السفر برا.. الخيار الاصعب والاخير لأغلب العراقيين

في ظل الظروف الأمنية المتدهورة التي تشهدها البلاد ، تشتد خطورة التنقل عبر الطرق البرية حتى أصبح السفر عبر تلك الطرق خيارا صعبا بل ومستبعدا ، لا سيما للمسافرين إلى الخارج عبر الطرق البرية المؤدية إلى الحدود مع سوريا أو الاردن، خوفا من القتل أو الاختطاف.

وهذه المخاطر لا تقتصر على الطريق الدولي الذي يربط بين بغداد والحدود الأردنية أو السورية بل تعدته إلى الطرق الخارجية التي تربط بين بغداد والمحافظات ، إذ انخفض عدد سائقي الأجرة الذين كانوا يعملون على تلك الطرق بشكل كبير بعد أن أصبحت خطورتها تتعدى السرقة من قبل قطاع الطرق .. إلى القتل والاختطاف أيضا.

وفي السماوة ، بدت مكاتب السفر الخاصة بالنقل البري ، فضلا عن أعمال سائقي الأجرة في هذا المجال شبه معطلة ، كما أدى عزوف الكثير من المواطنين عن السفر إلى الخارج برا الى إستفادة شركات الخطوط الجوية التي إزدادت رحلاتها في ظل هذه الظروف .. ليجد المواطنون أنفسهم مجبرين على تحمل التكاليف الباهظة للسفر جوا.

يقول حسن موسى عمران، صاحب مكتب الشام للسفر في مدينة السماوة " توقفنا عن تسيير الرحلات إلى عمان ودمشق عبر الطريق البري بسبب خطورة الطريق ووجود العديد من العصابات."

وأوضح لوكالة أنباء ( أصوات العراق )  " منذ قرابة شهرين ونصف أختطفت سيارتان تابعتان لمكتبنا مع سائقيهما واثنين من المسافرين في الرطبة بعد عودتهم من عمان."

وأضاف " لم نسمع خبرا عنهم جميعا منذ ذلك الحين ولا نعرف عنهم شيئا ، والأغلب أنهم قتلوا على يد قطاع الطرق أو لقوا حتفهم بسبب العنف الطائفي."

وأشار حسن إلى انه ما زال هناك من يرغب بالسفر برا من العراقيين، بقوله "إلى الآن يأتي مسافرون إلى مكتبنا يرغبون بالسفر برا إلا أننا خوفا على سلامتهم وسلامة السواق والسيارات لا نغامر بإرسال أي سيارة على ذلك الطريق."

وعما كان عليه عمل مكاتب السفر قبل تدهور الوضع الأمني ، قال عمران " قبل توقفنا عن العمل كنا نرسل من عشر إلى 15 سيارة أسبوعيا إلى عمان ودمشق من مكتبنا فقط ، ناهيك عن باقي المكاتب في السماوة."

وأضاف " أما الآن فعملنا يقتصر على الجلوس في المكتب وتبادل الحديث مع الأصدقاء.. وسياراتنا تحولت إلى العمل على الطرق الداخلية سماوة - بغداد،وسماوة - بصرة والى كربلاء والنجف."

ومن جانبه ، قال أبو أحمد ،مدير شركة الخطيب للسياحة والسفر في السماوة " كنا نسير رحلات منتظمة إلى عمان ودمشق بواقع 20 حافلة وسيارة صغيرة أسبوعيا ، فضلا عن تنظيم رحلات سياحية في فصل الصيف إلى بيروت ودمشق وعمان."

وأضاف"منذ الصيف الماضي وبسبب أحداث القتل والخطف أوقفنا جميع تلك الرحلات ، واقتصر عملنا على الجانب الدولي على تسيير رحلات السياحة الدينية إلى إيران والتي ننظمها في العطل الصيفية فقط."

وأشار إلى إن السفر الى ايران عبر الطرق البرية في جنوب العراق أقل خطرا بكثير من السفر إلى سوريا أو الاردن عبر الطرق الدولية في المناطق الغربية من البلاد التي تعاني من تدهور الأمن فيها.

وقال ميثم ،وهو سائق كان يعمل على طريق سماوة - عمان ،رافضا ذكر اسمه كاملا، " لقد شاهدنا الموت بأعيننا مرارا على طريق بغداد - عمان."

وأضاف " تعرضت خلال السنوات الماضية في أكثر من مرة لقطاع الطرق ، وكانوا غالبا يكتفون بأخذ ما نحمل انا والركاب من مال."

واستدرك " لكن في الشهور الأخيرة أصبح الوضع لا يحتمل بعد سيطرة الإرهابيين على الطريق ، إذ راح العديد من زملائنا السواق ضحايا بين قتيل ومختطف ، وإلى الآن لا يعرف مصيرهم هم وركابهم."

وتوقف عمل مكاتب السفر وسواق الأجرة تعدى الطريق بين بغداد والحدود ليشمل طرق المرور الخارجية بين بغداد والمحافظات.

يقول مدير شركة الخطيب"لقد توقفنا عن تسيير الحافلات من السماوة إلى بغداد وبالعكس.. فقد كنا نرسل 16 حافلة أسبوعيا الى بغداد وقد أوقفناها منذ ثلاثة شهور مع ازدياد تدهور الوضع الأمني في بغداد وعلى الطريق بين بغداد والحلة."

واضاف " أذكر أن إحدى حافلاتنا قد تعرضت لإطلاق نار مباشر باتجاهها قرب منطقة اللطيفية ولم تقع إصابات والحمد لله."

