امريكا تطارد بن لادن في افريقيا الموطن الجديد للقاعدة

 قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس إن إدارة الرئيس جورج بوش تعتزم إنشاء قيادة عسكرية أمريكية لأفريقيا. وجاء إعلان غيتس خلال شهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ حول موازنة البنتاغون. وأشار قائلاً "قرر الرئيس إنشاء قيادة قتالية موحدة تحت مسمى "قيادة أفريقيا."

وستضطلع القيادة العسكرية الجديدة بمهام الإشراف على بناء التنسيق الأمني و"قدرات الشراكة" ودعم المهام غير العسكرية، والقيام بعمليات عسكرية، عند الطلب، وفق غيتس.

وأوضح وزير الدفاع الأمريكي إن القيادة الجديدة "ستتيح لنا المزيد من التمازج على نحو أكثر فعالية عن الترتيبات الراهنة، التي تقسم مسؤوليات أفريقيا بين القيادة الأوروبية والقيادة الوسطى." وأوضح غيتس أن تلك الترتيبات، التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، أصبحت عقيمة.

ويأتي قرار تشكيل قيادة عسكرية أمريكية لأفريقيا في أعقاب تسديد الجيش الأمريكي عدة ضربات جوية على أهداف لتنظيم القاعدة في جنوب الصومال. واستهدفت الضربة الجوية الأولى العقل المدبر لتفجيرات سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا في يناير/كانون الثاني الفائت.

وتضاربت التقارير بشأن مصير فضل عبدالله محمد، الذي أعلنت مصادر صومالية مقتله في الضربة، إلا أن واشنطن نفت لاحقاً.

وتتهم الولايات المتحدة محمد أنه مخطط تفجيرات سفارتيها في تنزانيا وكينيا التي أدت لمقتل 225 شخصاً عام 1998، ورصدت 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي لاعتقاله.

وللمرة الثانية، وجهت المقاتلات الأمريكية في أواخر يناير/كانون الثاني ضربة جوية استهدفت المناطق الجنوبية المتاخمة للحدود مع كينيا.

وقال مصدر أمريكي إن الضربة استهدفت "قيادي متوسط المستوى" في القاعدة، نافيا وجود مؤشرات تدل على تواجد قيادات رفيعة من التنظيم أثناء الضربة، من بينهم العقل المدبر للهجمات على السفارات الأمريكية في شرقي أفريقيا عام 1998.

وأكدت المصادر الأمريكية إن الطائرات التابعة للأسطول البحري تواصل القيام بطلعات تجسسية واستكشافية فوق الأراضي الصومالية.

وتراقب الولايات المتحدة عن كثب المنطقة بحثاً عن فلول تنظيم القاعدة، عقب دحر القوات الأثيوبية والصومالية "اتحاد المليشيات الإسلامية" عن سدة الحكم في الصومال.

وتتهم واشنطن "إتحاد المحاكم الإسلامية" بإيواء عناصر تنظيم القاعدة، إلا أن الأخيرة التي دُحرت عقب أشهر من بسط سيطرتها على الصومال، نفت تلك المزاعم.

وبالاضافة الى الصومال هناك خلافات حول تقدير حجم نفوذ القاعدة في جنوب أفريقيا فقد كان امام مسجد ريفي محلي وابن عمه طبيب الاسنان يعيشان حياة عادية على ما يبدو في جنوب أفريقيا.

ثم ظهر الاثنان على شاشات واشنطن التي ترصد تنظيم القاعدة مما أطلق صفارات الانذار من واشنطن الى بريتوريا وهي دولة نادرا ما يقترن اسمها بأسامة ابن لادن أو الاسلام المتشدد.

فهل من المستبعد أن يؤدي وصول عقيدة تنظيم القاعدة القوية الى تشكيل خلايا متشددة في جنوب أفريقيا حيث يعد شيوع الجرائم وعدم المساواة الناجمة عن نظام الفصل العنصري واستضافة منافسات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 قضايا ساخنة.

