
تسير الادارة الأميركية على حبل رفيع في سياستها ازاء ايران، فهي
تُظهر، من جهة، نيتها في التصعيد ضد المصالح الايرانية في العراق،
لكنها تحاول في الوقت نفسه تفادي مواجهة عسكرية شاملة مع طهران، لذلك
تستحدث ادوات ضغط اخرى من اجل اجبار ايران على رفع يدها عن العراق
والتخلي عن المشروع النووي.
وتهدف هذه السياسة الى دفع ايران لتقديم تنازلات اقليمية وتغيير
المعادلة السياسية في العراق، مع تجنب أي آثار عكسية مثل انجرار واشنطن
للمواجهة نتيجة أي عمل «تحريضي» أو استخدام ايران نفوذها لإعاقة
العملية السياسية في العراق.
وتشير المعطيات الأولية، وبحسب رأي المتخصص في الشؤون الايرانية في
«معهد واشنطن للدراسات» باتريك كلوسون، الى «نجاح هذه الاستراتيجية
وتوافق ضمني من الطرفين الأميركي والايراني على ابقائها داخل العراق».
ويقول كلوسون، الذي يقدم استشارات للادارة وأعضاء الكونغرس حول
الملف الايراني، إن طهران بدأت «تستوعب أن ثمن طموحاتها الاقليمية
والنووية باهظ، وقد لا تتمكن من دفعه في الوقت الحالي».
ويضيف أن تاريخ ايران «يعطي انطباعاً بأن النظام على استعداد لتقديم
تنازلات تحت الضغوط الديبلوماسية والعسكرية» مثل موافقة آية الله
الخميني على انهاء الحرب مع العراق في 1988». ويضيف أن هذا النظام «قد
يقتنع بتأجيل برنامجه النووي عقداً أو عقدين اذا ما أثبتت له واشنطن
فداحة ثمن طموحاته القومية».
ويتوقع كلوسون زيادة في الضغوط الأميركية على ايران لإبعادها عن
الشأن العراقي والمضي في عملية المصالحة وتقوية المعتدلين هناك وتقويض
نفوذ طهران الاقليمي، خصوصاً في لبنان والأراضي الفلسطينية.
ويرى خبير مكافحة الارهاب والشؤون العسكرية في مؤسسة «راند» للأبحاث
براين جينكينز، الذي عمل في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس السابق
بيل كلينتون وفي السنوات الأولى من ولاية بوش، أنه «في ظل التشنج
الحالي» قد يؤدي أي «عمل تحريضي» أو «خطأ في الحسابات» بين الطرفين
الايراني والأميركي الى «مواجهة أوسع» على رغم عدم وجود النية في
اطلاقها.
ويتحدث جينكينز عن عناصر داخل النظام الايراني وفي «الحرس الثوري»
قد تلجأ الى اشعال فتيل المواجهة في حال وجدت نفسها في المقعد الخاسر.
وقد يكون هذا الفتيل اما عملية خطف رهائن أميركيين في العراق أو
استهداف سفن أميركية في مياه الخليج شبيه بتفجير1987 للمدمرة «ستارك»
الأميركية. وفي حال حدوث سيناريو كهذا، يشير جينكينز الى أن واشنطن
ستجد نفسها «مضطرة للرد» وأن الكونغرس «لن يتردد في دعم الادارة أمام
أي تحرش ايراني».
وفي سياق الحرب الباردة اعلن التلفزيون الايراني نقلا عن وزير
الاستخبارات الايراني غلام محسني ايجائي قوله ان ايران تعرفت على مئة
جاسوس يسعون الى تقديم معلومات عسكرية وسياسية في الولايات المتحدة
واسرائيل.
وقال الوزير الايراني ان "هؤلاء الاشخاص مرتبطون مباشرة بالولايات
المتحدة واسرائيل بالسي آي ايه (وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية)
والموساد (جهاز الاستخبارات الاسرائيلي)".
واضاف ان هؤلاء "الجواسيس يعملون في المناطق الحدودية لايران".
واكد ايجائي انه "تم التعرف عليهم وتجري مراقبتهم" بدون ان يضيف اي
تفاصيل.
