بعد ايام من اعدام الرفيق القائد صدام ، وانا احلق في فضاء الشبكة
العنكبوتية ، وجدت نفسي يدفعني الفضول ، لأسأل احد الاعراب ، عن رأيه
بما جرى صبيحة يوم العيد من اعدام لصدام حسين المجيد ، فكتب لي معبراً
عن فرحته وسعادته ، فقلت في نفسي "الحمد لله "هناك بين العرب ، من
يناصر الحق ويقف الى جانب الشعب العراقي المظلوم ، ويتفهم ويدافع عن
الملايين من ضحايا بطش الدكتاتور السابق ومقصلته الرهيبة.
اخبرته بدوري عن موقفي ومشاعري تجاه الحدث الكبير ، قائلاً:
"بالرغم من بغضي لصدام وما اقترفه من كبائر وأثام ، لم افرح ولم احزن
لاعدامه ، كوني من رافضي انزال عقوبة الاعدام ومن طالبي الغاء تلك
العقوبة الوحشية القاسية ، وابدالها بالمؤبد مع الاشغال الشاقة "، ولم
تمر سوى لحظات قليلة ، رد علي الاعرابي بالسباب والشتم ، وانا اقرأ ما
كتب مشدوهاً لا اعرف السبب ، كتب لي الاعرابي مجدداً ليخلصني من حيرتي
وينقذني من دهشتي ، ويقول " ان مصدر سعادتي وسبب فرحتي هو استشهاد
الرمز الرئيس البطل القومي صدام على ايدي امثالك من الاقزام
و............ " .
غريب امر العرب ، وهم يقفون الى جانب الظالم لا المظلوم ، والجاني
لا المجني عليه ، والحاكم لا المحكوم ، وعجيب امر العرب ، وهم يسكتون
ويصمتون صمت القبور ، على ما اقترفه شهيدهم "صدام " ايام حكمه وطغيانه
من مظالم يقشعر لها البدن ، وما ارتكبه رمزهم من مجازر فردية وجماعية
بكل انواع الاسلحة العادية والكيمياوية ، وما اقدم عليه بطلهم القومي
من اعدامات يومية سرية وعلنية .
لو فعلها العرب وكانوا منصفين ، وخرجوا الى الشوارع منددين بعمليات
الاعدام ، كما فعلوا يوم اعدام صدام ، تلك العمليات التي طالت مئات
الالاف من العراقيين ايام العهد البائد ، لسكنوا الشوارع من كثرة
التظاهر ، ولو اقام العرب مجالس العزاء للضحايا العراقيين الذين قتلوا
بأوامر من صدام ، لقضوا حياتهم وهم يرددون "عظم الله اجركم "، ولو فعل
العرب واعلنوا الحداد على ضحايا الاعدام في عهد صدام ، لكانوا امة
تتوشح بالسواد وتلطم رأسها من شدة الحزن ، ولو بكى العرب ضحايا الاهوار
والانفال كما بكوا صدام ، لما توقفت دموعهم للحظة ولا جفت ، ولو اقام
العرب التماثيل لضحايا قصر النهاية وابوغريب واقبية المخابرات لاصبح
سعر الحجر بسعر الذهب ، ولو ولو .......ياعرب .
العرب كانوا دائماً متميزين عن غيرهم من الملل والاقوام ، فقد خصهم
الله بالاسلام فجعلوا منه ارهاباً ، وخصهم بالذهب الاسود "فبذرو فيه
تبذيرا" ، واليوم يصر العرب على خصوصيتهم على نقيض كل الامم التي
تبرئت من طغاتها وجلاديها ، الالمان تبرئوا من هتلر والرومان من
شاوشيسكو والطليان من موسوليني والروس تنصلوا من ستالين ، لكن العرب
وعلى عكس الجميع ، يصرون على تميزهم وتفردهم ، ويخلطون بين الطغاة
والاحرار ، وبين الجبناء والابرار ، والجلاد والضحية ، ويطلقون على
الجلاد اسم شهيد ، وحتى يثبت البعض من العرب انهم متميزين جداً ،
يلقبون صدام بشهيد الشهداء وشيخ الشهداء والرئيس الشهيد ، وذهب بعضهم
الى الابعد من ذلك ، ليثبت انه فريد من نوعه ويختلف حتى عن غيره من بني
قومه ، فشبه الطاغية صدام بالشهداء والاولياء امثال عمر المختار وصلاح
الدين الايوبي ، وجعلهم وصدام في نفس المكانة والمقام .
وقفة العرب الاخيرة من قضية اعدام الديكتاتور السابق ، يظهر وبشكل
واضح مدى تفشي ثقافة الزعاماتية والتمجيد والطاعة العمياء ، وهي ظاهرة
ملازمة للمجتمعات المتخلفة الجاهلة والبدائية ، والا كيف يمكن تفسير
وتبرير رد الفعل العربي الرسمي والشعبي ، وتباكيه على طاغية مشهود له
بجبروته وبطشه ، واعتبار عملية الاعدام تصفية شيعية لرئيس سني ، وصدام
لم يكن لا هذا ولا ذاك ، ولم يكن سوى قومي بعثي حكم بالحديد والنار ،
واستباح كل الحرمات وقاد بلاده الى الهاوية ، وشعبه الى المهلكة ، موقف
الاعراب من اعدام صدام هو استخفاف بالعقل والحقيقة الثابتة والتي
لاتقبل الجدل ، كون الرئيس السابق صدام حسين هو احد اكبر المجرمين
الذين سيدخلون التاريخ .
ليس بغريب على امة العرب التي عرفت بحسها المرهف والقريحة الشعرية
القوية لابنائها ، ان تتغلب عندهم العاطفة على العقل ، والغريزة على
المنطق ، فمن خرج من العرب غاضباً على اعدام صدام ، ينتمي الى القوم
الذي يشعر ثم يفكر ، ويفكر لكي يبرر ما يشعر به ، ولا يفكر ثم يتحمس
لفكره ، وهذه هي مصيبة العربان من ال قحطان ، ونقطة ضعفهم وسبب تخلفهم
عن باقي الملل والنحل ، وتحمسهم للطغاة .
بغض النظر عن صحة وقانونية وعدالة محاكمة صدام حسين من عدمها ،
وبالرغم ان عقوبة الاعدام هي من الاحكام البشعة واللاانسانية وقد تم
بالفعل الغاءها في معظم تشريعات الدول المتحضرة ودساتيرها ، ومهما كانت
ظروف وحيثيات تنفيذ الحكم ، وسواء جرى تنفيده في يوم العيد او غير يوم
العيد ، يعتبر تنفيذ حكم الاعدام بصدام ، في نفس القاعة وبنفس الحبل
والطريقة ، صورة من صور العدالة الالهية في الارض ، ودليل قاطع ان الله
حق وهو يمهل ولا يهمل ، واذا كان هناك رجل في هذا الكون يحق عليه حكم
الاعدام فهو صدام ، وقد نال الرجل حقه ، وانتهى امره .
*كاتب سوري
d.mehma@hotmail.com |