دعا خبراء تربويون ولغويون عرب في مؤتمر (لغة الطفل العربي في عصر
العولمة) الى الاهتمام باللغة العربية في المناهج التعليمية والبرامج
الاعلامية الموجهة للاطفال محذرين مما اعتبروه غزوا لغويا.
وأشارت كلمة عبد العزيز التويجري المدير العام للمنظمة الاسلامية
للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) في حفل الافتتاح بمقر جامعة
الدول العربية بالقاهرة الى أن الطفل العربي أول من يتأثر بضعف اللغة
في سياق غزو الثقافات الاجنبية للسان العربي حيث لا يقل "التلوث
اللغوي" الذي يتعرض له الاطفال في خطورته عن أي نوع اخر من التلوث.
وحث التويجري على اصلاح لغة الطفل العربي وتقويم لسانه وتحبيب اللغة
العربية اليه مشيرا الى أن من آثار "الغزو اللغوي" أن أصبحت لغة الطفل
العربي "في حالة من الهشاشة بحيث تدق ناقوس الخطر."
واستعرض الناقد الادبي السعودي أحمد المعتوق واقع لغة الطفل العربي
في دول الخليج بعد ازدحام مدن دول الخليج بالعمالة الاجنبية واتساع
أعمال شركات البترول الاجنبية التي استقدمت خبراء ومهنيين من جنسيات
مختلفة يستخدمون في التخاطب اللغة الانجليزية التي "تسرب الكثير من
عناصرها" الى المجتمع المحلي لدرجة التنافس مع العربية.
ولا يقتصر الامر على تهديد الانجليزية وحدها لمستقبل العربية من
وجهة نظره "حيث شجع الثراء وحب الوجاهة على اتخاذ الخدم والسائقين وجلب
الحاضنات والمربيات الاجنبيات لخدمة الاطفال أو تربيتهم في بيوتهم.
وبذلك بدأت العربية لغة المجتمع صراعها مع لغات هؤلاء الى جانب صراعها
القوي مع الانجليزية لغة الغازي المتفوق كما امتد هذا الصراع الى
الحياة الخاصة ليهدد لغة الاطفال بدءا من نشأتهم الاولى."
وقال المعتوق ان "التهديد الكبير" للغة الطفل العربي في الخليج
يتمثل في الاقتراض غير الارادي لمفردات أجنبية مكتوبة ومنطوقة في
المحيطين العام والخاص كما يكمن "الغزو النفسي" للانجليزية ليس في
اللهفة على تعلمها وانما في الاقبال الشديد عليها من شرائح مختلفة
"بدافع التباهي بمعرفتها على أساس أنها لغة الجنس الارقى.. في مقابل
الانتقاص من اللغة الاصلية والشعور حيالها بالدونية والتخلف."
وقال المجلس العربي للطفولة والتنمية في بيان إن اللغات القومية
مهددة بالذبول والموت في مواجهة اللغة الانجليزية حيث تشير التقديرات
العالمية الى أن عدد لغات العالم الان يتراوح بين ستة الاف الى سبعة
الاف لغة وأن نصف هذه اللغات مهددة بالانقراض في السنوات القادمة
وسينقرض 90 في المئة منها خلال هذا القرن.
وأشار الى أن حماية اللغات القومية أحد أهداف اتفاقية حقوق الطفل
الصادرة عن الامم المتحدة 1989 حيث تنص المادة 29 منها على احترام هوية
الطفل "الثقافية ولغته وقيمه الخاصة والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش
فيه الطفل والبلد الذي نشأ فيه في الاصل والحضارات المختلفة عن حضارته."
وأضاف أن اللغة العربية تراجعت في البيت والمدرسة والجامعة والشارع
والمؤسسات الرسمية "ولو بقي الحال على ما هو عليه فقد تصل اللغة
العربية الى وضع يستحيل معه انقاذها مما سيحرم العرب من لغة مشتركة
تعزز تضامنهم" مشيرا الى أن المسافة بين الفصحى واللهجات الدارجة تزداد
اتساعا وأن الجهود التي بذلت في التصدي لهذه الاوضاع والتنبيه لخطورتها
لاتزال محدودة لا تجمعها خطة أو مشروع قومي.
أما مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة، فأكد أهمية تطوير اللغة
العربية، مشبهاً إياها بالكائن البشري الذي يجب ان يتطور، مقترحاً
الاستفادة من «جسر» الترجمة بعدما أصبح العالم واحداً.
وطالب عالم اللغويات وأستاذ اللسانيات في جامعة تونس الدكتور عبد
السلام المسدي بإنقاذ اللغة العربية المهددة بالاندثار، وبإيقاف النزيف
اللغوي الذي يهدد اللغة وينزلق بها تدريجاً. وأشار إلى أن الأمة
العربية هي الوحيدة التي يخرج أبناؤها من التعليم الثانوي وعمرهم يقارب
العشرين سنة، وهم في معظمهم غير قادرين على تحرير 10 صفحات سليمة
بلغتهم القومية أو حتى بلغة أجنبية.
ويرى خبراء وتربويون عرب أن عولمة الثقافة وسيادة اللغة الانجليزية
أكثر خطورة على العربية من الاستعمار وأنها ستؤدي الى ضعف التواصل
باللغة القومية حتى أن رئيس الجمعية الدولية للطب النفسي حذر من موت
العربية بعد نصف قرن.
