حوار مع الشيخ المنتظري بعد 28 عاماً من انتصار الثورة الإسلامية في ايران

* الإستبداد إستبداد، سواءٌ كان من ناحية الشاه أومن ناحية رجال الدين

* أن الطاقة النووية من حقنا، لكن ألم تكن لدينا حقوق أخرى لكي ندفع أثمان باهظة عليها

* الحكومة التي لابد أن تقوم في العراق يجب أن تكون مبنية على رأي الأكثرية الموجودة في المجتمع ومطابقة على رغبة الشعب

* فقهاء الشيعة بسبب تعرضهم للإنزواء السياسي طيلة القرون المتمادية، ما استطاعوا أن يحصلوا على فرصة لتبيين أبعاد الحكومة الدينية المتناسبة مع الزمن

 

في حوار صحفي جرى مع آية الله العظمى الشيخ حسين علي المنتظري بمناسبة ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران حسب التقويم الفارسي، تحدث سماحته عبر  صوت أمريكا عن أصل الثورة وإنجازات النظام والحكومة وأبرز أخفاقاته وعيوبه منذ تأسيسه إضافة إلى الوضع العام الحالي للبلد، وكذلك عن الوضع في العراق والدور الإيراني هناك، والخلافات الشيعية السنية، والعلاقة مع الولايات المتحدة، وفيما يلي نص الحوار:

 السؤال 1:  البعض يعتقد أن الثورة قد انحرفت عن مسيرها منذ البداية، لوكنتم توافقون على هذا الرأي، نرجوا أن تذكروا أدلتكم؟

المرجع المنتظري: بسم الله الرحمن الرحيم، بعد السلام  والتحية، بما أننا على أعتاب ذكرى إنتصار الثورة، قبل أن أجيب على أسئلتكم أرى من الضروري أن أذكر هذا القول: إن شعبنا في بداية ثورته كان يردد هذا الشعار: "الإستقلال، الحرية، الجمهورية الإسلامية". في عهد الشاه كان البترول يباع بسعر جيد، وكانت عملتنا أيضا ذات قيمة عالية في العالم، لكن الأمر الذي كان يؤلم شعبنا ودعاه إلى الثورة، هوالإستبداد الملكي والقمع والكبت وعدم مراعاة القوانين وضغوط السافاك وسلب الحريات والنهب والفساد الإجتماعي؛ ولذلك ثار شعبنا أمام هذه الخصال من أجل الحصول على الحرية والعدالة الإجتماعية ورفع التمييز، وتأسيس جمهورية إسلامية أي حكومة شعبية تتضمنها الموازين الإسلامية؛ وحسب ما يراه شعبنا هو أن الإستبداد إستبداد، سواءٌ كان من ناحية الشاه أومن ناحية رجال الدين. الشعب الذي كان شعاره "الجمهورية الإسلامية"، تبين أنه قد وافق على حكم الإسلام، وقصده من الحرية هي حرية التعبير وإبداء الرأي في القضايا السياسية والإجتماعية، وأن تكون وسائل الإعلام لجميع فئات المجتمع لا لفئة خاصة، وبالتالي فإن الناس قد رأوا الكبت والقمع حاكم على المجتمع، لذلك ثاروا من اجل إنقاذه من هذا الوضع.

بعبارة أخرى كانت حكومة مستبدة تحكم قبل الثورة وذلك بواسطة القوة وعدم الإهتمام بأفكار وآراء الرأي العام وبالإتكاء على السلطات الأجنبية، وكان أتباع النظام تحت ظل قوة السلطة كانوا يرون أن البلد وثرواته كلها من ملكهم المطلق، وكانت تنهب ثروات البلد، هذا في حين أن الأكثرية القاطعة لشعبنا كانت تعاني الفقر والحرمان.

في هذه الحالة كان العقل والشرع يحكمان أن لا يصمت الناس وأن لا يكونوا لا مبالين أمام  كل هذه المظالم والنهب والتجاوزات، فكما أن الظلم والإعتداء حرام، فإن تحمل الظلم أيضاً حرام إلا إذا كان الإنسان عاجزاً عن دفعه. إن الله قد جعل الغيرة والشهامة في فطرة الإنسان لكي يدافع عن حقه وعن شرفه وبلده ودينه.

إذن بناءً على هذا الأصل كان قيام الثورة الإسلامية واجب وجداني وشرعي، وبهذه المقدمة أجيب على أسئلتكم:

عن السؤال الأول: إن أصل الثورة وتأسيس نظام "الجمهورية الإسلامية" كان عمل مقدس وعظيم وقد حصل ذلك بواسطة نهضة جميع فئات الشعب وبقيادة المرحوم آية الله الخميني، ولقد وُعد الناس بوعود كثيرة منها الحرية السياسية والتوسعة الإقتصادية والثقافية، وكانت هنالك أهداف عالية  وذات قيمة والتي للأسف لم نصل إلى الكثير منها.

