
بداية لا يمكن القول أن هناك (وصفة سحرية) للجمع بين الفرقاء في
الرأي غير أن كل لبيب ولبيبة يدركان تماماً أن أي رأي قابل للاستماع
الجيد له إذا اقترن الحافز بذلك إلى التفتيش الأدق للميل نحو الحقيقة
الأسطع والأكمل ولعل من الثابت بهذا المجال الإشارة إلى كون الناس
ليسوا في مستوى واحد من الوعي إذ تتفاوت درجات استيعابهم لأي موضوع
مطروح كما لا يخفى ذلك.
ولمستوى الشخصية دور كبير في مجال استثمار أي حديث بين الفرقاء
وتوفير قناعات جديدة ممكن أن يتنازل البعض للبعض الآخر عن الرأي لديه
إذا كان المقابل يملك رأياً أكثر سداداً.
ومجتمعات اليوم التي تنتشر فيها أجهزة التوصيل والانترنيت
والكمبيوتر، والفيديو والصحف بشطريها، (الجرائدي والمجلي)... الخ. لحري
أن يستفاد من هذه الأجهزة لأجل انتشار أفضل لتعميم موضوعي ضمن تحمل
المسؤولية المعنوية فحين يكون السعي على هذه الصورة المجردة القريبة من
التعبير عن حُسن النوايا فإن الرأي يكون بهذه الحالة بمثابة دعوة
للإصلاح بين البشر.
إن الفراسة في استقراء آراء الغير مسألة تعبر عن مقدرة يدرك منها
تفسير ما خلف كلام المقابل بأحيان ليست قليلة ولأجل أن يكون هناك تقريب
عملي بين وجهات النظر المتباينة حول أمر ما فلا بد أن يكون المتحاورون
على درجة من الإحاطة المستندة أولاً إلى الإقرار بأن الخلاف في الرأي
مسألة عادية جداً لكن ليس بين كل الآراء (وكيف ما) اتفق.
فالبشرية اليوم إذ تعيش على مفترق طرق ويهم العقلاء فيها الاضطلاع
بأداء دور أكثر وثوقاً في تبيان الرأي الأفضل وإعطاء كل ذي حق حقه فإن
الشخص المتحاور بسجية احترام الآخر مهما كانت درجة الاختلاف فممكن أن
يغير مواقف الآخرين على أساسها ليقتربوا من موقفه هو ما دام الولاء
للحقائق التاريخية، ومبادئ العدالة وضرورة الانسجام هو الهدف.
ورغم أن نسب عالية في عموم المجتمعات العالمية ليست متفائلة في
الحياة نتيجة لتوالي إخفاقاتها أو إخفاقات العديد من المجتمعات
المعانية من هول الأحداث الدامية التي تشهدها الحقبة الزمنية الحالية
دون سبب من الوجاهة فإن رفع شعار التعاون المقرون بالعمل المتحقق
المشارك فيه أكثر من شخص وأكثر من جهة بعيداً عن أي تشنج أو شروط مسبقة
تتطير من الآخر.
لقد قطعت البشرية شوطاً كبيراً حتى وصلت إلى هذه المرحلة المتقدمة
من يسر التواصل بين الناس والتمهيد لوحدة البشرية جمعاء على أساس
إنساني لكن مثل هذا الأمل العظيم لا يمكن تفعيله وجني ثماره ما لم تتاح
فرص الحوار على كل المستويات الاجتماعية ولعل من مصاعب هذه المرحلة أن
استبياناً للرأي العام يستند إلى آراء الناس العاديين ممن لم تتاح لهم
فرص التحاور ضمن وسائل الإعلام المنوعة ما جعل الناس يحيون حياتهم
وكأنهم (بلا صوت)!.
فماذا يضرّ أجهزة الإعلام لو وسعت مجال الحوار ليكون ليس مقتصراً
بين المتخصصون أو بين من يعتقد بعض الإعلاميين المتنفذين في المؤسسات
الإعلامية بل بين عموم الناس ونحن نعيش هذه الفترة الانتقالية نحو
المجهول لا ينبغي أن يفرط فيها أحد على حساب تأصيل الحوار ليكون شاملاً
بدل حصره ضمن أشخاص أكثر خالون من أي موقف إنساني. |