
الكتاب: التربية على حقوق الانسان
الكاتب: الدكتور وليد الشهيب الحلي والدكتور
سلمان عاشور الزبيدي
الناشر: معهد العراق للدراسات الإستراتيجية
والمستقبلية
عدد الصفحات: 406 صفحة من القطع الكبير
عرض: قاسم محمد
عن معهد العراق للدراسات الإستراتيجية والمستقبلية، صدر في بغداد
مؤخرا، كتاب (التربية على حقوق الإنسان) لمؤلفيه الدكتور وليد الشهيب
الحلي والدكتور سلمان عاشور الزبيدي، والكتاب هو من أوائل الإصدارات في
العراق التي تتناول قضايا التربية على حقوق الانسان ، مما يشكل إضافة
جديدة للمكتبة العراقية والعربية في مجالات التربية على حقوق الانسان.
يشتمل الكتاب على مقدمة وسبعة فصول، حاول من خلالها الباحثان دراسة
الآفاق النظرية والعلمية التي يمكن من خلالها تعميم مفاهيم حقوق
الانسان في المجتمعات الإنسانية، وجاء الفصل الأول ليعطي نظرة تاريخية
معمقة لعلاقة الحضارات والأديان بحقوق الانسان، بدء من الحضارات
والمعتقدات الدينية القديمة في وادي الرافدين والصين ومصر والهند وبلاد
فارس، مع اضاءات وافية عن نظرة الديانات الوضعية التي نشأت في تلك
الحضارات مثل البوذية والكونفوشيوسية والبوذية وغيرها لمفاهيم حقوق
الانسان. فضلا عن اشتغال الباحثين على تأثير الديانات السماوية الثلاث
في تعميم مفاهيم حقوق الانسان داخل المجتمعات التي انتشرت فيها
اليهودية والمسيحية والإسلام.
ثم أعقب ذلك قراءة في حقيقة الدور الذي لعبه الفكر الفلسفي ومبادئ
الثورات الكبرى التي شهدها تاريخ الانسان، في صياغة نظرية حقوق الانسان
الى الحد الذي أصبحت فيه هذه النظرية تحظى بكل هذا الاهتمام الوطني
والدولي، ومن الواضح إن هذا المدخل التاريخي مهد للمؤلفين الخوض في
تفاصيل نظرية حقوق الانسان بشكل أكثر تفصيلا واغناءً سعيا الى تحديد
الأطر التي يتم من خلالها فهم مبادئ حقوق الانسان وفقا لمنهج علمي واضح
ومدروس.
اشتمل الفصل الثاني على قراءة موسعة للعلاقة بين التربية وحقوق
الانسان، من خلال بيان مفهوم التربية والأهداف الحقيقية للعملية
التربوية التي يرى المؤلفان إن لها الأثر البالغ في تعميم ثقافة حقوق
الانسان في المجتمعات كونها الفاعل الأساس في بناء شخصية الانسان
وصياغة تطلعاته، فضلا عن العوامل المؤثرة في عملية التربية نفسها.
وكذلك تأثير العلاقة بين القيم والتربية وما تركته خصائص القيم على
حركة الانسان داخل مجتمعه، وحقيقة الإطار الفكري للقيم الإسلامية التي
جعلت من ذات الانسان وطبيعة تكوينه محورا لانشغالاتها كما يرى
المؤلفان، في حين جاءت أساليب تعميم ثقافة حقوق الانسان والخصائص التي
تحظى بها هذه الحقوق من الناحية الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية
لتشكل قاعدة لانطلاق الدراسة باتجاه تفصيل علاقات الانسان بمحيطه بناء
على الثقافة الحقوقية التي تتبعها المؤلفان في الفصول المتبقية.
