اهتمت الشريعة الإسلامية السمحاء بموضوع الطلاق وأفردت له آيات
خاصة وردت في صلب القران الكريم، ثم اجتهد فقهاء الشريعة بتفصيل مسهب
لموضوع الطلاق، وذلك للآثار الجسيمة الناشئة عنه، ومن أهمها تعريض وثاق
رابط الزوجية المقدس الى الانحلال.
ونشأ من ذلك عدة أنواع من الطلاق فمنه من يكون رجعي و بائن بينونة
صغرى او كبرى وكذلك التفريق القضائي والتفريق ألاتفاقي او ما يسمى
بالطلاق الخلعي الذي هو موضوع هذا المبحث.
فالطلاق الخلعي او التفريق الرضائي وعلى وفق ما ذكر في أحكام
المادة السادسة والأربعين من قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188
لسنة 1959 المعدل. يرتب جملة من الآثار القانونية أهمها ما تبذله
الزوجة للزوج حيث يصبح ذو اثر قانوني نافذ، فإنها إن بذلت للزوج مهرها
المؤجل سوف لن تستطيع المطالبة به مجدداً لان هذا البذل هو بمثابة
التنازل عن هذا الحق لقاء قبول الزوج وإقدامه على إيقاع الطلاق.
واتفق جميع فقهاء الشريعة الإسلامية وكذلك القانون العراقي على إن
الطلاق الخلعي يقع بناءً على إيجاب من الزوجة بان تبذل مالها من حقوق
تجاه الزوج سواء كان البذل لكافة الحقوق أو لبعضها، أو إنها تمنح الزوج
أموال أو أي اتفاق لا يخرج عن نطاق الشرعية القانونية ومن ثم يقبل
الزوج هذا العرض بالبذل ويتلفظ بالصيغة الشرعية لإيقاعه على أن تراعى
بعض الشروط التي تستوجبها بعض المذاهب الإسلامية من توفر شهود مجلس
الطلاق وان تكون الزوجة في حالة طهر غير موطوءة، فيه ومن لحظة التلفظ
بصيغة الطلاق فان آثاره الشرعية والقانونية تكون نافذ ويكون هذا الطلاق
بائن بينونة صغرى إذا كان واقع للمرة الأولى او الثانية و بائن بينونة
كبرى إذا كان واقع للمرة الثالثة.
وكذلك يرتب اثر الالتزام بالعدة الشرعية البالغة ثلاثة قروء
اعتباراً من تاريخ وقوعه إذا لم تكن الزوجة من ذوات الحيض المنقطع او
إنها في سن اليأس او إن الدخول لم يقع بعد، فعند ذاك لا عدة على
الزوجة.
لكن عند الامامية يوجد أمر يختلف عن بقية المذاهب في ما يتعلق
بالرجوع عن البذل من قبل الزوجة حيث يجيز المذهب الجعفري للمرأة أن
ترجع عن بذلها خلال فترة العدة الشرعية وينقلب الطلاق حينذاك إلى طلاق
رجعي بدلاً من كونه بائن بينونة صغرى بمعنى يصبح للزوج الحق في إرجاع
زوجته إلى ذمته سواء كان ذلك قولاً أو فعلاً وعلى وفق الشروط التي
ينعقد بها عقد النكاح أي انه إذا أعلن أمام بعض الأشخاص انه قد رجع
بزوجته فان الزوجة تعود إلى عصمته وينتهي اثر الطلاق، ولكن يعتبر هذا
الطلاق عند احتساب عدد مرات إيقاعه للتحقق من كونه بائن بينونة صغرى أو
كبرى وهذا التباين يرتب آثار مهمة من أهمها إن الزوجة في البينونة
الكبرى لا يحق لها الزواج بمطلقها إلا إذا تزوجت بغيره وهذه لها
تفصيلات واسعة ومتشعبة أشبعها الفقهاء شرحاً وتفسيراً. لذا فان الزوجة
وعلى وفق مذهب الامامية لها الحق في ان ترجع عن بذلها وتحتفظ بكافة
حقوقها الشرعية المترتبة عن عقد الزواج إذا أعلنت ذلك خلال فترة العدة
الشرعية حيث لا يكون للرجوع اثر إذا انقضت فترة العدة الشرعية او ان
الزوجة من ذوات الحيض المنقطع او انها في سن اليأس او ان الدخول لم يقع
بعد، حيث لا توجد في هذه الأحوال عدة تلتزم بها وان الرجوع بالبذل
مقترن وجوده بوجود العدة فان كانت هناك عدة شرعية جاز للمرأة الرجوع عن
بذلها على أن تعلن ذلك خلال فترة العدة حيث إن الطلاق حينما يصبح
رجعياً يكون بوسع الزوج أن يرجعها إلى ذمته وعصمته خلال فترة العدة
الشرعية لكن هذا الأمر مقرون بعلم الزوج بالرجوع خلال فترة العدة إذ لو
رجعت الزوجة عن بذلها خارج أو بعد انتهاء فترة العدة فلا يجيز ذلك
الرجوع ولا يرتب آثاره كما لو انها رجعت عن بذلها خلال فترة العدة
الشرعية الا ان الزوج لم يعلم بذلك او انه علم بالرجوع بعد انتهاء فترة
العدة فانه لا يحقق ولا يرتب اثاره الشرعية والقانونية ويمضي الطلاق
على حاله كما ان هذا الامر قد يكون بان تقوم الزوجة باقامة الدعوى امام
القضاء لاثبات رجوعها عن بذلها ضمن المدة القانونية الا ان الزوج لم
يتحقق علمه بالرجوع خلال فترة العدة فان الرجوع غير ذي اثر قانوني
والتحقق من تحقق علم الزوج يراعى فيه الشروط القانونية المعتبرة من حيث
ادلة الاثبات التي للزوجة الحق في الاعتماد عليها لاثبات علم الزوج
بالرجوع خلال فترة العدة ومنها البينة الشخصية وشهادات شهود الاثبات
وللمحكمة السلطة التقديرية في تقدير صحة هذه البنات فيما اذا كان الزوج
يعلم من عدمه.
والحكمة من ذلك وكما أسس لها الفقهاء ان للزوج حق إرجاع الزوجة خلال
فترة العدة لكن بقبوله لبذل المدعية فانه يكون قد تنازل عن حقه
بإرجاعها دون موافقتها خلال فترة العدة لذا فان تنازله هذا مقابل بذلها
او تنازلها عن حقوقها او البعض منها ومن العدل ان يعاد اليه حقه في
ارجاعها مثلما عاد للزوجة حقها في المطالبة بحقوقها الشرعية وهذا الامر
متروك تقديره للزوج فمن حقه ان يرجعها وان شاء لا يفعل ذلك اذ الرجوع
بالبذل لا يؤثر في وقوع الطلاق فان الطلاق واقع وتام ومنجز ويصبح ذو
اثر في عدد الطلاقات البائنة بينونة صغرى لذلك على الزوجة حينما تسعى
الى الرجوع عن بذلها أن تراعي شرط لحوق علم الزوج بذلك و إلا فات عليها
قدرة ممارسة هذا الحق.
[email protected] |