امراض غامضة يخترعها العالم يوميا بعضها يتطور واخرى مهملة

 مع التطور التكنولجي والعلمي الذي يجتاح العالم وازدياد الاستهلاك البشري وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري يبدو ان ظهور امراض جديدة وغريبة اصبح عادة يومية.

فقد أدخل أحد أفراد الطواقم المخبرية البريطانية العاملة على أبحاث أنفلونزا الطيور إلى المستشفى بعدما أصيب بمشاكل في جهازه التنفسي، حيث قرر الأطباء إخضاعه لفحوصات مكثفّة، مؤكدين في الوقت عينه أن إجراءات السلامة المتخذة داخل المختبرات تمنع أي انتقال للعدوى إلى الإنسان.

وقد أكد الأطباء أن المريض سيتم إخضاعه لكل الفحوصات الطبية اللازمة، بما في ذلك اختبار أنفلونزا الطيور، داعين إلى عدم التسرع في الاستنتاجات، خاصة وأن الالتهابات والنزلات الصدرية أمر معتاد في هذا الوقت من العام في أوروبا.

 المريض يعمل في "مختبر بريطانيا الوطني للخدمات البيطرية،" وهو مؤسسة حكومية، كانت تتابع تطور عدوى أنفلونزا الطيور التي انتشرت بين بعض ديوك الحبش في إحدى مزارع الدواجن.

وقد أوضح أليد وليامز، الناطق الرسمي باسم المختبر، أن المؤسسة تطبق جميع الاحتياطات اللازمة لضمان السلامة الصحية لموظفيها.

وفصّل وليامز المعايير الصحية المطبقة في المؤسسة قائلاً: "جميع الموظفين يضعون أجهزة تنفس خاصة أثناء عملهم، كما يطلب منهم في بعض الأحيان تغطية العينين بنظارات واقية... ونحن نخضع الجميع في النهاية إلى اختبار كفاءة للتأكد من أنه طبق جميع الإجراءات."

يذكر أن الدوائر الصحية البريطانية، كانت قد أعلنت السبت اكتشافها لبؤرة جديدة لأنفلونزا الطيور من السلالة القاتلة في إحدى مزارع الدواجن قرب مدينة "لويستوف" الواقعة شمال شرق لندن، حيث اضطر الجان الصحية إلى إتلاف أكثر من 160 ألف طير خشية انتقال العدوى.

ورغم أن الأطباء يجزمون أن انتقال العدوى لا يتم حالياً إلا من خلال الاحتكاك بأحد الطيور المصابة بالمرض، إلا أنهم يخشون من أن يتمكن الفيروس من التحول مستقبلاً بحيث يتمكن من الانتقال بين البشر.

وطالب خبراء بدراسة دقيقة لانواع أقل فتكا من فيروس (اتش5 ان1) المسبب لانفلونزا الطيور لانها ربما تتسبب في انتشار الانفلونزا بشكل وبائي.

وتعرف العلماء على أربعة أنواع رئيسية على الاقل لفيروس (اتش5 ان1) منذ أن اكتشف لاول مرة انتقاله الى الانسان في هونج كونج عام 1997.

وأول هذه الانواع (جينوتايب-زد) الذي عثر عليه في شمال الصين واندونيسيا والهند الصينية وأجزاء من افريقيا وأوروبا والشرق الاوسط وتسبب في وفاة أكثر من نصف من أصيبوا به.

والنوع الاخر أقل شهرة هو (جينوتايب-في) الذي ظهر في كوريا الجنوبية واليابان في أواخر عام 2003. وأصاب هذا النوع تسعة على الاقل من الكوريين الجنوبيين الذين شاركوا في عمليات اعدام الطيور الداجنة في أواخر عام 2003 وأوائل عام 2004 لوقف انتشار المرض في البلاد. ولم تظهر أي أعراض خطيرة على أي منهم وتماثلوا جميعا للشفاء.

وأصيب اخر يتعامل مع الدواجن بعد أن انتشر المرض في مزارع الطيور الداجنة بكوريا الجنوبية في نوفمبر تشرين الثاني ولكن حالته لم تكن خطيرة هو أيضا.

وحذر علماء من تجاهل أنواع الفيروس (اتش5 ان1) الاقل فتكا بما أن هناك أوجه شبه بينها وبين الفيروسات التي أسفرت عن وفاة الملايين في الماضي.

وقال جوليان تانج استاذ الميكروبيولوجي في جامعة هونج كونج الصينية ان ما جعل الاوبئة السابقة فتاكة ليس ارتفاع معدل الوفيات بل قوة الفيروس المنتشر بين الناس. وأضاف أنه اذا أصيب عدد كبير من السكان فان النهاية ستكون أعداد وفيات هائل حتى اذا كان معدل الوفيات منخفضا.

وقال تانج لرويترز "كل أوبئة الانفلونزا السابقة تسببت في معدل وفيات منخفض نسبيا (أقل من ثلاثة في المئة بما في ذلك وباء 1918-1919). اجمالي عدد المتوفين يكون كبيرا لان هناك أعدادا كبيرة مصابة ولكن الاغلبية -أو أكثر من 97 في المئة- نجت."

وتسببت الانفلونزا الاسبانية في 1918-1919 في وفاة نحو 50 مليون شخص على مستوى العالم ولكن لن يتسنى معرفة العدد الحقيقي.

ومضى يقول "هذا الامر يبدو منطقيا من وجهة النظر التطورية. اذا ما كان فيروس فتاكا لدرجة أنه يسبب وفاة 50 في المئة من المرضى فانه لن ينتقل الى أماكن أبعد لاصابة عدد أكبر من الناس وسوف ينتهي بسرعة نسبيا. من غير المرجح أن يصبح وباء عالميا."