أما إنجاز النظام لا نستطيع أن نصفه بالسلبي المطلق ولا بالإيجابي المطلق. لقد تمت إنجازات إيجابية، كما حصلت أيضاً أعمال مضرة ومعارضة لمصالح الإسلام والشعب والبلد، وللأسف حصلت وتحصل بإسم الإسلام. وبشكل مجمل يمكن أن نذكر علل هذه المشاكل الحاصلة  على ما يلي:

ألف: عدم إتضاح معالم أبعاد الحكومة الدينية عند المتصدين بالأمر؛ إن فقهاء الشيعة بسبب تعرضهم للإنزواء السياسي طيلة القرون المتمادية، ما استطاعوا أن يحصلوا على فرصة لتبيين أبعاد الحكومة الدينية المتناسبة مع الزمن،  وكذلك صلاحيات ووظائف الحاكم، وحقوق الشعب، وكانت "الجمهورية الإسلامية" أول تجربة للحكومة الدينية بواسطة فقهاء الشيعة.

باء: الدستور أيضاً كان أول تجربة كتب بواسطة الخبراء – رغم أنهم كتبوه بحرقة قلب - لكنه كُتب دون تجربة، وبالطبع كان يحمل نقائص وتناقضات، ومنها أن المسؤوليات نوعاً ما هي على عاتق رئيس الجمهورية والسلطة التفيذية، ولكن أسس القوة والسلطة هي بيد القائد من دون أن يكون مسؤولاً ومجيباً، وبناءً على هذا تبقى الكثير من الأمور الأساسية والمهمة راكدة ولا يوجد من يجيب عليها.

جيم: المسؤولون والمتصدون للأمور بعد أن وصلوا للسلطة ابتلوا بنوع من التحزب وإنحصار السلطة وبناءً على هذا تم حذف الكثير من القوى النافعة والفعالة في البلد، وتم نسيان صفوة وإخلاص الماضي، وبدل إستقرار نظام العدل والقسط، إستقر نظام "الخواص وغير الخواص"، ودخل الأبرياء في السجون.

إن نتيجة هذه السياسات هوأن توضع الأمور على عاتق جماعة خاصة، وأن تُتجاهل النصائح والإنتقادات، وعلى أساس السنة الإلهية وتجربة التاريخ حينما توضع الأعمال الكبيرة على عاتق صغار الأفراد، وتوضع الأعمال الصغيرة على عاتق كبار الأفراد، فإن ذلك سيؤدي إلى إختلال الأمور وتضييع الحقوق ومصالح البلد، وبالتالي فإن فقدان التجربة والتمحور حول الذات عند المتصدين بالأمر وعدم تحملهم لإنتقادات الآخرين يعتبر منشأ لعمدة المشاكل والأزمات.

السؤال 2: يعتقد البعض أن سبب المشاكل في إيران هوخروج الدين عن إطار رسالته ودخوله في إطار الحكومة، ما رأيكم؟

المرجع المنتظري: إذا كان قصدكم من دخول الدين في إطار الحكومة هونظرية "ولاية الفقيه"، فلابد من القول أن نظرية "ولاية الفقيه" -  بصورة مجملة وبمعناها الصحيح والمعقول - تعتبر من المسائل الأساسية في الفقه الإسلامي، ويقر العقل والكتاب والسنة على صحتها، ولكن بعض التعريفات المغالية – خاصة إضافة قيد "المطلقة" – والنظرة المطلقة وعدم الإلتفات إلى سائر أصول الدستور ومنها الأصول المرتبطة بحقوق الشعب، قد أدت إلى ظهور التناقض والعراقيل في إدارة البلد، وتبعاً لذلك أدى الأمر إلى بعض الخسائر والأضرار.

وكما قلت فيما سبق،  مع هذا النهج الذي ينتهجه السادة بأعمالهم، فإن الحكومة الدينية ستفشل، ومع شديد الأسف لأنهم يبررون أعمالهم بإسم الإسلام، فإن الناس أيضاً سوف لا ينظرون إلى الإسلام وإلى أي حكومة تحكم بإسم الإسلام بنظرة حسنة.

السؤال 3: كيف تقيمون الوضع الحالي في البلد، والضغوط الدولية على إيران، وما هي سبل الحل؟

المرجع المنتظري: لا شك أننا في الوضع الحالي نواجه أزمة منقطعة النظير، سواءً من الداخل أوالخارج. وبغض النظر عن الجانب السياسي والثقافي، فإن شعبنا من الناحية الإقتصادية أيضاً يعاني مشاكل عديدة.

البلد الذي يملك الكثير من المصادر المتنوعة، أصبح أكثر تخلفاً من الكثير من البلدان التي لا تملك البترول والغاز، وذلك بسبب عدم وجود إدارة إقتصادية مدبرة. والمسؤولون أيضاً من خلال تقديم إحصائيات غير صحيحة ورفع الشعارات إتجهوا لمبررات غير مقبولة. والأهم من ذلك الضغوط الدولية في أمر الطاقة النووية أيضاً من إحدى عوامل الأزمات الإقتصادية.