كما اعلن الوزير الايراني "توقيف اشخاص كانوا يريدون التوجه الى
الخارج تحت غطاء تأهيل مهني من اجل اتباع دورات تدريب على التجسس" بدون
ان يذكر عدد هؤلاء بدقة.
واعلنت ايران في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي توقيف "جاسوس"
كان يرسل معلومات في المجال النووي الى مجاهدي خلق كبرى حركات المعارضة
المسلحة.
وكان مجاهدو الشعب كشفوا في 2003 وجود مصنع تخصيب اليورانيوم في
نطنز ومصنع التحويل في اصفهان.
بدورها اكدت البنوك السويسرية يوم الاربعاء حقها في التعامل مع
الايرانيين رغم الضغط الدولي المتزايد لشن حملة على الاموال المرتبطة
بطهران.
وقال بيير ميرابو رئيس اتحاد المصرفيين السويسريين إن من المهم
التمييز بين حكومات "الدول المارقة" ومن يعيشون في تلك الدول.
واضاف للصحفيين في جنيف وهي مركز للبنوك السويسرية التي تعنى بزبائن
من الشرق الاوسط "من الصعب تماما وضع دولة واحدة وكل مواطنيها في سلة
واحدة. يجب ان تميز في النهج."
واوقف كثير من البنوك الكبرى التعامل مع ايران على مدى العام
المنصرم بسبب الضغط الامريكي بشأن البرنامج النووي لإيران لكن ميرابو
قال ان الامر يرجع الى كل مؤسسة على حدة في ان تقرر من تقبلهم وتقرر
الاحتفاظ بهم من الزبائن.
واضاف ان البنوك السويسرية لا تتعامل بصورة مباشرة مع الحكومة
الايرانية او كبار مسؤوليها لكن لا يجب منعها من مساعدة زبائن محتملين
لمجرد انهم يحملون جواز سفر ايرانيا او لان جنسيتهم ايرانية.
وقال "يوجد كثير من المواطنين الايرانيين يعيشون في سويسرا او في
لندن او في اماكن اخرى من اوروبا وهم بالتأكيد جديرون بالثقة ومتواضعون
جدا واناس امناء جدا. لا أفهم سبب ان هؤلاء الناس لا يمكنهم ان يكون
لهم حساب مصرفي."
وأظهرت بيانات لاتحاد المصرفيين السويسرين نشرت الاربعاء أن سويسرا
تتصدر دول العالم في ادارة الثروة الخاصة الدولية وتختص بنسبة 28 في
المئة من الاصول العالمية الموجودة بالخارج والمقدرة بمبلغ 5.9 مليار
دولار.
وانتقد ميرابو ايضا جهود واشنطن لشن حملة على تمويل الارهاب وغيره
من التمويلات الاجرامية.
وقال ان قوائم الاسماء الذين تربطهم السلطات الامريكية بتمويل
ارهابي وغيره من الانشطة غير الشرعية يمكن الا تكون "كاملة تماما."
واشار الى ان تلك القوائم تعرف باسم "قوائم بوش" نسبة الى الرئيس
الامريكي جورج بوش.
وقال ميرابو "بعض تلك القوائم اعدت بصورة سيئة جدا." واضاف انه حين
توثق بعض الاسماء على القوائم الامريكية وتفحصها الحكومة السويسرية
فسترفض البنوك السويسرية التعاملات مع تلك الاسماء.
من جهتها قالت هيئة الاذاعة والتلفزيون الايرانية ان الحرس الثوري
الايراني أجرى يوم الخميس تجارب صاروخية خلال مناورات عسكرية ونقلت عن
احد القادة الايرانيين قوله ان هذه الصواريخ قادرة على اغراق "سفن
كبيرة" في الخليج وخليج عمان وشمال المحيط الهندي.
وتخوض ايران مواجهة مع الولايات المتحدة بسبب برنامها النووي كما
تتهمها واشنطن بالتدخل في العراق.
وأمرت الولايات المتحدة بتوجه حاملة طائرات ثانية الى الخليج لتصعيد
الضغوط على ايران.
