بغداديات: سباعيّة الجلب

بتوقيع : بهلول الكظماوي

 أستميح القارئ الكريم العذر لأكتب له آخر بغدادية لي لأتوقّف بعدها عن الكتابة آخذاً قسطاً من الراحة، عسى أن اعاود بعدها كتاباتي اذا شاء الله تعالى.

أخذت بغداديتي لهذا اليوم اسم (سباعية الجلب) أي عندما يظهر الكلب نفسه للناس بأنّه سبعاً أو أسداً ضارياً في حين هو يرتجف من الخوف و مهزوز في داخله.

رجعت بي الذكريات إلى منتصف سنة 1983 في مدينة اسطانبول التركية، حينما أخذنا معنا السيد (ح) بسيارة و أجلسناه في المقعد الأمامي إلى جانب السائق و كنت اجلس أنا في الخلف، وما أن خرجنا بسيارتنا الى طريق على البحر مقطوعة من المارّة الاّ و توقّفنا لأسحب مسدس بلاستيك كنت قد اشتريته لولدي الصغير آنذاك، وهو يشبه المسدّس الحقيقي و قلت للسيد (ح): تشاهد على حياتك فقد حان وقت تصفية الحساب معك لتدفع ثمن ما اقترفته يداك بحق شبابنا العراقي المظلوم.

و كان السيد (ح) يعمل مترجماً للقنصلية العراقية في اسطانبول آنذاك و منتم لحزب البعث وعليه تهم لعدّة جرائم بتسليم معارضي الطاغية صدام إلى السفارة العراقية لترحيلهم إلى العراق مخفورين (وبالطبع مصير هؤلاء المرحّلين السجن لمدّة طويلة ان لم يكن الاعدام) واذكر ان من ضمن الذين سلموا إلى السفارة و رحلوا مخفورين كان شخص يدعى سعيد الكاظمي رغم انه (سعيد) كان يحمل وثيقة عدم تعرّض صادرة من مكتب الأمم المتّحدة في تركيا.

كانت الشعبة الأمنية الأولى في مديرية شرطة اقامات الأجانب في اسطنبول الواقعة في منطقة (جغال اوغلو) وعلى رأس المسؤولين فيها ضابط يدعى (الشيف _ ن _)، تتعامل معنا هذه الدائرة الامنية تعاملاً مصلحياً تماماً كما تفعل البغي التي تذهب لتعطي نفسها لمن يدفع الأكثر.

فإذا دفعنا لهم نحن المعارضون لصدام ختموا لنا في دفاتر اقاماتنا ختماً مكتوب فيه (مراجعة بتمشتر) وهي كلمة مطاطة تعني غضّ النظر عن مراجعة دائرة الإقامة، وان لم يتمكن المعارض من الدفع ولم نعلم به نحن انه لم يدفع كي نساعده مالياً و قبضت عليه الشعبة الأمنية فستبيعه هذه الشعبة إلى السفارة أو القنصلية العراقية، فهي (السفارة) أيضاً تدفع لهم و لكن حسب أهمية الشخص و مدى جدوى إلقاء القبض عليه و ترحيله إلى العراق.

نرجع لصاحبنا المترجم (ح) حينما سحبت المسدّس المزيّف عليه و استفززته فأجابني بوجود رجاء أخير لديه يطلبه منّي قبل أن أقتله : و هو أن أستمع إليه، فأخبرته بالموافقة فقال لي : أتعلم لماذا بنفس الوقت الذي يعوي فيه الكلب عندما يتعرّض للخطر، بنفس هذا الوقت يصاحب عواءه الصادر من حنجرته من فوق، يصاحبه ضراط من تحت ؟

فقلت له : كلاّ لا ادري !

.فأجابني : انّه يعوي ليخوّف خصمه، و بنفس الوقت يضرّط لأنّه خائف

ثمّ أردف أنه اليوم حاله حال ذلك الكلب الذي يعوي و يضرّط... اجلّ الله القارئين و السامعين، ثم أخذ يشرح لنا كيف انه هو مظلوم أيضاً مثلنا، فله أهل في العراق يخاف عليهم و لهذا فهو مضطرّ أن يتعاون مع السفارة و يحرص على أن لا يؤذي أحداً من المعارضين، وأخذ يقسم أغلظ الأيمان على ذلك.

ضحكنا حينها كثيراً، ثمّ أخبرته أن المسدّس الذي سحبته عليه لم يكن إلا لعبة أطفال من البلاستك و أعطيته إيّاه ليتفحّصه بنفسه.

و ألان عزيزي القارئ الكريم:

تذكّرت تلك الأحداث وأنا اتابع آخر أخبار العدوان الصهيوني على شعبنا اللبناني الصامد.

فكلاب الصهيونية اليوم يترجمون عوائهم عبر قصفهم المدنيّين الآمنين من أهلنا في لبنان و تهديم البنى التحتية للدولة اللبنانية تماماً كما يفعله التكفيريون بشعبنا العراقي و ببنى العراق التحتية.

و لكنهم الفئتين (الصهيونية في لبنان و التكفيريون أعوان الاحتلال في العراق) هاتان الفئتان بنفس الوقت الذي يعوون فيه على شعوبنا تراهم يضرّطون من الأسفل خوفاً من صواريخ حزب الله في لبنان وخوفاً مما ينتظرهم من مستقبل مخزي في العراق على يد قواتنا التي تنموا رويداً رويدا و على يد جماهير شعبنا التي تنتظر ساعة الخلاص، وعند ذلك سيفرح المؤمنون.

و دمتم لأخيكم : بهلول الكظماوي

امستردام في 1-8-2..6

e-mail:bhlool2@hotmail.com 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 9 تموز/2006 -14/رجب/1427