 نحن أيضاً نعتقد أن الطاقة النووية من حقنا، لكن ألم تكن لدينا حقوق أخرى لكي ندفع أثمان باهظة عليها؟ يجب أن لا نثير البلدان الأخرى علينا بواسطة رفع الشعارات المتشددة من دون قاعدة ورصيد. إن التطرف يضر البلد والشعب، ويجب أن نستفيد في الأزمات من جميع الخبرات والنخب وأهل البصيرة.

السؤال 4: كيف تقيمون الدور الإيراني في السياسة العراقية؟ وما رأيكم حول الخلافات الشيعية السنية؟

الشيخ المنتظري: بسبب التماثل والتشابه في الكثير من القضايا الإيرانية والعراقية، فإن مستقبل البلدين لا يمكن أن يكونا منفصلين عن بعضهما من الناحية السياسية والثقافية، وتلقائياً شئنا أم أبينا سيترك أثره على بعضيهما.

الحكومة التي لابد أن تقوم في العراق يجب أن تكون مبنية على رأي الأكثرية الموجودة في المجتمع ومطابقة على رغبة الشعب، وبما أن الشعب العراقي متدين كمثل الشعب الإيراني، فإن الحكومة لا تستطيع أن تقوم من دون النظر إلى الدين والمذهب، والأقليات أيضاً لابد أن تستطيع أن تستفيد من حق المواطنة.

من إحدى أخطاء صدام أنه كان يريد أن يفصل العلاقات والأواصر بين البلدين وشعبيهما. لإيران والعراق إرتباطات وأواصر قوية في الجوانب الثقافية والدينية والمذهبية، والمشاهد المشرفة في العراق تحظى بإهتمام وإحترام جميع شيعة العالم.

بالطبع ليس لدينا حق التدخل في أمور العراق الداخلية، والشعب العراقي بنفسه يتخذ قراره لمستقبله، والحكومة  أيضاَ لابد أن تكون بناء على رغبة الأكثرية. لكن للأسف بعض من الجماعات الشيعية والسنية في العراق ومن خلال تطرفها تخدم أعداء كلا الفريقين، وما لم تتحد جميع الفرق العراقية، فإن البلد سوف لا يخرج من الهرج والمرج والإحتلال.

 الشيعة والسنة كلاهما مسلمين، والإسلام دين الرحمة والسلام، لا دين العداوة والعنف. ونقرأ في القرآن الكريم: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان"، "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".

السؤال 5: ما رأيكم حول العلاقة مع أمريكا؟

المرجع المنتظري: بالنظر إلى أن أمريكا كانت المحركة لإنقلاب 28 مرداد [ أغسطس 1953] الذي قضى على حكومة مصدق الوطنية بواسطة زاهدي وأرجع الشاه، وبعد ذلك هيمنت تقريباً على جميع الشؤون السياسية والإقتصادية في البلد، وبعد الثورة أيضاُ جمَّدت الأموال الإيرانية، فإن ذلك أدى إلى الغضب الشعبي في بداية الثورة على أمريكا، وبالتالي قام الطلبة بإحتلال السفارة الأمريكية في إيران، وأمريكا أيضاً قطعت علاقتها مع إيران؛ وعلى هذا الأساس نهى المرحوم الإمام (رحمه الله) عن أي إرتباط مع ذاك البلد، ولكن من الواضح أن ذاك الحكم كان حكماً مؤقتاً، ومن الممكن أن يتغير حسب الظروف السياسية والإقتصادية، وهذا الأمر رهينة أن تكون العلاقة بمصلحة البلد، وحسب العرف أن تكون العلاقة علاقة بلدين مستقلين، وليس من قبيل أن تكون العلاقة علاقة ذئب وحمل.

هذا موضوع يجب على المتخصصين والخبراء في السياسة الخارجية وبالتنسيق مع وزارة الخارجية ومن دون التحزب، أن يدرسوا منافعه ومضاره في الظروف الحالية. إذا كان البناء أن تكون سوء السابقة موجبة لترك العلاقة، فإن بريطانيا وروسيا قد وجها في السابق ضربات على إيران أكثر من الضربة الأمريكية، إذن يتبين أن المبنى هي الظروف الحالية في البلد والعالم ومصالح الثورة والنظام، وليس أحداث الماضي، وحسب رأيي إن قطع العلاقة مع أمريكا اليوم ليست بمصلحة البلد. طبعاً على أمريكا أيضاً أن تستعبر من إحتلال أفغانستان والعراق والخسائر الإنسانية والمالية الكثيرة التي تحملتها، وأن تفهم أن الشعوب قد استيقظت وأنها لا تستطيع من خلال تحميل الأجواء والتهديدات أن تفرض سلطتها على العالم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 12 شباط/2007 -24/محرم/1428