المارد الصيني يفرض نفسه اقتصاديا على العالم في 2006

 في نظرة عاجلة سريعة على ملامح العام المنتهي، يلحظ المرء ان الأساسيات لم تشهد اهتزازات، لكن كانت هناك ظواهر خارج الأدوات التقليدية، بمعنى أنها بعيدة إلى حد ما عن تطورات أسواق الأسهم وعمليات الاندماج وأرباح الشركات وقطاعات العقار والخدمات الأساسية في الاقتصادات الرئيسية.

 وذكر تقرير نشرته (البي بي سي) مؤخرا ان من تلك الظواهر، استضافة ألمانيا لكأس العالم بداية صيف العام الفائت، وهي ظاهرة رياضية كان لها اثر اقتصادي على اكبر الاقتصادات الأوروبية، فقد وفرت نحو 10 ألاف وظيفة، وأدت إلى إنفاق استثماري فاق 5 مليارات يورو ووفرت أرباحا بالمليارات أيضا، وأنعشت قطاعات عديدة خارج ألمانيا مثل السفر والنقل الجوي وغيرها، وفي النهاية أضافت نسبة بسيطة للنمو السنوي للاقتصاد الألماني.

الظاهرة الثانية، هي الطفرة التي حدثت في قطاع الاستثمار في الأعمال الخيرية بإعلان أغنى رجل في العالم، صاحب عملاق البرمجيات "مايكروسوفت" بيل غيتس، انه سيخصص كل ثروته للعمل الخيري، وتلاه من يليه على قوائم أغنياء العالم، الملياردير الأمريكي وارين بافيت، ليفعل مثله.

وهكذا برز قطاع جديد في الاستثمار الراسمالي هو الاستثمار الخيري في مشروعات إعانة وإغاثة وتنمية في أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية، كمنفذ مبتكر للاستثمار يعوض الاقتصادات المتقدمة عن تسبع أدوات الاستثمار التقليدية في الاقتصاد الراسمالي العالمي.

كما شهد العام 2006 تنافسا صينيا هائلا على الدخول في أفريقيا، عبر اتفاقات بمليارات الدولارات في مجال البحث والتنقيب عن الطاقة واستخراجها ونقلها. كما سعت الشركات الصينية النامية بسرعة إلى اقتناص فرص جديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا في مجالات خدمية وتجارة أخرى غير الطاقة، وتوج كل ذلك بالقمة الصينية الأفريقية في بكين قرب نهاية العام والتي شارك فيها أكثر من أربعين من قادة دول القارة السوداء.

ووجدت دول الشرق الأوسط والخليج في الصين شريكا جديدا، يستورد المواد الخام (تحديدا النفط والغاز) ويصدر السلع الاستهلاكية.

وعلى ذكر النفط، فقد كان لارتفاع أسعاره مجددا خلال 2006، وقدرة الاقتصاد العالمي على تحمل الارتفاع دون ضغوط كبيرة تهدد النمو، أثرا بالغا على الاقتصادات ـ خاصة الاقتصادات الخليجية وما تتداخل معه عبر أسواق المال كما في الأردن ولبنان والمغرب ومصر.

فقد أدت الوفرة الهائلة في السيولة النقدية نتيجة ارتفاع عائدات النفط، بمئات المليارات من الدولارات، إلى غليان أسواق المال الخليجية على مدى السنوات الأخيرة. لكن هذا الغليان بلغ أشده مؤخرا، مما جعل هذا العام سنة "الضبط" السوقي، إذا صح التعبير.

وساهم في اضطرا بات العام ما وصفته صحيفة "الفاينانشيال تايمز" البريطانية بأنه عامل سياسي يتلخص في رغبة السلطات ـ خصوصا في السعودية اكبر الأسواق والاقتصادات في المنطقة ـ في جعل مواطنيها "مضاربين لا ناخبين"، على حد تعبير الصحيفة.

وشهدت أسواق الخليج أكثر من هبوط حاد، أزاح مليارات الدولارات من قيمة الأسهم في المنطقة، ورغم ان القدر الأكبر من تلك المليارات كان عبارة عن ارتفاعات وهمية نتيجة المضاربات، إلا ان هبوط الأسواق سبب كثيرا من الأذى لصغار المتعاملين ـ وعددهم بالملايين ـ من مواطني دول الخليج.

لكن في المحصلة النهائية، يظل ما حدث صحيا إلى حد ما على طريق إعادة الأسواق إلى المسار المنطقي والتخلص من الفقاعات الضارة في قطاع جديد نسبيا على اقتصادات دول الخليج.

الظاهرة الأخرى التي تبدو بعيدة ـ ظاهريا ـ عن اساسايات الاقتصاد هي التوجه نحو مكافحة التغيرات البيئية لتلافي تبعاتها الاقتصادية السلبية. وشهد العام في ربعه الأخير صدور "تقرير ستيرن"، الذي وضعه سير نيكولاس ستيرن، مستشار الحكومة البريطانية الذي عمل سابقاً كبير الاقتصاديين في البنك الدولي.

خلص ستيرن في تقريره إلى انه إذا لم يكن هناك جهد عالمي مشترك حاسم وعاجل لتلافي الآثار البيئية المدمرة فان التغيرات المناخية ستكلف العالم ما بين 5 و 20 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما قد يصل إلى 9 تريليون دولار.

هذا بالإضافة إلى تشريد نحو 200 مليون نسمة من سكان الأرض كلاجئين بيئيين، إذا جاز التعبير. فالتغيرات المناخية الناجمة عن التلوث البيئي لا تقتصر على ارتفاع درجة حرارة الأرض، بل تؤدي إلى ارتفاع منسوب البحار والمحيطات، بما قد يؤدي بأجزاء من اليابسة إلى الغرق (أي ببساطة يمكن ان يزول بلد كبريطانيا من على الخريطة تماماً)، وذوبان الجليد في المناطق المتجمدة مع ما يصاحبه من فيضانات وانجرافات أرضية.

وبدأت حملة دولية، اقتصادية أساسا، للاستجابة للتقرير سيكون أول آثارها ارتفاع أسعار تذاكر السفر الجوي للمسافرين في أوروبا، وستليها خطوات أخرى تحبط الإنفاق الاستهلاكي الذي يشكل ما يقرب من نصف مكونات النمو في الاقتصاد العالمي.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 16 كانون الثاني/2007 - 26 /ذي الحجة /1427