إن مجاهدة النفس وايقافها عن غيها من أولى مسلمات قوة الإيمان لدى
المؤمن بالله، ولا تجعله ينحدر بتدهورها إلى اسفل السافلين، حيث تصل
حالات الاكتئاب الشديدة بالفرد إلى الانتحار، وإنهاء حياته المؤلمة ولا
سيما أن الشخص المكتئب يرى الحياة بانها عديمة الجدوى، وانها كفاح طويل
وعقيم، ولحظات الفرح فيها والسعادة اقل بكثير مما فيها من مشقة وجهد،
إلا أن قوة الإيمان لدى الفرد المؤمن المدعوم بثباته على دينه يستطيع
أن يناضل ويجاهد تدهور حالته النفسية والعقلية في مرض الاكتئاب.
فهو لا يتجه بعدوانه نحو الذات، كما هو معروف لدى مرضى الاكتئاب
وانما يتسامى ويعلو بايمانه بالله وصلاته وقراءاته المستمرة والدائمة
للقرآن الكريم، تؤدي به إلى التخفيف من شدة الضغط الداخلي فيتحول هذا
إلى أسلوب من أساليب التعامل مع الضغوط النفسية المؤدية إلى التدهور..
فينتج منه مغالبة التدهور والانتصار عليه...
فالمؤمن يعتقد اعتقاداً لا شك فيه أن النفس الإنسانية، خلقها الله
في أسمى صورها، وهو بارئها وهو قابضها في أي حين... فلا يدانيه أي شك
في هذه الأفكار، لذا لا يصل به التدهور المرضي الداخلي إلى حالة
الانتحار.. وكما هو السائد في الثقافات الشرقية والغربية، فالمجتمعات
الشرقية والغربية تجعل من الدين وظيفة لمعاملات دنيوية، تنظم الحياة
الوضعية، فمعظم المجتمعات التي تتخذ مذاهب أو فلسفات أو أدياناً
مختلفة، حينما تعصف بها الأزمات المرضية وتتدهور لتصل إلى اعمق مستوى
من البدائية في السلوك الإنساني، وهو الحيوانية. مما يؤدي بها هذا
التدهور الصحي إلى اختلال العقل واضطرابه، وهو العامل الأساسي الذي
يفرق المؤمن عن غير المؤمن.. عندما يضرب المرض النفسي والعقلي في كيانه
البشري ويجعله يفقد مقومات وجوده.
ومؤخرا بدات البحوث تثبت علميا ان قوة الايمان ممكن ان تساهم الى حد
كبير في الشفاء من اخطر الامراض التي يصاب بها البشر.
وأجرى الباحثون في مركز سان رفائيل بيسانا لاعادة التأهيل في
العاصمة الايطالية روما مقابلات مع 132 شخصا نجوا من السكتة الدماغية
بشأن معتقداتهم الدينية ومدى تعلقهم بالقيم الروحية، وكان متوسط عمر
عينة الدراسة 72 عاما حسب مانقلته رويترز.
وقال الدكتور سالفاتور جياكنتو رئيس ادارة اعادة التأهيل بالمركز
"تتزايد احتمالات تلقي المتدينين النشطاء في مجتمعاتهم لدعم خارجي من
متطوعين. وهذا الدعم الاجتماعي يشعرهم بالاهتمام بهم والحب والتقدير.
وبالتالي فان الاحساس بمساندة الآخرين والخلفية الايمانية تجعل المرضى
يشعرون انهم ليسوا وحدهم."
وذكر تقرير في دورية سجلات الطب النفسي العام ان الاكتئاب يزيد فيما
يبدو مخاطر تصلب الشرايين وهي حالة يمكن ان تؤدي الى الاصابة بأزمات
قلبية وجلطات في المخ ومجموعة اخرى من المشاكل المتعلقة بالقلب وتصلب
الشرايين.
وقال الدكتور جيسي سي. ستيوارت من جامعة بردو بانديانابوليس لرويترز
ان الحالة النفسية للمرضى تؤثر على الطريقة التي يعيشون بها كما يمكن
ان يكون لها "تأثير كبير" على حالتهم الجسدية ومن بينها صحة القلب
والشرايين.
ودرس ستيوارت وزملاؤه دور الاكتئاب والقلق والغضب في الاصابة بتصلب
الشرايين لدى 324 رجلا وامرأة بين الخمسين والسبعين من العمر.
وقيمت اختبارات الاعراض مدى الاصابة بالاكتئاب والقلق والغضب كما
قيمت في ان واحد حجم الاصابة بتصلب الشرايين من خلال الاشعة التي تقيس
سمك جدران الشرايين السباتية في الرقبة التي تحمل الاكسجين الى مخ
الانسان.
وقال الباحثون إن أعراض الاكتئاب ارتبطت بحدوث التصلب خلال الدراسة
التي استمرت ثلاث سنوات بينما لم ترصد الدراسة علاقة بين اعراض القلق
والغضب وحدوث التصلب.
