ايران بين محاصرة عقوبات مجلس الامن الدولي وهجوم امريكي محتمل

 يبدو ان الشرق الاوسط وصل قريبا من طريق اللاعودة اذ يستمر التهديد والوعيد بين مختلف اطراف النزاع الاقليمية عموما وبين امريكا وايران من جهة خاصة، وتمثل ايران ثقلا اقليميا بابعادها الجغرافية وقدراتها البشرية والعسكرية وامتلاكها ادوات التاثير المباشر على اغلب دول المنطقة من خلال منظمات او جهات اقليمية ترتبط بها، اضافة الى طموح نووي لا يمكن معرفة حدوده، وبالمقابل تصر امريكا على انهاء او تحجيم المشروع النووي الايراني مهما كان الثمن، والحد من التاثير الاقليمي لايران خاصة في العراق حيث تريد امريكا الخروج منه كمنتصر في الحرب على الارهاب وبيانه كنموذج ديمقراطي في المنطقة.

وكشفت اذاعة بي بي سي الاخبارية في صفحتها على الانترنت وفي نشرتها الاذاعية العربية أن الخطط الأمريكية البديلة لضرب ايران جويا لا تشمل المواقع النووية فحسب بل تمتد الى معظم البنى التحتية العسكرية في مختلف انحاء البلاد.

ويأتي الكشف عن تلك الأنباء فيما اعلن الاسطول الخامس الامريكي ان حاملة الطائرات الامريكية "جون سي ستينيس" التي اعلن الرئيس الامريكي جورج بوش الشهر الماضي ارسالها الى الشرق الاوسط، وصلت الاثنين الى وجهتها حيث انضمت الى حاملة الطائرات "دوايت دي ايزنهاور".

وقالت بي بي سي أن أي هجوم من هذا النوع في حال شُنّ سيستهدف القواعد الجوية الايرانية والقواعد البحرية ومنصات الصواريخ ومراكز القيادة العسكرية.

وتشدد واشنطن على أنها لا تخطط لهجوم بل تحاول التوصل دبلوماسيا الى حمل طهران على تعليق تخصيب اليورانيوم.

وقد حثت الأمم المتحدة طهران على وقف برنامجها كبديل وحيد عن العقوبات الاقتصادية، لكن مصادر دبلوماسية قالت لبي بي سي ان مسؤولين رفيعين في القيادة العسكرية الأمريكية في فلوريدا قد اختاروا الخطة البديلة مع كل الأهداف العسكرية في الداخل الايراني، وتضم لائحة الأهداف معمل التخصيب في نطنز ومنشآت في أصفهان وأراك وبوشهر، حسبما قالت المصادر.

ويقول مراسل بي بي سي للشؤون الأمنية فرانك غاردنير، أي تأكيد عن أن ايران تطور سلاحا نوويا، وهو ما تنفيه طهران، سيعتبر ذلك كافيا لشن الخطة الأمريكية. لكن المراسل يضيف أن حتى هجوما واسعا على القوات الأمريكية في العراق قد يدفع الولايات المتحدة الى بدء حملة قصف لايران اذا تم التأكد من أن الهجوم مصدره المباشر ايران.

ويتوقع أن تستخدم طائرات " بي 2" الطويلة المدى قنابل تخترق الملاجئ في محاولة لاختراق معمل نطنز، وهو يقع حوالي 25 مترا تحت الأرض.

وتقول مراسلة بي بي سي في طهران فرانس هاريسون ان الايرانيين يتخوفون الآن من الأنباء التي تفيد بأن ثمة احتمالين لشن الحرب، وتضيف أن السلطات تصر على أن لا سبب للتخوف، غير أن الناس العاديين باتوا يعربون عن بعض القلق.

وفي وقت سابق من هذا الشهر قال مسؤولون أمريكيون انهم يملكون اثباتا على أن ايران توفر سلاحا لمليشيات شيعية في العراق، وفي ذلك الوقت قال الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد ان المقصود من ذلك توفير"حجج لبقاء" القوات الأمريكية في العراق.