وقال علي فدوي وهو قائد بحري كبير في الحرس الثوري "هذه الصواريخ
ويصل أقصى مدى لها الى 350 كيلومترا يمكن ان تضرب أنواعا مختلفة من
السفن الكبيرة في الخليج الفارسي كله وفي بحر عمان كله وشمال المحيط
الهندي."
ونقلت الهيئة على موقعها على الانترنت قول فدوي أيضا ان الرؤوس
الحربية التي تحملها هذه الصواريخ والتي يصل وزنها الى 500 كيلوجرام
قادرة على اغراق "كل انواع السفن الكبيرة".
وذكر التلفزيون ان التجارب الصاروخية التي أجريت في اليوم الثاني من
المناورات العسكرية التي تقوم بها وحدات بحرية وجوية تابعة للحرس
الثوري الايراني هي "لاثبات ان ايران قادرة على مواجهة اي تهديدات
محتملة."
والحرس الثوري جناح عقائدي من القوات المسلحة الايرانية وله هيكل
قيادة مستقل عن الجيش النظامي. وكانت المناورات العسكرية الايرانية
السابقة في المنطقة قد اعتبرت على نطاق واسع عرضا للقدرات العسكرية.
ويقول خبراء عسكريون ان القوات الايرانية ليست متقدمة تكنولوجيا مثل
الجيش الامريكي ورغم ذلك فبمقدورها ان تسبب فوضى في الخليج ومضيق هرمز
الذي يمر منه خمسا النفط المتداول في اسواق العالم.
وقالت الهيئة على موقعها على الانترنت ان الصواريخ من طراز
اس.اس.ان-4 التي تصفها مواقع على شبكة الانترنت ومعلومات مؤسسة جينز
بأنها صواريخ ذاتية الدفع موجودة منذ الستينات وانها تطلق من غواصات
عندما تكون على السطح.
وتقول هذه المواقع ان الصواريخ من طراز اس.اس.ان-4 يصل مداها الى
550 كيلومترا أو أكثر. واشار موقع على الانترنت ان لها حمولة قصوى تصل
الى 1370 كيلوجراما وهو ما يزيد كثيرا عن الرأس الحربية التي يبلغ
وزنها 550 كيلوجراما التي تحدث عنها فدوي.
وأظهرت اللقطات صور صواريخ تطلق من الارض وتصيب الجزء العلوي من
سفينة في البحر. لكن الصاروخ الذي اطلق بدا مختلفا عن التصميمات
والوصفات التي اطلقت على الصاروخ اس.اس.ان-4 في مواقع الانترنت.
وردا على سؤال للاذاعة الايرانية عن العتاد الذي ستجري تجربته أشار
حسين سلامي قائد القوات الجوية بالحرس الثوري الايراني الى أن
الاختبارات ستشمل معدات مرتبطة بنظام تور-ام 1 الصاروخي الروسي المضاد
للطائرات.
ولم يتضح ان كان سيتم اطلاق هذه الصواريخ في المناورات.
وفي الشهر الماضي قالت روسيا انها أتمت تسليم نظام تور ام 1 لايران.
وقالت واشنطن ان الصفقة تقوض الامن الاقليمي. وتقول موسكو ان الصواريخ
قصيرة المدى ولاغراض دفاعية بحتة.
وتتهم واشنطن ايران بالسعي لامتلاك اسلحة نووية وهو ما تنفيه طهران.
كما تنفي ايران ايضا مساندتها لميليشي
وفي هذا السياق حذر علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في
إيران من أسماهم بـ "الأعداء" بأن مصالحهم حول العالم ستكون عرضة للرد
في حال تم توجيه أي ضربة لإيران، وذلك في إشارة إلى الولايات المتحدة
الأمريكية التي تمر علاقتها بطهران حالياً بمرحلة توتر شديد.
وقال خامنئي في كلمة ألقاها الخميس أمام حشد من كوادر القوات الجوية
الإيرانية: "الأعداء يعرفون جيداً أن أي ضربة ستستدعي منا توجيه رد
مناسب إلى المعتدي ومصالحه حول العالم."