وقال أستاذ الطب النفسي أحمد عكاشة إن الطفل العربي عموما يفاجأ
بوجود أكثر من لغة أولها لغة الام أو البيت ولغة الكتاب الفصيح ولغة
زملاء الدراسة ولغة المدرس الذي يتحدث العامية وهذا "يساعد على وجود
فوضى غير طبيعية لدى الطفل" أما الطبقات الثرية فتلحق أبناءها بمدارس
أجنبية ربما تعفي طلابها من تعليم اللغة العربية.
وأضاف أن الالتحاق بمعظم الوظائف يقتضي اجادة التعامل مع الكمبيوتر
اضافة الى اجادة الانجليزية محذرا من أن استمرار هذا الوضع على مدى
خمسين عاما سيؤدي الى موت اللغة العربية.
وقالت امنة الدهري الاستاذة بجامعة الحسن الثاني بالمغرب إن
بالمجتمعات العربية تعددا لغويا يمثل نوعا من الاثراء للثقافة العربية
"لدرء الاغتراب اللغوي الذي تروج له أصوات ذات اقتراب من الاطروحة
العولمية التي تسعى لاقتحام المجتمعات العربية من أجل تكريس نموذج
واحدي يعصف بالاصول ويكتفي بالذيول."
وأشارت الى أن ما تسميه "عولمة الثقافة" تبدأ بالاجهاز على خصوصية
التواصل بالعربية واللغات الام وهي المحلية أو الامازيغية في الحالة
المغربية عن طريق ايجاد علاقة تصادمية بينهما.
وحذرت من نجاح العولمة في اشعال مثل هذا الصدام اللغوي "الذي لم
يفلح الاستعمار الفرنسي في تمريره سنة 1930" حين كانت فرنسا تحتل بلاد
المغرب العربي.
وشددت اسيا شريف أستاذة علم الاجتماع بجامعة الجزائر على أن العناية
بالعربية الفصحى واجب وطني وقومي وديني.
وقالت في بحث عنوانه (اللغة العربية عند الطفل وتشكيل الهوية
وعلاقتها باللغات الاخرى-حالة الجزائر) إن "الطفل المغربي عامة
والجزائري خاصة يواجه التباعد بين اللهجة العربية والعربية الكلاسيكية
من جهة وبين العربية والفرنسية من جهة أخرى" لاسباب منها طول المدة
الزمنية التي قضتها البلاد تحت الاحتلال الفرنسي.
وقالت الناشطة الفلسطينية جنان عبده الباحثة في معهد دراسات المرأة
بجامعة بيرزيت إن "المعركة القومية لدى الفلسطينيين" في تجربة
الاستعمار الذي تعرضت له بلادها منذ الحكم العثماني مرورا بفترة
الانتداب البريطاني وصولا الى الفترة الحالية انعسكت في الحقل اللغوي
حيث اعتبرت اللغة العربية "رمزا للهوية القومية".
وأضافت في بحث عنوانه (الهيمنة على اللغة كأداة للهيمنة على
الشعب-تجربة فلسطيني 48) أن الدولة العبرية منذ قيامها حاولت السيطرة
على جهاز التعليم العربي بهدف "تشويه الهوية القومية للطالب الفلسطيني
وقطع جذور انتمائه لشعبه.. تم ذلك من خلال محاولة فرض القيم العبرية
والايديولوجيا الصهيونية في المجالات التعليمية كافة... هدفت الى
تحويلها (اللغة العربية) الى أداة اتصال وليس كوسيلة تعبير عن الهوية."
وأشارت الى أن الممارسات الاسرائيلية في هذا الشأن أفرزت ردود فعل
عكسية حتى أن الطلاب والمدرسين قاموا بأنشطة سرية وعلنية لثبيت الهوية
القومية.
ويعقد المؤتمر بالتعاون مع منظمات دولية واقليمية هي اليونسكو
والمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) وجامعة الدول
العربية وبرنامج الخليج العربي لدعم منظمات الامم المتحدة الانمائية
والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.
ويتزامن انعقاد المؤتمر مع الاحتفالات الدولية باليوم العالمي للغة
الذي تطلقه منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)
في التوقيت نفسه.
والمؤتمر الذي يناقش خلال ثلاثة أيام أكثر من 40 ورقة بحثية يتزامن
انعقاده مع الاحتفالات الدولية باليوم العالمي للغة الذي تطلقه منظمة
الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة )اليونسكو/ في التوقيت نفسه.
ومن القضايا المطروحة للبحث (تحديد أدوار اللغة العربية ووظائفها في
تشكيل الهوية العربية) و/امكانية تعلم العلوم الحديثة باللغة العربية
والاطلاع على الخبرات الاجنبية في هذا المجال/ و/استراتيجية مستقبلية
لتمكين الطفل العربي من استخدام لغته القومية بكفاءة/ و/اشكالية الشعر
الموجه للطفل/ و/لغة الفضائيات وتأثيرها في تشكيل هوية الطفل العربي/
و/واقع اللغة في عالمنا العربي واستخداماتها/ و/الثنائية اللغوية في
المجتمعات العربية/. |