لكن عددا من المحللين أعرب مؤخرا عن تخوفه من نتائج كارثية في حال هاجمت واشنطن ايران، وقال السفير البريطاني السابق في طهران السير ريتشارد دالتون لبي بي سي ان ذلك قد يكون له أثر تشجيع ايران على تطوير سلاح نووي على المدى الطويل، وتصر ايران على أن برنامجها النووي سلمي، لكن دولا غربية تعتبر أنها تحاول تطوير سلاح نووي.

وطالب مجلس الأمن الدولي ايران بتعليق تخصيب اليورانيوم قبل الـ21 من شهر فبراير الجاري، وفي حال لم تقم بذلك، هدد بفرض مزيد من العقوبات عليها.

ويأتي وصول حاملة الطائرات الأمريكية الثانية الى المنطقة فيما قال بيان نشر في المنامة مقر الاسطول الخامس الامريكي ان حاملة الطائرات جون سي ستينيس دخلت الاثنين منطقة عمليات الاسطول الخامس خصوصا لتقديم دعم للقوات البرية العاملة في العراق وافغانستان.

واوضح متحدث باسم الاسطول الخامس لوكالة ( فرانس برس) ان حاملة الطائرات كانت موجودة صباح الثلاثاء في بحر عمان اي قبالة سواحل باكستان شمال شرق منطقة عمليات الاسطول الخامس، واضاف ان دوايت دي ايزنهاور التي غادرت سواحل الصومال في الرابع من فبراير كانت موجودة اليوم في بحر عمان.

من جهة اخرى اعتبر وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس قبل ايام ان ارسال حاملة الطائرات جون سي ستينيس يشكل رسالة موجهة الى ايران التي وصف موقفها بانه سلبي جدا.

وخلال مقابلة مساء الاثنين في المنامة مع مجموعة صغيرة من الصحافيين بينهم مراسل وكالة فرانس برس، قال القائد المنتهية ولايته للاسطول الخامس الاميرال باتريك والش ان حاملة الطائرات هذه ستقدم بشكل اساسي دعما للعمليات في افغانستان. ولم يعرف موعد دخول حاملتي الطائرات الخليج، حيث ان البحرية الامريكية لا تكشف عن تحركات سفنها.

وقال قائد حاملة الطائرات هذه الاميرال كيفن كوين كما نقل عنه البيان ان جون سي. ستينيس موجودة هنا للمساهمة في تعزيز الاستقرار والامن في المنطقة.

وحاملة الطائرات هذه التي يوجد مقرها في بريميرتون بولاية واشنطن (شمال غرب الولايات المتحدة)، تضم حوالى ثمانين طائرة بينها مقاتلات هجومية من نوع »اف ـ ايه 18«.

واتهم  نائب الأميرال باتريك والش، قائد القوات البحرية المركزية، قائد الأسطول الأمريكي الخامس، وقائد القوات البحرية المشتركة، الجمهورية الإيرانية الإسلامية، ببعث رسائل استفزازية ومحرضة جراء المناورات العسكرية في مياه الخليج حسب تقرير(CNN).

اتهام والش غير الاعتيادي صرح به علنا في لقاء مع الصحفيين من المقر الرئيسي لقيادته في البحرين، الاثنين.

وأضاف المسؤول العسكري الرفيع أنه لا يريد أن يضيف إلى التوتر القائم أصلا بين بلاده وإيران، غير أنه أكد أن الاتجاه الذي تتبناه إيران مثير للقلق.

وقال والش إن المناورات العسكرية البحرية التي نفذتها إيران في مضيق هرمز، المنفذ إلى الخليج هي مصدر قلقه المتنامي.

يُذكر أن قرابة ربع المعروض العالمي (20 في المائة) من النفط يمر عبر مضيق هرمز، الذي يبلغ عرضه 34 ميلا، ويكتسب أهمية استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وتقع إيران على الساحل الشمالي، والإمارات العربية المتحدة وعُمان على الساحل الجنوبي.