إذ كان الفصل الثالث مخصصا لدراسة مفهوم العدل ودوره في نشر ثقافة
المساواة بين بني البشر وخلق مجتمعات بعيدة عن سلب الحقوق أو الظلم
الذي يساهم في تخريب المجتمعات أينما كانت وفي أي حقبة زمنية، فيما كان
الفصل الرابع مشتملا على قراءة مفهوم الأخلاق في الفكر الإنساني، وعلى
وجه الخصوص في الفكر الإسلامي الذي حدد أصول المحاسن الأخلاقية ودورها
في تحقيق القيم العليا للأخلاق داخل المجتمع الإنساني، وبالتحديد في
عالمنا المعاصر الذي شهد تداعيا فكريا في مجالات متعددة كان من أبرزها
المجال الأخلاقي والقيمي.
الحرية كانت هي المحور الذي جاء به الفصل الخامس من الكتاب، فالحرية
كما يرى المؤلفان تشتمل على مقومات فكرية تتيح للإنسان أن يحقق عالما
يخضع لحقيقة اقرها الإسلام والكثير من المدارس الأخلاقية والفكرية،
وهذه الفكرة تتلخص في أن الانسان هو القيمة العليا في الحياة، مما
يتطلب حسب الكتاب، العمل على نشر مبادئ الحرية بإتباع وسائل تربوية
تساهم في إخراج الانسان من دائرة العبودية للنظم الاستبدادية التي دأبت
على انتهاك حريات الشعوب على مدى التاريخ، وهنا يقدم المؤلفان قراءة
للطريقة التي يتم من خلالها تربية الأجيال على المطالبة بالحرية ورفض
الخضوع للاستلاب وهيمنة الظلم وتهميش حرية الانسان.
أما الفصل السادس، فقد اشتمل على متابعة مفهوم الحق والحقوق منذ
النشأة الأولى لحياة الانسان، وارتباط هذا المفهوم بحياة الجنس البشري
ودوره الفاعل في تقويم مسيرة الحضارة الإنسانية، ويعرض المؤلفان في هذا
الفصل الى ماهية الحقوق في الفكر الإسلامي بتقديم نموذج حقوقي إسلامي
هو رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين بن أبي طالب(ع)،
إضافة الى محاولة تتبع الحقوق في قوانين الأمم المتحدة والإعلان
الإسلامي لحقوق الانسان، مع مقاربة فكرية بين الإعلانين قدمها المؤلفان
لإيجاد المشتركات الإنسانية العميقة بين الفكر الإسلامي والقوانين التي
أقرتها الأمم والشعوب على مدى التاريخ.
في الفصل السابع والأخير، كان لمفهوم المواطنة وواجبات المواطن حيزا
مهما في الكتاب الذي سعى الى استقراء مفهوم المواطنة في الفكر الإنساني
والاهتمام الذي أضفاه الإسلام على المواطنة بوصفها الطريقة التي من
خلالها يتم بناء المجتمعات الصالحة التي تكفل حقوق مواطنيها.
ويقدم الكتاب اضاءات وافية عن مكونات المواطنة والواجبات التي
يفرضها هذا المفهوم على المواطن، فضلا عن محاولة إدراك سبل تحصيل
المواطنة بعيدا عن مسميات تقوض حقوق المواطنة مثل الطائفية والعنصرية
وغيرها من الآفات التي لم تفعل شيئا لحياة الانسان سوى التمهيد لانتهاك
حقوق الانسان تحت شتى المسميات.
بقي أن نقول إن هذا الكتاب الذي جاء في 406 صفحات من القطع الكبير،
والذي يمثل باكورة عمل معهد العراق للدراسات الإستراتيجية والمستقبلية،
هو مصدر حقوقي طالما احتاجته رفوف المكتبة العراقية، إذ إن كل فصل من
فصول الكتاب كان مرفقا بملاحق متخصصة تتضمن كل القوانين والأنظمة
والبيانات التي صدرت منذ الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 حتى
وقتنا الحاضر، وهو ما يوفر للمتخصصين في مجالات التربية والقانون
والناشطين في مجالات حقوق الانسان، مرجعا مهما من مرجعيات حقوق الانسان
في المكتبة العربية. |