طريق الملح... تجارة قاسية عبر الصحراء الكبرى

 رغم التطور الحاصل في العمل والتجارة واثره الايجابي على الانسان في جوانب الحياة المختلفة الا انه ماتزال هناك انواع تجارة تمارس منذ عدة قرون دون اي تقدم في الاساليب او تطور في الانتاج او انعكاس ايجابي على حياة الممارسين لهذه الاعمال.

وعلى مدى أكثر من تسعة عقود من الزمن كانت بلدة تيشيت المحصورة بين بحر للرمال آخذ في الاتساع وسهل صخري شاهق الارتفاع موقعا لانطلاق قوافل الابل التي تشق الصحراء.

وتضرب الرياح بشكل متواصل المباني المتهدمة للبلدة التي كانت مزدهرة يوما ما والكائنة في منطقة معزولة في أكثر المناطق القاحلة في جنوب شرق موريتانيا.

وعلى مدى قرابة ألف عام عبر التجار البدو هذه الصحراء متحدين العواصف الرملية ودرجات الحرارة القاسية بحثا عن "الذهب الابيض" وهو الملح الذي يتم جمعه من على سطح الارض في تيشيت والذي يعرف بالسبخة.

وقال موسى محمد وهو سائق للابل بلغة فرنسية متكلفة وحسب تقرير نقلته رويترز، "مشينا لمدة ستة أيام من نيما للحصول على هذا الملح" وكان يشير الى بلدة تقع على بعد 300 كيلومتر الى الجنوب الشرقي في الصحراء.

وقال بفخر بينما كان يجلس برفقة زملاء له يشربون نوعا من الشاي بالنعناع "قاد جدي قافلة الجمال هذه في الماضي."

ويترسب ملح التربة عندما تسخن حرارة الشمس قاع بحيرة جافة بعد أمطار يوليو تموز مما يؤدي الى سحب السائل الى السطح حيث يتحول بفعل الحرارة الى طبقة سميكة من الملح المختلط بالرمل. ويمكن اعادة تنقية ذلك من أجل الاستخدام الادمي كما يشيع تغذية الماشية عليه لما يحتوي من مواد معدنية غنية.

ويباع هذا الملح في الاسواق بأنحاء حزام منطقة الساحل القاحلة من دجيني في مالي وحتى اجاديز في النيجر حيث عادة ما يجد طريقه الى مزارع يمكن فيها مشاهدة الماشية في ظل النخيل تلعق قالبا من الملح.

وفي تيشيت التي كانت تشتهر يوما ما بمدرسة لتحفيظ القرآن يكافح الناس من أجل البقاء بسبب التآكل البطيء لتجارة القوافل.

وتقف المساجد المزخرفة خاوية من الرواد كما ترفض الامهات..مثلما يحدث في بعض بلدان غرب أفريقيا الاخرى..تحصين أطفالهن والامراض متفشية بالبلدة أيضا.

وقال محمد سي طبيب البلدة الذي تلقى تدريبا في تونس "لا يمكنني التكيف مع مثل هذه الحياة البدائية."

وتكابد النساء والاطفال تحت أشعة الشمس المحرقة لتكسير الطبقة الملحية ويستخدمون حجرا فقط في العادة قبل أن يقوموا بجمعها في أجولة أو في جلود الماعز لتنقلها قوافل الجمال.

وقالت الفتاة الصغيرة عائشة "اذا كنا نرغب في كسب أي أموال.. يجب أن نجمع هذا الملح... تعال وساعدنا."

وكانت القوافل عبر الصحراء هي الوسيلة الرئيسية للتجارة بين المنطقة المطلة على البحر المتوسط وغرب أفريقيا بين القرنين الثامن والسادس عشر حيث بدأت ممرات بحرية جديدة في التغلب عليها تدريجيا بعد ذلك.

وفي أيام امبراطورية غانا ومن بعدها مملكة مالي كان يجري تداول ملح البحر المتوسط مقابل الذهب الافريقي الوفير، ونشأت تيشيت حول هذه التجارة في القرن الثاني عشر.

وكان ثراء مدينة تمبكتو التجارية في مالي تحول إلى أسطورة في اوروبا والعالم العربي، فقد وزع أشهر ملوكها مانسا موسى خلال رحلة الحج التي قام بها في عام 1324م كميات كبيرة من الذهب في طريقه بالقاهرة لدرجة تسببت في انخفاض سعر الذهب لمدة عشر سنوات.

ولا يزال الجمل العربي وحيد السنام الذي تم جلبه إلى المنطقة قبل نحو ثلاثة آلاف عام هو العمود الفقري لهذه التجارة الآخذة في التراجع.

ويمتلك الجمل الذي تكيف على حياة الصحراء قدرة تجعله الحيوان النموذجي القادر على التحمل حيث يمكنه السير عشرة أيام دون شرب الماء في درجة حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية في العادة كما يمكنه العيش لمدة شهر على كيلوجرامين فقط من الحشائش.

وتختزن تلك الابل في اسنمتها أنسجة دهنية تمدها بالطاقة والمياه كما يمكنها غلق فتحتي الأنف في مواجهة العواصف الرملية.

وتوجد لدى الابل خلايا دموية تكيفت بشكل خاص للتعامل مع الجفاف الشديد ولديها معدة قوية.

ويعد القرويون في تيشيت الابل ذات قيمة عالية بسبب جلودها واصوافها وبسبب الحليب الذي تنتجه وهو أعلى في القيمة الغذائية من الماشية الأخرى.

وبعد حياة يقضيها الجمل في العمل يتم اقتياد الجمل كبير السن إلى مجزر القرية. ويعد كبد وسنام الجمل وجبات شهية مرغوبة.

وعلى مدى العام عدا شهر مايو آيار حيث ترتفع درجات الحرارة بشدة يصل المئات من الابل يوميا إلى تيشيت، ويقود قادة القوافل قطعانهم إلى القرية ثم يقومون بربطها في وضع الجثوم على الركبتين لابقائها هادئة.

وتضم القافلة الواحدة نحو 50 بعيرا ويستغرق تحميل القافلة بالملح يومين وسط أصوات متنافرة للجمال ومفاوضات مع باعة الملح.

ويحمل كل بعير أربعة أجولة يزن كل منها 50 كيلوجراما.

وغادرت قافلة بلدة تيشيت متجهة إلى بلدة عيون العتروس على بعد نحو 200 كيلومتر حيث يأمل الرجال في بيع حمولتهم مقابل ثلاثة الاف اوقية (11 دولار) للجوال الواحد.

ويحمل حادي الابل معه قربا من جلد الماعز مملوءة بالماء وقد تكون وجبتهم الدائمة كسرات من الخبز أو بعض التمرات الجاف.

وتسير القافلة ببطء فيما يراقب حادي الابل الذي يسير حافي القدم أجولة الملح للتأكد من عدم فقد أي جزء من الشحنة الثمينة.

وقد يؤدي عدم إحكام ربط الحبل بين الجمال إلى تشتت القافلة سريعا.

وقال أحد قائدي الابل في القافلة "نسير دون توقف طوال اليوم من الصباح حتى الليل، لكن لا أحد يشكو أبدا.. أبدا."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 25 شباط/2007 -8/صفر/1428