وأضاف الخامنئي في كلمته التي بثتها وسائل الإعلام المحلية
الإيرانية "يقولون أن الرئيس الأمريكي لا يعي نتائج تصرفاته، لكن من
الممكن إعادة هذا النوع من الناس إلى رشده .... الساسة والمحللون في
الولايات المتحدة، يعرفون أن الأمة الإيرانية لن تدع أي غزو يمر دون
رد."
وغالباً ما يدلي القادة الإيرانيين بتصريحات عالية النبرة، يتوعدون
فيها بردود قاسية في حال تمت مهاجمتهم، ويعتقد بعض المراقبون أن لتلك
التصريحات أهداف داخلية بحتة وفقاً للأسوشيتد برس.
وتأتي مواقف خامنئي هذه، في وقت تمر فيه العلاقات الإيرانية
الأمريكية بمرحلة دقيقة، بسبب التوتر الشديد بين البلدين على خلفية
الاتهامات الأمريكية لطهران بالتدخل في العراق، والسعي لامتلاك قدرات
نووية.
يذكر أن الرئيس الأمريكي، جورج بوش، كان قد أمر جيشه المتواجد في
العراق بالتحرك ضد الإيرانيين الذين يعتقد أنهم ضالعون في العمليات
المسلحة، كما دفع بحاملة طائرات ثانية إلى الخليج، في رسالة ذات مغزى
موجهة إلى طهران.
كذلك تعاني العلاقات الإيرانية الدولية من توتر مماثل، خاصة بعدما
فرض مجلس الأمن عقوبات على طهران لرفضها تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم
التي تجريها.
وقالت الولايات المتحدة إن التدابير غير العسكرية يمكن أن تكون
فعالة في مواجهة طموحات ايران النووية ودعت الى عقوبات جديدة أكثر
صرامة من قبل الامم المتحدة اذا لم تقم ايران بوقف تخصيب اليورانيوم
الذي يمكن استخدامه في صنع اسلحة.
وبعد عملية مريرة أفضت الى اصدار اول قرار للعقوبات في ديسمبر كانون
الأول الماضي قال مسؤولون امريكيون انهم يميلون الى نقل التركيز بعيدا
عن عمل الامم المتحدة الى اجراءات احادية مثل اتخاذ واشنطن لاجراءات
صارمة ضد بنوك ايرانية في الخارج لممارسة الضغط على حكومة طهران.
وقال جريجوري شولت السفير الامريكي لدة الوكالة الدولية للطاقة
الذرية خلال مؤتمر في ميونيخ انه اذا استمرت ايران في تحدي مطالب مجلس
الامن الدولي بشأن وقف تخصيب اليورانيوم فان المجلس "يتعين ان يكون
مستعدا لاخذ مزيد من التدابير في الاعتبار." بعد تلقي تقرير من الوكالة
الذرية في 21 فبراير شباط.
واثار الدفع الامريكي في اتجاه تحرك اوروبي اشد صرامة حديثا عن خلاف
اخر عبر الاطلسي لكن دبلوماسيا اوروبيا رفيعا نفى ان تكون هناك اي
مواجهة تلوح في الافق.
وقال "كل دولة حرة في اتخاذ القرارات الملائمة...ذلك لا يعني ان
الفارق الدقيق بين الولايات المتحدة واوروبا يثير توترات."
واضاف الدبلوماسي انه ايا كان ما سيقدمون عليه ينبغي على الولايات
المتحدة واوروبا تجنب الظهور وكأن الغرب في "حملة صليبية" جديدة ضد
الدول الاسلامية.
وكان الخطاب الامريكي الصارم والاعلان عن القيام باجراء ضد
الايرانيين الذين تقول واشنطن انهم يدعمون المتمردين في العراق قد اثار
تكهنات بشأن عمل عسكري امريكي محتمل ضد ايران.
وهون مسؤولون امريكيون من احتمال الخيار العسكري وقال مسؤولون
اوروبيون انهم يقبولون تأكيداتهم.
واتهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها ايران بالسعي لامتلاك اسلحة نووية
بينما تصر طهران على انها تهدف فحسب الى انتاج الطاقة. كما تنفي طهران
الاتهامات الامريكية بأنها تذكي العنف في العراق بما في ذلك هجمات ضد
القوات الامريكية هناك. |