وينفي طبيب الاسنان جنيد دوكرات الذي يقدم خدمات اجتماعية في أحد احياء جوهانسبرج العاصمة المالية لجنوب أفريقيا وابن عمه رجل الاعمال وامام المسجد الاتهامات الامريكية بتمويل القاعدة وتجنيد اعضاء لها واتهما الولايات المتحدة بملاحقة المسلمين.

ويقول خبراء أمن إن البلدات في جنوب أفريقيا لا تشبه الاحياء الفقيرة في العالم العربي حيث يقال ان دعوة أسامة بن لادن تجتذب الشبان المحبطين والعاطلين عن العمل الذين يتزايد سخطهم على حكوماتهم المتسلطة المدعومة من الولايات المتحدة.

يرفض اخرون القول بأن الفقر المنتشر على نطاق واسع في جنوب أفريقيا يدفع المسلمين الى أحضان القاعدة.

ويضيفون أنه في النهاية فان كثيرا من الناس المتعلمين والاثرياء نسبيا أصبحوا اعضاء في القاعدة مثل هؤلاء الذين حولوا طائرات الى صواريخ انتحارية في هجمات 11 سبتمبر أيلول ضد الولايات المتحدة.

وعلى كل حال أصبحت جنوب أفريقيا موضع تدقيق من قبل واشنطن وأدرج اسما جنيد وفرهاد دوكرات على قائمة وزارة الخزانة الامريكية لداعمي القاعدة. وسيجري تجميد أصولهما المرتبطة بالولايات المتحدة ان كانت لهما أصول هكذا.

وقال ماجنوس رانستورب من كلية الدفاع الوطني السويدية ان من المستبعد أن تصبح القاعدة مصدر قلق رئيسيا في جنوب أفريقيا. لكنه لم يستبعد وجودها.

وأضاف "من المحتمل أن يوجدوا فقط على الهامش."

ويفترض مسؤولون أمريكيون ان اعضاء القاعدة ينشطون في الصومال والسودان وشمال أفريقيا ويقولون ان أنشطة جمع التبرعات التي يقوم بها التنظيم أصبحت مصدر قلق كبير في جنوب أفريقيا ونيجيريا ومنطقة الصحراء الكبرى.

وفي دولة تعد من أكثر دول القارة الافريقية استقرارا وثراء فان الغالبية الساحقة من الطائفة المسلمة في البلاد والتي تضم 600 ألف مسلم معتدلون.

فما الذي يدعو القاعدة اذا الى استثمار وقت في التجنيد في بلد لا توجد به أرض خصبة واضحة لتفريخ اسلاميين متشددين بينما يشنون حروبا مقدسة ضد الجيش الامريكي القوي وحلفائه في العراق وأفغانستان وينشرون دعوات للجهاد في ارجاء العالم من خلال الانترنت.

ويقول بعض المحللين ان أنصار القاعدة في دول مثل باكستان ربما تسللوا الى جنوب أفريقيا وارتبطوا بسكان محليين واستخدموا الدولة كبوابة خلفية للاهداف الغربية.

وقال نيكولاس برات من مركز جورج سي. مارشال الاوروبي لدراسات الامن ان القاعدة قد تنظر الى الطائفة المسلمة المتنوعة في جنوب أفريقيا لاعتبارات معينة.

واستطرد قائلا "القاعدة تبحث باستمرار عن جوازات سفر تجعل اعضاءها قادرين على التنقل تماما وتجنب أن يكونوا موضع اشتباه. ومن المنطقي بالنسبة لهم أن يجذبوا اثنين من جنوب أفريقيا من جالية مسلمة متنوعة." وأضاف أن جنوب أفريقيا تتيح أيضا حدودا غير محكمة.

وتقدم جنوب أفريقيا ببنيتها التحتية وشبكة اتصالاتها الحديثة صورة للاستقرار كما أنها لا تحتل مكانا متقدما في قائمة اهتمامات المخابرات الامريكية.

