الدراسات الترجمية/ العبر – ثقافية
Translation/ Intereultural Studies
تنامت الدراسات الترجمية أو الدراسات المتصلة بالترجمة على مدى
العقدين الماضيين متفرعة من الأدب المقارن ومكتسبة في تلك الأثناء
قدراً كبيراً من الاستقلال جعل بعض العاملين فيها ينادون بالانفصال
التام بينهما لاختلاف الحقلين من ناحية، ولما يرونه من تضاؤل في أهمية
الأدب المقارن من ناحية أخرى.
لقد ظلت الترجمة على مدى القرون نشاطاً متصلاً ومعترفاً بأهميته
لكنه يعامل معاملة دونية كنشاط ثانوي أو تابع لأنشطة ثقافية أكثر أهمية
منه، وقد نظر المترجمون إلى أنفسهم على هذا النحو، كما نظر إليهم
الدارسون في التخصصات الأخرى.
ففي القرن السابع عشر كتب الناقد والشاعر الإنكليزي درايدن في
إهداء ترجمته لملحمة الشاعر الروماني فيرجل الإنيادة واصفاً عمله وعمل
غيره من المترجمين: (نظل عبيداً يعملون في حقل إنسان آخر، نزرع العنب
ولكن النبيذ لصاحب الأرض)، وفي تعابير أخرى تسود، وإن بحدة أقل ربما،
نظرة مشابهة تجعل المترجم تابعاً وناقلاً ومكرراً أو، كما في المثل
الإيطالي المشهور، خائناً، بينما توصف الترجمة بأنها إعادة صياغة
وتقليد وفي كثير من الأحيان تشويه للأصل.
وقد تأصلت هذه النظرة في الأدب المقارن خاصة ما كان منه ثنائياً، أي
قائماً على مقارنة أدبين فقط، فاشترط أن يكون المترجم متقناً للغتين
المقارنتين دون اعتماد على الترجمة، أما في كتب الأدب المقارن فالعادة
أن يفرد للترجمة فصل واحد ضمن فصول أخرى حول أبواب المقارنة.
غير أن هذا الوضع ما لبث أن أخذ في التغير في السبعينيات من القرن
المنصرم حين نشرت مجموعة من الباحثين في طليعتهم الإسرائيلي إتامار
إيفان زوهار مقالات تنتقد النظرة السائدة للترجمة وتدعو إلى نظرة
مخالفة قوامها النظرية المعروفة في علم اللغة بنظرية سابير – وورف
القائلة بأن اللغات ليست متساوية في أنظمتها ومفرداتها، بل إن لكل لغة
نظامها اللغوي المستقل الذي يعكس الثقافة المحيطة، بوصف هذه الأخيرة
انعكاساً للبيئة التي يعيش فيها الإنسان والتي تحكم تفكيره وبالتالي
لغته.
كما أن من معالم النظرية الجديدة التي دعا إليها زوهار ومجموعته في
جامعة تل أبيب ضرورة المساواة بين المترجم والمترجم له بمعنى القضاء
على الطبقية التي ما فتئت تهيمن على الترجمة، وكذلك التخلي عن النظرة
التقليدية التي تؤكد على (الدقة) و(الأمانة) كقيمتين أساسيتين في
الترجمة، ثم ترسخت هذه الدعوة الجديدة إلى ما أطلق عليه زوهار ومجموعته
لأول مرة (الدراسات الترجمية) بفعل التوجه ما بعد البنيوي أو ما بعد
الحداثي وتأثير النقد النسوي والتقويضي الذي عاد إلى الخطاب السائد في
الترجمة فكشف عما ينطوي عليه من تحيزات وتناقضات.
التقويض
Deconstruction
التقويض هو المصطلح الذي أطلقه الفيلسوف الفرنسي المعاصر جاك دريدا
على القراءة النقدية (المزدوجة) التي أتبعها في مهاجمته الفكر الغربي
الماورائي منذ بداية هذا الفكر حتى يومنا هذا.
وقد حاول بعضهم نقل هذا المصطلح إلى العربية تحت مسمى (التفكيك)
لكن مثل هذه الترجمة لا تقترب من مفهوم دريدا، حالها في هذا حال مصطلح
التقويض.
على أن (التقويض) أقرب من (التفكيك) إلى مفهوم دريدا، فالتقويض على
نقصه لا يلتبس بمفهوم رينيه ديكارت وميكانيكية تفكيكه للمفاهيم.
إضافة إلى ذلك، فالتقويض لا يقبل مثل ما يذهب إليه أهل التفكيك في
مقولة (البناء بعد التفكيك) كما أن مفهوم التقويض يتناسب مع الاستعارة
التي يستخدمها دريدا في وصفه للفكر الماورائي الغربي، إذ يصفه باستمرار
بأنه (صرح) أو معمار يجب تقويضه، ولئن أنطوى مفهوم التقويض على انهيار
البناء، فإن إعادة البناء تتنافى مع مفهوم دريدا للتقويض، إذ يرى في
محاولة إعادة البناء فكراً غائياً لا يختلف عن الفكر الذي يسعى دريدا
إلى تقويضه.
وعلى الرغم من خصائص التقويض هذه، إلا أن دريدا يصر على عدم ارتباط
مشروعه بالهدمية والعدمية، بل يرى قراءته التقويضية هي قراءة مزدوجة
تسعى ا لى دراسة النص (مهما كان) دراسة تقليدية أولاً لإثبات معانيه
الصريحة، ثم تسعى إلى تقويض ما تصل إليه من نتائج في قراءة معاكسة
تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معان تتناقض مع ما يصرح به، تهدف
القراءة التقويضية من هذه القراءة إلى إيجاد شرخ بين ما يصرح به النص
وما يخفيه (بين ما يقوله النص صراحة وبين ما يقوله من غير تصريح).
في مشروع القراءة هذا يقوم التقويض بقلب كل ما كان سائداً في
الفلسفة الماورائية سواء كان ذلك هو المعنى الثابت أو الحقيقة القارة
أو العلمية أو المعرفة أو الهوية أو الوعي أو الذات المتوحدة، باختصار
كل الأسس التي يقوم عليها الخطاب الفلسفي الغربي، ويمكن القول إن دريدا
يسير على أثر كل من نيتشه وهايدغر، لكنه تجاوز ما قد نادوا به حينما
وجده لا يختلف عما قالت به الميتافيزيقا الغربية عبر تاريخها. |