مصطلحات أدبية: الخطاب الاستعماري والنظرية ما بعد الاستعمارية

 الخطاب الاستعماري والنظرية ما بعد الاستعمارية

Colonial Discourse and Post – Colonial Theory

شبكة النبأ: يشير هذان المصطلحان اللذان يكملان بعضهما بعضاً إلى حقل من التحليل ليس جديداً بحد ذاته، ولكن معالمه النظرية والمنهجية لم تتضح في الغرب إلا مؤخراً مع تكثف الاهتمام به وازدياد الدراسات حوله.

يشير المصطلح الأول إلى تحليل ما بلورته الثقافة الغربية في مختلف المجالات من نتاج يعبر عن توجهات استعمارية إزاء مناطق العالم الواقعة خارج نطاق الغرب على أساس أن ذلك الإنتاج يشكل في مجمله خطاباً متداخلاً بالمعنى الذي استعمله فوكو لمصطلح خطاب.

 أما المصطلح الثاني، (النظرية ما بعد الاستعمارية) فيشير إلى نوع آخر من التحليل ينطلق من فرضية أن الاستعمار التقليدي قد انتهى وأن مرحلة من الهيمنة – تسمى أحياناً المرحلة الإمبريالية أو الكولونيالية – كما عربها بعضهم – قد حلت وخلقت ظروفاً مختلفة تستدعي تحليلاً من نوع معين.

ولذا فإن المصطلحين ينطلقان من وجهات نظر متعارضة فيما يتصل بقراءة التاريخ، وإن كان ذلك اختلافاً في التفاصيل لا في الجوهر. فبينما يرى بعضهم انتهاء مرحلة الاستعمار التقليدي وبالتالي انتهاء الخطاب المتصل به وضرورة أن يتركز البحث في ملامح المرحلة التالية وهي مرحلة ما بعد الاستعمار، يرى بعضهم الآخر أن الخطاب الاستعماري ما يزال قائماً وأن فرضية (المابعدية) لا مبرر لها.

يأتي إدوارد سعيد في طليعة محللي الخطاب الاستعماري، بل ويعده بعضها رائد الحقل، فقد استطاع بمفرده في كتابه: الاستشراق 1978م. كما كتب أحد الدارسين مؤخراً، :أن يفتح حقلاً من البحث الأكاديمي هو الخطاب الاستعماري.. (باتريك وليامز، 5)

 ذلك أن دراسة سعيد للاستشراق دراسة لخطاب استعماري، خطاب تلتحم فيه القوة السياسية المهيمنة بالمعرفة والإنتاج الثقافي. غير أن تحليل سعيد جاء مرتكزاً على سياق معرفي وبحثي سابق له يتضمن أعمال اثنين من المفكرين الأوروبيين المعاصرين هما الفرنسي ميشيل فوكو والإيطالي أنطونيو غرامشي، ومن الممكن والحال كذلك اعتبار هذين المفكرين ممن وضعوا أسس البحث في الخطاب الاستعماري، بالإضافة إلى بعض فلاسفة مدرسة فرانكفورت مثل ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر، وكذلك والتر بنجامين وهاناه أريندت.

بالإضافة إلى سعيد هناك أعمال الإنجليزي روبرت يونغ، خاصة كتابه ميثولوجيات بيضاء: كتابة التاريخ والغرب (1990م)، الذي حلل فيه جوانب من الفكر الماركسي مبرزاً تورط ذلك الفكر في الخطاب الاستعماري على الرغم من النقد الذي وجهه ماركس للاستعمار البريطاني: فقد وجد ماركس، كما يقول يونغ، مبرراً لذلك الاستعمار نفسه حين قال إن للاستعمار البريطاني للهند نتيجة إيجابية تتمثل في إدخاله الهند في سياق التاريخ الغربي المتطور.

 وفي هذه المقولة كما يذكرنا يونغ، استمرار للخطاب الهيغلي الذي أكد فيه الفيلسوف الألماني،( إن أفريقيا بلا تاريخ) غير أن المهم هنا هو ملاحظة أن مثل هذه المقولة تستند على النموذج المعرفي في الفلسفة الهيغلية الذي يرى يونغ أنه يهيمن ليس على الماركسية فحسب وإنما على قطاعات شاسعة من الثقافة الغربية في مقاربتها للآخر، والنموذج المعرفي الهيغلي هذا هو الذي ينتظم حركة التاريخ كما يراها الفيلسوف الألماني في جدلية أو ديالكتيكية تطورية متمركزة حول الغرب ومختزلة الآخر، أي ما عدا الغرب، ضمن تلك الجدلية بحيث يتوارى أي اختلاف ويندرج الآخر في منظومة الذات وحركتها.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 28 شباط/2007 -11/صفر/1428