وهناك تاريخ ما لنشاط الإسلام المتشدد من خلال جماعات مثل جماعة باجاد التي تتخذ من كيب تاون قاعدة لها وهي جماعة من المتشددين متهمة بالتفجيرات وكانت فرعا لتنظيم القبلة الإسلامي الأصولي.

ويقول خبراء أمنيون إنه إذا كانت الاتهامات الأمريكية الموجهة للإمام وابن عمه صحيحة فسيكون ذلك دليلا آخر على أسلوب القاعدة في حشد الأنصار من أماكن غير متوقعة كما فعلت من خلال القوى الغربية التي تحاربها.

وقال بول ولكنسون من مركز دراسة الإرهاب والعنف السياسي في جامعة سانت أندروز "غالبية المسلمين في أماكن مثل جنوب أفريقيا عمليون وأكثر إنشغالا بدعم عائلاتهم. لكن لا توجد مناطق مغلقة في وجه القاعدة."

ورفضت أجهزة الأمن في جنوب أفريقيا التعليق على القاعدة. وقال برات الذي عمل في إدارة العمليات التابعة لوكالة المخابرات المركزية إن ضباط المخابرات في جنوب أفريقيا الذين تلقوا تدريباتهم في روسيا والذين يعملون الآن في ظل حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم شنوا حملات ضد خلايا القاعدة وهي مزاعم تعذر تأكيدها من مصادر مستقلة.

ومضى يقول إن المسلمين الملتزمين من ذوي اللحى الطويلة والعمائم والجلاليب البيضاء الذين يتوافدون بالمئات على مسجد فرهاد دوكرات الشاسع والحديث ليسوا بالضرورة من مؤيدي القاعدة لكنهم غالبا عرضة للتأثر بالأيديولوجيات.

وأضاف "القلق الحقيقي هو في فترة الحضانة عندما ينجذب الشبان المتدينين بوضوح والمسالمين للقاعدة."

وتبدو بلدة لوديوم الهادئة في جنوب أفريقيا بعيدة كل البعد عن الحدود الجبلية بين أفغانستان وباكستان التي يعتقد أنها المكان الذي يختبيء فيه أسامة بن لادن.

ولكن مسؤولين أمريكيين يرون أن هناك صلة بينهما ويزعمون أن رجل دين له شعبية كبيرة في هذا المكان المغمور الذي تحيط به منطقة ريفية خضراء جزء من شبكة لجمع التبرعات للقاعدة.

وفي قلب بلد يضم 600 ألف مسلم يمثل المعتدلون غالبيتهم تعتقد واشنطن أن هناك مشكلة جديدة وهي تأييد عدو الولايات المتحدة رقم واحد.

في الاسبوع الماضي أدرجت وزارة الخزانة الامريكية فرهاد دوكرات امام مسجد لوديوم وابن عمه طبيب الاسنان جنيد على قائمة المشتبه في دعمهم للقاعدة وستجمد أصولهما.

وقال فرهاد لرويترز مؤخرا "هذه المزاعم غير صحيحة. أنا أخطب على المنبر للطلبة وغيرهم من العامة. لا تربطني صلات بالجماعات المتشددة."

ويقدر عدد مؤيدي فرهاد في مسجد دار السلام بالمئات.

وداخل المسجد المترامي الاطراف تجمع المصلون يوم الجمعة كالمعتاد ولكنهم شعروا بالاحباط لان فرهاد لم يظهر. وأبدى بعض المصلين وبعضهم أتى من جوهانسبرج العاصمة التجارية لجنوب افريقيا أسفهم من أن فرهاد بدأ يغيب عن الانظار منذ تسليط الاضواء عليه.

وتظهر صور متشددة للاسلام في شتى أنحاء العالم ولكن وجود هذه الصورة في لوديوم قرب بريتوريا عاصمة جنوب افريقيا يزيد من مخاوف واشنطن بشأن سطوة ابن لادن على مستوى العالم.