أما مدير النقل الخاص في محافظة المثنى فرحان عبد الحسن فقد قال " إن أحد عشر سائقا من السماوة كانوا يعملون على خط بغداد - سماوة قتلوا خلال الثلاثة أشهر الأخيرة مع ركابهم."

وقال إن سبب استهدافهم يعود إلى" إن غالبية ركابهم كانوا جنودا أو موظفين في الدولة"، مشيرا إلى أنه " لا توجد لدينا إحصائية بعدد الذين قتلوا أو خطفوا من السواق الذين يعملون على الخط الدولي من بغداد والى عمان ودمشق."

ورأى عبد الحسن أن عمليات استهداف تلك السيارات تتم عبر ما أسماه "رصد العلاسة" الذين يتواجدون ربما في مرائب (كراجات) النقل الخاص.

وأوضح "يقوم أولئك الأشخاص بإبلاغ المجموعات المسلحة التي يعملون معها عن أية سيارة تخرج من الكراج وتحمل ضمن ركابها جنودا أو موظفين في الدولة."

وأشار إلى " عزوف السواق حاليا عن العمل على خط بغداد سماوة بسبب الأوضاع الأمنية ، إذ تقلص العمل على خط سماوة - بغداد بنسبة 90% ،فبينما كان عدد السيارات التي تعمل على ذلك الخط قبل ثلاثة أشهر 500 سيارة أصبح العدد الآن لا يتجاوز 25 سيارة وغالبيتهم من سكنة بغداد."

أبو محمد،أحد السواق الذين لازالوا يعملون على خط بغداد - سماوة ، قال " لقد فقدنا الكثير من أصدقائنا وزملائنا بسبب استهدافهم من قبل مجموعات مسلحة في بغداد وعلى الطريق في مناطق اللطيفية والصويرة وكان معظمهم يحمل جنودا أو موظفين حين استهدافهم."

وأضاف " أما نحن القلة الباقين على العمل على هذا الخط فلأننا من سكنة بغداد وسياراتنا تحمل لوحات مرورية صادرة من بغداد ،كما أننا أصبحنا نتحذر من صعود جندي أو موظف الى سياراتنا، حتى إننا نضطر أحيانا إلى منعهم من الصعود للحفاظ على سلامتنا وسلامة باقي الركاب."

ومع اشتداد خطورة الوضع الأمني على الطرق الخارجية وعزوف السواق عن المرور على الطريق بين بغداد والحدود الأردنية أو السورية ، يجد الراغبون بالسفر من العراقيين والقادمون الى العراق انفسهم أمام خيار واحد ، وهو السفر جوا .. وقد أدى ذلك إلى ازدهار عمل شركات الخطوط الجوية.

وقالت خلود علي حميد ، مديرة مكتب الخطوط الجوية العراقية في السماوة "منذ عام تقريبا استأنفنا العمل في مكتبنا في السماوة لإصدار تذاكر السفر بطيران الخطوط العراقية، وكنا نصدر تذاكر سفر إلى عدد قليل من المسافرين بحدود 10 مسافرين شهريا."

وتابعت " وبعد توقف السفر من السماوة إلى الأردن وسوريا عبر الطريق البري ازداد عدد المسافرين من السماوة عبر الطيران فأصبحنا نصدر التذاكر لأربعين أو خمسين مسافرا شهريا."

وأشارت إلى أن "غالبية المسافرين الذين يستصدرون تذاكر السفر من مكتبنا يطلبون السفر عبر مطار البصرة الدولي ويرفضون السفر عن طريق مطار بغداد الدولي حتى وان تأخرت حجوزاتهم عن طريق مطار البصرة عدة أسابيع وذلك خوفا من الوضع الأمني المتدهور في بغداد وعلى طريق المطار."

ويجد المواطن محمد سعد ( 40 سنة ) نفسه مجبرا على تحمل تكاليف السفر جوا ، إذ يقول " أنا لم اسافر في حياتي جوا قبل عام 2006 إلا أنني وجدت نفسي مجبرا على ذلك بعد توقف السفر البري ، والذي كنت أفضله كثيرا ، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة على الطرق البرية ..وهكذا سافرت جوا مرتين خلال الأشهر الأخيرة."

وأبدى أبو أحمد،( 43 سنة) إستياءه من ارتفاع أسعار تذاكر السفر من والى العراق ، وقال"ربما السفر جوا هو أسرع وأكثر راحة وأمان للمسافر ولكنه مكلف جدا قياسا بالدول الأخرى."

وأضاف"أنا من الأشخاص كثيري السفر بحكم عملي وأجد أن سعر التذكرة من العراق إلى عمان مثلا والبالغ بحدود 725 دولارا ، وهو بالنسبة للخطوط الجوية العراقية سعر عال جدا لأنه يساوي سعر التذكرة من عمان إلى لندن مثلا."

وتابع "سابقا كان السفر برا إلى الأردن لا يكلفني أكثر من 80 دولارا ذهابا وإيابا ، أما الآن فأنا مضطر لدفع قرابة عشرة أمثال ذلك ، وأتمنى أن تراعي الخطوط العراقية أوضاع العراقيين وتقلل من أسعار تذاكرها."

وهكذا إنعكس تدهور الوضع الأمني على الطرق البرية في العراق إيجابا على عمل شركات الخطوط الجوية ،ومع ازدياد ظاهرة هجرة العراقيين الى الخارج بمعدلات تتصاعد يوما بعد يوم هربا من تداعيات الامن المفقود ، إزدادت ارباح شركات الطيران ليصدق المثل القائل " مصائب قوم عند قوم فوائد."

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 8 شباط/2007 -20/محرم/1428