وزادت حدة الفيروس (اتش5 ان1) في الاسابيع الاخيرة فانتشر بين الطيور الداجنة في اليابان وفيتنام وتايلاند وسبب وفاة ستة في اندونيسيا وأول وفاة بشرية في نيجيريا.

ويدعو لو وينج لوك وهو خبير في الامراض المعدية بهونج كونج الى دراسة أكبر لكل أنواع (اتش5 ان1).

وقال لو لرويترز "كيف يمكن ان يتسبب جينوتايب-في وجينوتايب-زد في اصابة بشرية خطيرة. أعتقد أننا يجب أن يكون لدينا بعض الافكار عن مدى شدة هذين النوعين."

من جهة اخرى أدى مرض غامض إلى هلاك عشرات الآلاف من النحل، الذي تتم تربيته في مستوطنات لإنتاج العسل في مناطق مختلفة من البلاد، ما يهدد صناعة إنتاج العسل وبالتالي مربي النحل وربما المحاصيل الزراعية التي تحتاج إلى النحل بهدف تلقيح النباتات.

ويجاهد الباحثون والعلماء من أجل معرفة سبب المرض الذي يفتك بالنحل والذي أطلق عليه اسم "متلازمة انهيار مستوطنات النحل."

وأفادت التقارير بانتشار الموت غير الاعتيادي في مستوطنات النحل في نحو 22 ولاية أمريكية، نقلاً عن الأسوشيتد برس.

وبلغت خسائر بعض مربي النحل لغايات تجارية، والذين لديهم الآلاف من مستوطنات، أكثر من 50 في المائة من أعداد النحل لديهم.

يذكر أن مستوطنة النحل الواحدة، تضم نحو 20 ألف نحلة في فصل الشتاء، وترتفع إلى 60 ألف نحلة في الصيف.

وقال أحد العاملين في تربية نحل العسل، ويدعى ديفيد هاكينبيرغ "لقد رأيت الكثير من الأشياء والأمور التي حدثت خلال أربعين عاماً، غير أن هذا الأمر أغربها على الإطلاق."

وكان مربو النحل في الولايات المتحدة قد تعرضوا مؤخراً لصفعة قوية جراء حشرة طفيلية تدعى "فارونا مايت" والتي تسببت بتدمير أكثر من نصف خلايا النحل لديهم وهلاك معظم تجمعات نحل العسل.

وكان هاكينبيرغ أول من أبلغ عن "متلازمة انهيار مستوطنات النحل"، عندما اتصل بالباحثين المتخصصين بالنحل في جامعة بنسلفانيا الحكومية وأبلغهم عن هلاك النحل لديه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، موضحاً أنه لم يتبقى لديه سوى 1000 مستوطنة، في حين أنه كان لديه 2900 مستوطنة عندما بدأ عمله في الخريف الماضي.

وقال دينيس فان إينغلزدورب، الذي يعمل في مجال النحل في وزارة الزراعة بولاية بنسلفانيا إن أحد مربي النحل، والذي كان ينقل حمولة شاحنتين من النحل إلى كاليفورنيا بهدف المساعدة في تلقيح النباتات والأشجار فيها، وجد أن معظم النحل الذي كان ينقله قد هلك عندما وصل إلى الولاية.

وصرح رئيس نقابة مربي النحل الأمريكيين، دانيال ويفر بأنه يمكنه وصف الوضع بأنه "خطير، سواء أكان يهدد صناعة بعينها في الولايات المتحدة أم لا."

ويحاول العلماء والباحثون في جامعتي بنسلفانيا ومونتانا وفي وزارة الزراعة تشكيل جماعات بحث ودراسة على وجه السرعة لحل غموض المرض الفتاك.

من جهتها دعت مارجريت تشان رئيسة منظمة الصحة العالمية الى تعزيز الجهود لمكافحة الامراض "المهملة" التي تؤثر على مليار شخص خاصة في الدول الفقيرة.

وقالت تشان التي تولت منصبها الشهر الماضي ان الامراض "القديمة والمتوطنة" في الدول النامية تسبب معاناة انسانية أكبر من تهديدات مثل انفلونزا الطيور ومرض التهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارز).

واضافت امام مؤتمر صحي في بانكوك "لكن هنا مكمن الخلاف.. الامراض المدارية المهملة لا تؤثر على الصحة والامن الدوليين.

"انها لا تظهر بصورة وبائية وتتسبب في الكثير من الوفيات. لا تجذب اخبارها اهتمام وسائل الاعلام. لا تنتقل عبر الحدود ولا تهدد الامن الدولي."

وحددت تشان ستة امراض تقعد وتعمي وتشوه وتقتل ملايين البشر في الدول الفقيرة لكنها نادرا ما تظهر في الدول الغنية التي تنعم بمستويات معيشة اعلى ورعاية صحية افضل. وتشمل هذه الامراض "الحمى الطفيلية" التي تسبب ضعفا لا يمكن المريض من العمل.

وقالت تشان ان هذه الحمى تصيب 160 مليونا في افريقيا وحدها.

ويصيب داء ديدان الفيلاريا الخيطية اكثر من 40 مليونا خاصة في افريقيا واسيا بتشوهات وهو مرض طفيلي يسبب انتفاخا في الاطراف.

واضافت تشان ان هذه الامراض وغيرها تهملها عادة شركات الادوية التي تفتقر الى الحوافز لصناعة ادوية ولقاحات لاسواق لا تستطيع ان تدفع ثمنها.

وقالت تشان ان شركات ادوية وحكومات حققت بعض النجاح في التغلب على هذه المشكلات من خلال الشراكة العامة والخاصة لكن هناك حاجة لبذل المزيد.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 15 شباط/2007 -27/محرم/1428