العنف يهدد ثروة العراق التاريخية

 حين تسأل سعد اسكندر عن أكثر ما يزعجه كمدير للمكتبة الوطنية العراقية ستدهشك إجابة المسؤول المخضرم حين يقول انهم القناصون والسيارات الملغومة.

تقع المكتبة الوطنية التي نهبت ثروتها من النصوص الاسلامية القديمة حين دخلت القوات الامريكية الغازية بغداد في عام 2003 في احد اخطر المناطق في العاصمة التي تجتاحها أعمال العنف.

وفي الشهر الماضي أخلى اسكندر العاملين في المكتبة بعد ان حلقت المقاتلات الامريكية فوق المبنى المكون من طابقين خلال المعارك الضارية مع مسلحين. وقتل خمسة من العاملين في المكتبة في العام الماضي واختطف المسلحون أكثر من 12 حسب نقل رويترز.

وحصل أمناء المكتبة المسنون على اجازة مرضية نتيجة معاناتهم من مشاكل في القلب وتدهورت حالتهم بسبب الانفجارات وطلقات المدافع الالية التي تهز قاعات القراءة والمحفوظات.

ويقول اسكندر الذي يقع مكتبه لسوء الحظ بين شارع حيفا أحد اخطر الطرق في بغداد وسوق الشورجة الذي كان هدفا لتفجيرات انتحارية أكثر من مرة "نعيش ونعمل وسط حالة حرب."

وتقبع على مكتبه شظايا قذائف موتر كتذكار وتظهر اثار طلقات الرصاص على نوافذ مكتبه.

ويقول اسكندر (44 عاما) الذي عين مديرا للمكتبة في ديسمبر كانون الاول 2003 "لم اعد انشعل باحصاء القنابل التي انفجرت في منطقتنا."

وقبل الغزو كانت المكتبة تضم نحو مليون قطعة من بينها كتب عمرها قرون ووثائق نادرة تعد جزءا من تراث المدينة التي تأسست في القرن الثامن وكانت حاضرة الخلافة العباسية.

ونهب المغول المدينة في القرن الثالث عشر والقوا بالاف الكتب في نهر دجلة.

وسرقت المخطوطات التي نجت من الهجوم المغولي أو دمرت خلال الفوضى التي عمت بغداد مع دخول القوات الامريكية المدينة في ابريل نيسان 2003.

وفقدت المكتبة 90 في المئة من كتبها النادرة مع الاطاحة بحكم الرئيس السابق صدام حسين. كما اختفت نصوص ادبية ودينية للجالية اليهودية الكبيرة التي عاشت في العراق في فترة ما ومدونات للحقبة العثمانية ونظام الحكم الملكي الذي جاءت به بريطانيا.

واتهم اسكندر لصوصا محترفين يعملون لحساب هواة جمع مواد تاريخية بانهم وراء فقد كتب نادرة من بينها رسالة كتبها قبل ألف عام المفكر الاسلامي ابن سينا الذي درست اعماله في الجامعات الاوروبية لقرون.

وأضاف اسكندر ان محاضر المحاكم العسكرية في عهد صدام ووثائق خاصة بالامن القومي حرقت فيما يبدو لتدمير ادلة بشان انتهاكات ارتكبت في عهده.

وتم تجديد مبنى المكتبة ولكن اسكندر يقول ان اعمال النهب كانت كارثة ليس فقط للمحفوظات الخاصة بتاريخ العراق ولكن ايضا لمستقبل البلاد التي تشهد صراعا طائفيا.

وقال "حين تدمر مكتبة تدمر الهوية التي كان العراق يسعى لترسيخ جذورها. لا يمكنك توحيد البلاد بالقوة دون ذاكرة تاريخية."

ومضى اسكندر وهو كردي قائلا "كان التاريخ يكتب من وجهة نظر واحدة دائما.

"ينبغي ان نسترجع الماضي ونعيد كتابة التاريخ الذي شوهته طائفة او اخرى بحيث يتضمن اراء السنة والشيعة والاكراد والمسيحيين واليهود."

وتابع ان سقوط حكومة صدام العلمانية التى حظرت اي كتابات لا تتفق مع التوجهات العروبية لحزب البعث الذي سيطر عليه السنة اتى بنوع جديد من القمع.

وملا رجال دين شيعة وسنة الفراغ الذي خلفه انهيار الدولة المركزية التي اسسها صدام واتسع نفوذهم داخل المجتمع العراقي في فترة ما بعد الحرب لتتحول المكتبة الى "معقل للعلمانية".

وقال اسكندر "لا نعيش في فراغ أمني فحسب ولكن في فراغ ثقافي ايضا. لا يمكن ان نبني العراق الجديد دون ان نعود الى العراق القديم."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 18 شباط/2007 -1/صفر/1428