وأعرب قائد القوات البحرية المركزية عن قلقه من التحركات الإيرانية قائلا إن "تركيز إيران على هذا الجزء المحدود من الخليج والذي يخدم كشريان اقتصادي لدول المنطقة، هو كما نستنتج عمل نفذ بقصد التحريض، والاستفزاز ونشر الخوف" لدى دول المنطقة.

تصريحات والش تأتي في وقت يسعى فيه مستشارو الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى تقليل المخاوف بأن الحرب في العراق والمستمرة منذ قرابة أربعة أعوام قد تؤدي إلى صراع أوسع مع إيران.

وكان وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس قد أكد الخميس الماضي أن البيت الأبيض لا يسعى لإيجاد مبررات  لشن حرب ضد إيران.

إلا أن ناقوس الخطر دق لدى المسؤولين الأمريكيين مع التدخل الإيراني بالشؤون العراقية وقرارها بتعزيز قوات دفاعها الجوية والبحرية في مياه الخليج.

وكان عدد من المسؤولين العسكريين أعلنوا لشبكة CNN الاثنين أن إيران تقوم بتفحص الإجراءات الأمنية المتخذة من قبل القوات الأمريكية والعراقية قرب منشآت النفط العراقية المطلة على شمال مياه الخليج، إلا أنهم شددوا أن واشنطن لا تعتبر هذا التحرك حتى الآن عدائيا أو استفزازيا.

وكان جون نيغروبونتي مدير الاستخبارات القومية الامريكية السابق قد علق على ما تفعله طهران بالقول: بدأت ايران تلقي ظلالها على كل الشرق الاوسط.

الا ان الولايات المتحدة تؤكد انها لا تعتزم مهاجمة منشآت ايران النووية. وقال وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس: «اننا لا نخطط لحرب مع ايران». لكنه لم يبعد الخيار العسكري عن الطاولة.

ويرى بعض المحللين ان الرئيس بوش، الذي لا يواجه مسألة اعادة انتخابه مجددا، لن يغادر مكتبه دون حل المشكلة الايرانية، لا سيما اذا بدا ان ديموقراطيا سيخلفه في منصبه. وهذا يشير على الاقل لاحتمال قيامه بتوجيه ضربة عسكرية لايران.

ومن الواضح ان اولئك المهتمين جدا بتجنب صراع مع ايران حول طموحاتها النووية، يعلقون آمالهم الآن على الدبلوماسية المقرونة بالعقوبات.

وكانت طهران قد رفضت باستمرار عرضا قبل اكثر من سنة تقدمت به كل من بريطانيا  وفرنسا و المانيا وامريكا وروسيا والصين لوقف نشاطاتها المثيرة للقلق.

تضمن ذلك العرض الآتي: بدء حوار مع امريكا، تحسين الروابط السياسية والتجارية معها ومع الغرب، تعاون مشترك في التكنولوجيا النووية التي تسمح لايران بانتاج الكهرباء، وليس الاسلحة، ومناقشة مسائل الامن الاقليمي، والآن ثمة إجراءات أكثر قسوة يجرى النظر بها.

فبعد أشهر من الجدل والمشاحنات، أصدر مجلس الأمن الدولي في أواخر ديسمبر القرار رقم 1737 الذي يأمر إيران، ولا يطلب منها، بالتوقف والامتناع عن القيام بنشاطات نووية مريبة، كما جرى فرض عقوبات على عشر مؤسسات و12 شخصا لعلاقتهم ببرامج إيران النووية أو الصاروخية.

ومن المتوقع اتخاذ إجراءات أخرى ضد إيران ما لم تعلق خلال أقل من شهرين عملها المتصل باليورانيوم والبلوتونيوم وتستأنف المحادثات.

لكن بالرغم من هذا لاتزال إيران تتخذ موقف التحدي فقد وصف رئيسها قرار الأمم المتحدة بأنه مجرد «قصاصة ممزقة من الورق».