ويبدو أن الكثير من المصلين في لوديوم من أصول باكستانية وقال آخرون إنهم من مالاوي مما يبرز ما تلقاه الصور المحافظة من الاسلام من تأييد يتخطى الخطوط العرقية والعنصرية.

وفي الاسبوع الماضي ألقى وزير جنوب افريقيا للمخابرات روني كاسريلز كلمة بشأن الصلات المحتملة بين "الارهاب" والتشدد الاسلامي في البلاد. وقال انه ليست هناك حاجة للقلق ولكنه أبدى حذره.

وقال في مقتطفات من كلمته نشرتها صحيفة صنداي تايمز "دعوني أوضح أننا لا نتحدث عن عدد كبير.. أجهزتنا الامنية تسيطر على المشكلة وما زالت متيقظة."

ويقول مسؤولون أمريكيون ان أفراد القاعدة ينشطون في الصومال والسودان وشمال افريقيا ويقولون ان أنشطة جمع التبرعات التي يقوم بها التنظيم أصبحت مصدر قلق كبير في جنوب افريقيا ونيجيريا ومنطقة الصحراء الكبرى.

وتقول مصادر مقربة الى ال دوكرات ان السلطات الامريكية تراقبهم منذ الفترة التي سبقت 11 سبتمبر أيلول.

ويوصفون بأنهم أفراد بارزون في جماعة صغيرة لا تتبنى العنف ولكنها تدعم الشبكة المالية للقاعدة.

وقال أنصار فرهاد انه لا يتحدث أبدا عن القاعدة.

وهم يصفونه بأنه رجل دين له شخصية جذابة ويشجع المسلمين بشدة على دعوة المسيحيين الى اعتناق الاسلام. ويبدو أنه لقي بعض النجاح في بلدة أصبحت فيها ماذن المساجد تطل على المنازل السائدة في جنوب افريقيا.

وقال رجل معاق غير اسمه الى يوسف محمد بعد اعتناقه الاسلام ان فرهاد أقنع أيضا بعض المسيحيين الافارقة باعتناق الاسلام.

ومضى يقول "لا يمكنني الحصول على فرصة عمل. توفي أبواي قبل فترة طويلة ويمكنكم أن تروا ما أعانيه من ذراعي. لقد منحني الشيخ الامل."

وتضم لوديوم أماكن عبادة مسيحية مثل كنيسة افريقيا الاصلاحية التي تضع لافتة مكتوب عليها "كاريزما" وتذكر المارة أن المسيح هو الرب.

واذا كانت هناك منافسة بين معتنقي الدينين فان المسلمين يبدون أكثر تنظيما. وأول شيء يراه الزائر هو لافتة كتب عليها "مرحبا بكم الى الاسلام" عند مدخل لوديوم.

وتعلو أحد المساجد لافتة كبيرة الكترونية بها مواعيد الصلاة واتجاه القبلة.

كما توجد لافتات عليها خطوط الهواتف التي يمكن للنساء الاتصال بها للاستعلام عن الزي الاسلامي للمرأة.

والمسجد الفخم الذي يقوم فيه فرهاد بدور الامام يرتاده صبية صغار في سن تصل للسابعة وفتيات صغيرات بنفس السن يأتين من مدرسة اسلامية قريبة.

ويقول أنصار فرهاد انه يدعو الشبان الى مقاومة الاغراءات. وفي مكان ليس ببعيد وضعت اعلانات على أعمدة شبكة الهواتف لحفلات يقدم فيها مشروب التكيلا وهو مشروب روحي لاشهر مشغل اسطوانات "جازي دي".

والاشارة الوحيدة للجهاد لا نلمحها الا على ملصق يدعو الناس لزيارة المتجر الاسلامي "تسلح بسيفك".

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 13 شباط/2007 -25/محرم/1428