مفاهيم ضبابية... الطائفية نموذجا؟؟

بقلم:م.غريبي مراد عبد الملك(*)

 إن المراجعة الحصيفة للمنظومات الفكرية والبناءات الثقافية والمسارات النقدية في الفضاء السوسيوثقافي الجزائري، ترشد صاحبها إلى إكتشاف ظاهرة التخمة النفسية في صياغة الآراء والأفكار والمشاريع التجديدية، وهذا ما جعل من الإيديولوجية هي الحاكم الرئيسي والمنسق الأساسي للخيارات والتوجهات الإصلاحية على حساب البناءات الثقافية الأصيلة والموضوعية التي ترتكز على الإبستيمولوجيا...

ولعل هذا التصور ليس غريبا لوجود ما يبرره موضوعيا من نفاق وتواطؤ سياسي وتخلف ثقافي وهشاشة اجتماعية واضمحلال اقتصادي للأفكار كما للثروة،  حيث اكتسحت الأمراض الباراسيكولوجية العقول والقلوب والدروب المسماة ظاهرا بالتنويرية والتجديدية...

فعلى سبيل الواقعية والمثال الحي الطائفية، واحدة من المشكلات المعقدة  التي تعاني منها العديد من المجتمعات الإسلامية كالعراق ولبنان والبحرين والسعودية والسودان وفلسطين المحتلة وباكستان، هذا المرض النفسي –أساسا-  العضال، كيف ينظر أهل الفكر والأدب والشعر والدين والسياسة والنفس والاجتماع والثقافة  في بلاد بني مزغن إلى هذه المشكلة-الطائفية- العويصة والخطيرة؟

بادئ ذي بدء  الطائفية كمفهوم هي ذات علاقة بالمجتمع الإنساني ككل تتحرك في خطين: خط الفكر وخط العاطفة، ومحل نشوئها في المجتمعات التقليدية ذات التشابك غير المتجانس والقابع في النحن النرجسي  وليس في النحن العقلائي...

ففي خط الفكر تعني الطائفية خلافات في الآراء الإعتقادية والنظريات الشرعية،بينما في العاطفة تعني الإنشداد والتعصب والانغلاق على الذات الجمعية، حيث يلتقي هذا التعصب الجمعي بعنوان الدين فيصبح تعصب ديني أوبعنوان المذهب (السياسي أوالديني أوالاقتصادي) فيصبح تعصب مذهبي، كما في حال اتصاله بعنوان العرق أوالقوم أوالطائفة  ينتج تعصب عرقي، قومي أوطائفي... وهذا الخط لديه إرتكازية محورية على العقل الجمعي السلبي حيث يغلب الهوى على أداء العقل... 

وهناك بعد آخر يتعلق بالخلاف في الرأي ووجهات النظر وحول القضايا والمسائل الفكرية العامة والخاصة ذات التداول في أغلب مجالات الحياة، وهذا البعد يتحرك في اتجاهين:

1-الموضوعية

2-الذاتية 

في الموضوعية الخلاف أمر طبيعي لأنه يرجع إلى الاختلافات العلمية النابعة من الاختلاف في المنهج أوالاختلاف في النظرة وهذا موجود في كل مجالات الفكر الإنساني، وهوبطبيعته لا يوجه ولا يوحي بخلاف طائفي...

أما الاتجاه الآخر، الذاتية فمعظمه متأثر -عن وعي أوبدون وعي- بالعصبيات...

وبناءا على ما تقدم من إشارات لمناحي عنوان الطائفية، نخلص إلى أن مشكلة الطائفية –القاتلة- لابد لاجتثاثها  أن نبدأ بمعالجة مرضي الذاتية كثقافة ميتة  والتعصب كأيديولوجيا بدائية.

ولاشك أن مثل هذه القضايا وغيرها يلاحظ دائما عند إثارتها ومحاولة الإجابة عنها في فضائنا الثقافي الجزائري وجود خط متشدد يقدم الموقف الرافض تماما في كل قضية من شأنها تفعيل المعنى الإنساني المبني على التواصل الثقافي لإرساء أطر التعارف بين بني الإنسان، خصوصا وأننا في زمن العولمة التي لا ترحم من تقوقع وتعصب للوهم واستسلم للخوف الأيديولوجي والقلق الثقافي...

وهناك خط مغلوب على أمره يفضل الصمت السلبي، ومنطقة الفراغ في هذا كله تتمثل في الموضوعية التي توحي بعدم وجود وسط في تشخيص ومعرفة وعلاج مثل هذه المشكلات المعقدة إلا فيما ندر كالتمويه الإعلامي  والتجهيل الثقافي، وهذه الحال هي قمة المأساة الثقافية في الجزائر أم النبلاء...

كانت وقفة نقاشية مقتضبة لإحدى المشكلات الراهنة التي أصبحت تهدد بنيتنا الفكرية والثقافية  قبل بنائنا الإجتماعي ورشدنا السياسي، سنحاول تشخيص شبكتها المفاهيمية المتناثرة وذات العلاقة بعدة أمراض نفسية وفكرية، معتمدين في ذلك  على بصائر القرآن والسنة والنظريات الاجتماعية العلمية الحديثة كما نسعى للتعمق في أخطارها المحدقة في وقفات  قادمة بإذن الله...

فبدون الوقفات الفكرية والأخلاقية المسؤولة والإشارات التربوية الثاقبة، سنستمر في تكرار أخطاء  الأجيال الماضية، ولن تنفعنا خطط التنمية إذا لم ترتكز هذه التنمية على الإنسانية والمعرفة  والثقافة...  

(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 11 شباط/2007 -23/محرم/1428