.. الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية) لهانز بيتر-مارتن وهارالد شومان و/التصوف الاسلامي/ لتور أندريه و/جوته والعالم العربي/ و/جوته وبعض شعراء العصر الاسلامي/ لكاتارينا مومزن الاستاذة بجامعة ستانفورد الامريكية.

وقال ان من "المستغرب أن يتبنى كاتب كبير (أنسسبيرجر) اراء اعلامية مصنوعة في تناوله لظاهرة خطيرة متجاهلا أن العرب والمسلمين لا يعادون الغرب بل بعض حكوماته وان هذا (العنف) جاء كرد فعل لاحداث كبرى كان العرب والمسلمون ضحاياها وليس الامر نابعا من فكرهم وحضارتهم التي فتحت للانسانية أفقا رحبا ظلت المدنية الغربية قاصرة عنه حتى اليوم."

لكن مجلة (ديوان) تضمنت رأيا لالماني يعد من وجهة النظر العربية متوازنا.

ففي مقال عنوانه (مستقبل الانتحاريين.. حضارة المتطرفين المهزومين) قال الناقد هينج ريتر ان أنسسبيرجر في كتابه "يقوم بتحليل الاسلاموية... بادخال خصوصيات الحياة التقليدية التي يفتخر الاسلامويون بحمايتها وهي التاريخ المار بقرون طويلة لانحدار الحضارة العربية... في صفحات قليلة يرسم أنسسبيرجر حضارة منهزمة لم تقدر أبدا على أن تعترف بخيبتها لكنها كانت دائما تبحث عن أسباب الانحدار عند الاخرين."

وعلق ريتر على التحليل النفسي للمتطرف المهزوم الذي يقدمه أنسسبيرجر كباحث عن كبش فداء وحريص على الانتقام "وجنون الفحولة" وتدمير الذات والاخرين قائلا "هذا الوصف باعتباره دراسة نفسية للحضارة الاسلامية يتجاوز بلا شك حدود الامر الذي يمكن التعبير عنه بمسؤولية. ويترك المشخص نفسه في منظور جنوني وهو منظور التقدم الذي يتمسك العالم الغربي به باعتباره المقياس لكل شيء بصرف النظر عن ادراكه المتنامي لحدوده.

"ان المحصلة التي يكسبها أنسسبيرجر من دراسته النفسية للمتطرف المهزوم هي محصلة سلبية في المقام الاول..."  

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 18 كانون الثاني/2007 - 28 /ذي الحجة /1427