ووجد الباحثون ان تناول جرعة متزايدة من الكحوليات يوميا ارتبط
بتغيرات أكبر في تصلب الشرايين بينما ارتبط استخدام مضادات الاكتئاب
ومن بينها زولوفت وبروزاك بتغييرات أقل.
وأضاف ستيوارت "قد يؤدي مزيد من الدراسات التي تفحص مشاعر سلبية عدة
الى تحديد جوانب خاصة من المشاعر السلبية التي لها تأثير ضار على صحة
القلب والشرايين."
وكثيرا ما يؤكد المتدينون بأن قوة الايمان والدعاء يمكن ان يسهما في
شفاء المرض.
الباحث الدكتور سعد الامارة يقول في مقال له في مجلة النبأ، إن
المرض النفسي (العصابي) يتميز بحدود واسعة وأعراض كثيرة، تتفاوت في
شدتها ودرجة قوتها وتنوعها، وفي أحيان أخرى تبتعد كثيراً عن خط السواء،
أو تقترب من خط السواء، طالما أن الخط يقع على متصل واحد، أحد طرفيه
السواء، والطرف الآخر المرض، ولكن تبقى المشكلة الأساسية هي نقطة
الالتقاء بين طرفي الخط المتصل، والتي تسمى علمياً (الحالة البينية
Borderline). فالأشخاص القريبون من هذه النقطة يعدون من الاسوياء،
طالما انهم على طرف السواء، ويعدون من المرضى، طالما هم ضمن الطرف
الآخر (أي المرض) قريباً من نقطة الالتقاء. لذا كان من المشكلات الجمة
التي واجهت المختصين في دراسات النفس الإنسانية ومقتضيات تصنيفها أن
يحددوا حالات المرض النفسي المطلق. أو حالات السواء النفسي المطلق.
إن مريض الاكتئاب في الحالات الحادة، يوجه اللوم نحو ذاته، ويعتقد
اعتقاداً كاملاً بأنه مسؤول عن كل هذه الآثام والجرائم التي ارتكبها
بحق نفسه، وهو المسؤول عن كل النكبات التي حلت بالناس.
أما اكتئاب سن القعود، ويسمى بالاكتئاب الارتدادي، فهو اكتئاب يحدث
للإنسان في النصف الثاني من عمره بسبب التقدم في السن وما يصحب ذلك من
ضعف في الحيوية، وتختلف بداية هذا السن عند الرجال والنساء، فهي عند
المرأة من سن 40-50 تقريباً وعند الرجال من سن 50-60 أي عند سن القعود،
ويشعر المريض بالشك والقلق والهم والهذاء، وأفكار الوهم، والتوتر
العاطفي والهواجس السوداوية، وتتميز النساء بانهن اكثر من الرجال عرضة
لهذا النوع من المرض. وتركز كثير من المريضات افكارهن حول أخطاء قديمة
حقيقية أو وهمية يشعرن انهن سيحاكمن عليها إلى الأبد.
ويمكننا أن نستدل بقوة العلاج الديني على حالات المرض النفسي
والعقلي من النظريات التي عنيت بعلاج تلك الحالات، فترى نظرية التحليل
النفسي أن الدين له فعل وقاية الفرد من الحالات المرضية وذلك انه يبعده
عن العزلة التي تمثل ابتعاده عن الالم، ويعطيه شعور الاطمئنان
بالانتماء إلى الهوية الجماعية، ويسهل عليه الاتصال بما هو عقلاني بدون
وجل عظيم. ويرى (أدلر - محلل نفسي) أن الإنسان... طبقاً لنزعته الجسدية
والنفسية... عليه أن يجاهد باستمرار نحو المحافظة على النفس والارتقاء،
وبهذه الكيفية فإنه يؤثر الطريق للهدف المتوازن والمتكامل...
ومما تقدم يمكن أن نستدل بان العلاج الديني الروحي يلعب دوراً مهماً
وحاسماً في نقل الإنسان من حالة المرض والتدهور في متاهات التفكير
والمشكلات النفسية إلى طريق الهداية والعودة بالعقل إلى الاستغفار
والتوبة من خلال ذكر عظمة الخالق وتمتين الصلة بالله عن طريق الصلاة
والدعاء. وهذه الأساليب تقوي شعور المريض بالانتماء، وهذه التقوية تحدث
التأثير اللازم وتساعده على مواجهة مشاكل واقعية لم يستطع مواجهتها، أو
على حل صراعات نفسية قائمة تعذر عليه حلها. ومن تلك الأساليب أيضا،
عمليات التطمين والزيارات والمواساة والتشجيع، وهي تخدم غرض تحقيق عدة
أهداف في حياة الفرد، ومنها مساعدته على استعادة قوته الروحية، وإشعاره
بأنه غير وحيد في عالمه مما يسهل عليه مواجهة مشاكله وحلها. وهي تؤدي
غالباً إلى أن يعدل الإنسان طريقه إلى ما يراه. |