ولاشك أن مثل هذا الموقف ليس من مصلحة إيران، فهي تعتمد إلى حد كبير على التجارة وليس فقط النفط كما أن ثلثي سكانها تحت الثلاثين من العمر والبطالة مرتفعة وهناك حاجة ماسة لجذب الكثير من الاستثمارات الخارجية من أجل صناعة النفط والغاز وتمويل عمليات إنشاء الطرق وغير ذلك من المشاريع الأخرى.

لذا، في الوقت الذي تخصص فيه الحكومة المال لبعض الأعمال التي تتسم بالأولوية مثل بناء مصاف نفطية جديدة تكافح أيضاً لجذب مقاولين دوليين يتمتعون بسمعة طيبة للمساعدة في بناء هذه المصافي وهنا يمكن أن يكون للعقوبات فرصة افضل للنجاح أكثر مما كان عليه الأمر مع كوريا الشمالية لكن هل هذا كاف بحد ذاته؟

فبالنسبة لنظام إيران الديني الحاكم يعتبر الحصول على تكنولوجيا نووية متقدمة هو الوسيلة الوحيدة لاكتساب قوة إقليمية لا تقاوم إذ بإعلانه إيران عضوا في «النادي النووي» سيتمكن أحمدي نجاد من وضع بلاده على قدم المساواة مع الهند، الصين، وإسرائيل.

وعلى المستوى الداخلي يرى المسؤولون أن الإنجازات النووية هي الوحيدة التي تتيح حشد التأييد الشعبي حول حق إيران في الحصول على أي نوع من أنواع التكنولوجيا النووية التي تختارها.

ويرى النظام أن بمقدور إيران تجاوز العقوبات وهذا صحيح حتى الآن، فالإيرانيون العاديون لا يشعرون بها حيث لا تزال المحال التجارية في طهران تغص بالسلع الأجنبية من أجهزة التلفزيون المتنوعة الاشكال إلى الـ«كورن فليكس» - رقاقات الذرة-.

ولاتزال إيران تسعى بقوة لاستغلال ما ترى أنه انقسامات داخل مجلس الأمن ولاسيما أعضاؤه الستة الأكثر وزنا الذين قادوا المساعي الديبلوماسية ضدها.

والواقع أن هؤلاء يشكلون مجموعة متباينة من ناحية المصالح والأهداف فروسيا التي كان المسؤولون الإيرانيون يعتمدون عليها لحمايتهم من الضغط الدولي تعمدت التلكؤ في الأمم المتحدة فقد علمت أن امريكا كانت متلهفة للنتائج وتريد استعراض عضلاتها لكن روسيا كانت بحاجة ايضا لحماية استثمارها في المفاعل النووي الذي تبنيه لإيران في بوشهر.

ولذا جرى تضمين القرار 1737 بعض الاستثناءات لتمكين الشركات الروسية من الحصول على تكاليف الإنشاء وهنا لابد من الإشارة إلى ذلك الاتفاق الذي قضى ببيع صواريخ روسية مضادة للطائرات لإيران لتتمكن من حماية مواقعها النووية من الهجمات الجوية التي قد تستهدفها.

كما أن الصين التي تعتبر من أكبر زبائن إيران النفطيين ليست أقل اهتماما بشأن العقوبات على ايران من روسيا، لكن بالرغم من الاختلافات، تمكن الأعضاء الأساسيون الستة في مجلس الأمن من المحافظة على موقف موحد.

وفي هذا الاطار، استطاعت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس خلال العام الماضي اقناع الرئيس بوش الابقاءعلى المسار الدبلوماسي في مسألتين: القبول بان يكون لايران برنامج نووي سلمي لا عسكري، والموافقة على انضمام الولايات المتحدة لأي محادثات جادة مع ايران في أي وقت وأي مكان اذا قررت طهران تعليق العمل في برنامجها النووي.

ومثّل هذا فيه تنازلان كبيران مما تحب ايران وصفه بـ «الشيطان الأكبر». وبالرغم من موقف روسيا المشاكس لأمريكا في هذه القضية الا انها أجّلت أكثر من مرة تأمين الوقود النووي لبوشهر.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 22 شباط/2007 -4/صفر/1428