منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران والى يومنا هذا ولعبة القط
والفأر بين أمريكا وإيران لم تتوقف بعد !. اللعبة طويلة وشاقة ومضنية
بل ودموية في بعض الأحيان، إلاّ أن القط لم يستطع إبتلاع الفأر والقضاء
عليه نهائيا !. وبقي يتربص به وينتظر الفرصة الذهبية الملائمة للإنقضاض
عليه وتصفيته جذرياً !.
وهكذا جاءت الفرصة المنتظرة بعد أحداث 11 أيلول 2001 م وبزوغ
إشعاعات المشروع الأمريكي الجديد والذي سميّ بـ "مشروع الشرق الأوسط
الكبير". فكان العراق المحطة الأولى في المشروع وربما تكون إيران
المحطة الثانية. حيث اعتقد الأمريكيون بأن نجاح التجربة في العراق سوف
يشجع قوى المعارضة الداخلية في إيران على التحرك السياسي والعسكري
والذي سيتم بمساعدة تقنية واسعة من قبل الجار الجديد المرابط على
الحدود !.
إلا أنه "تجري الرياح بما لاتشتهي السفن" !. فقد أخفق الأمريكيون في
إنجاح خطوتهم الأولى في العراق وتوقفت مراحل مشروعهم الكبير الذي إبتدأ
يرزم حقائب الفشل والخيبة ليعود من حيث أتى !. وهكذا فقد بقي
الأمريكيون حيارى أمام الوضع غير المحسوب في مخططاتهم واستراتيجياتهم.
وبقيت الأمور معلقة ورهينة بيد الأحداث والمستجدات على الساحة. وظل
المحلل السياسي محتاراً في رأيه وتصوره لما ستؤول اليه الحالة وما الذي
سيصنعه الأمريكيون وكيف سيتصرفون إزاء إيران، التي لا تزال مصممة على
المضي قدما في برنامجها النووي الذي يهدد مستقبل إسرائيل ومصالح أمريكا
في المنطقة !.
من الثوابت المتفق عليها هو أن ما سيحصل في الموقف الأمريكي تجاه
إيران مستقبلاً سيكون معتمداً الى حد ما على الوضع الأمريكي في الساحة
العراقية. كما سيبقى الإنقضاض على إيران هدفا أمريكيا إن لم يتحقق في
فصول مشروع الشرق الأوسط الكبير، فسيتحقق في مشروع مكافحة إنتشار
السلاح النووي أو عبر أية حجة أو مشروع آخر لم يظهر إسمه بعد، فقد
تعددت الأسباب والهجوم على إيران واحد
!.
المتتبع للأحداث اليوم يجد أن هناك تحركات أمريكية واضحة وملفته
للنظر ومنصبة على الشأن الإيراني وتتجلى بما يلي:
1- التصريحات المتوالية لكبار المسؤولين الأمريكيين إبتداءا بما
قاله السيد بوش ونائبه السيد تشيني وغيرهم من مسؤولي الإدارة الأمريكية
والمنصبة على ان إيران تلعب دورا هاما في زعزعة الوضع الأمني في العراق
وعلى الأمريكيين إيقاف ذلك.
2- التحرشات الأمريكية في إيران من خلال اعتقال بعض الرعايا
الإيرانيين وبعض دبلوماسييها في العراق بحجة إنتمائهم الى فصائل
إيرانية مسلحة.
3- التهديدات التي أطلقها السيد بوش على بعض العراقيين، الذين
تربطهم علاقات ولاء وصداقة مع إيران، بالقتل أو الحبس لانتماءاتهم غير
الشرعية ولكونهم عملاء إيرانيين !.
4- الرحلات المكوكية والمحادثات السياسية التي أجرتها كوندليزا
رايس وزيرة الخارجية الأمريكية مع كبار المسؤولين في كل من الأردن ومصر
والسعودية، والتي كانت منصبة على الخطر الإيراني في المنطقة.
5- التصريحات الهادفة لكبار المسؤولين في تلك الدول التي كان لها
لونا سياسيا وطعما تحريضيا ورائحة طائفية والمتمثلة بتحذيرات ملك
الأردن من خطر منطقة "الهلال الشيعي" وتصريحات السعوديين بحماية "سنة"
العراق لو تدخلت إيران في الشأن العراقي وكذلك تصريحات الرئيس حسني
مبارك بعدم وقوف مصر مكتوفة الأيدي أمام "التهديد النووي الإيراني".
6- إرسال حاملة طائرات نووية ثانية (يو أس أس جون ستينيس) الى
منطقة الخليج إضافة الى حاملة الطائرات الموجودة أصلا في المنطقة والتي
تحمل إسم (دوايت إيزنهاور). بالاضافة إلى نشر انظمة صواريخ باتريوت
لمنع الصواريخ الإيرانية من الوصول الى أهدافها. كل هذه التلميحات
والتحركات تشير الى برنامج هجومي أمريكي مبيت ضد إيران!.
إلاّ أنه رغم قوة كل هذه الحجج والدلائل قد يتساءل المحلل العسكري
مستغربا : كيف تهاجم أمريكا إيران عسكريا والقوات العسكرية الأمريكية
مرابطة في داخل المدن العراقية وخارجها ! ؟. إذ أن أي هجوم عسكري بريّ
أمريكي كاسح على إيران سيكون ضعيف الإحتمال في المنظور العسكري وذلك
للأسباب التالية
:
1- عدم قدرة القوات البرية الأمريكية على شن هجوم بري على إيران
انطلاقاً من العراق وذلك لقلة عدد جنودها وضعف معنوياتهم وإنشغالهم
الكامل في الهم العراقي الثقيل الذي يصعب حمله وإستيعابه.
2- إندلاع أي نزاع عسكري أمريكي- إيراني سيجعل الكثير من القوى
الشيعية العراقية تتعاطف مع الجانب الإيراني وتساعده، مما يزيد حجم
المقاومة ويوسع رقعتها ضد القوات الأمريكية المتعبة أصلا. وقد تسقط
القوات الأمريكية في كماشة القوى العراقية المضادة من الداخل والقوات
العسكرية الإيرانية المدافعة.
3- فشل الأمريكيين في مسك الأرض والسيطرة الأمنية داخل العراق جعلهم
يدركون خطر إقحام قواتهم في مغامرات مباشرة لدى الغير، وهذا ما سوف
يقوض فكرة الحروب المباشرة والإكتفاء بحرب النيابة أو الحرب بالوكالة،
وذلك بدفع أطراف متبرعة في القيام بدور الشرطي وتنفيذ الأوامر. الا ان
وجود القوات الأمريكية داخل العراق لا يسمح بحصول حرب النيابة على
إيران.
وهكذا فإن بقاء القوات الأمريكية في العراق على ما يبدو هو صمام
أمان ضد أي هجوم أمريكي عسكري بري أو حتى جوي متوقع على إيران، على عكس
ما يتوقعه المحللون وما تصوره وسائل الإعلام وكذلك عكس الرغبة
الإيرانية الملحة في إنسحاب القوات الأمريكية من العراق !.
ان خروج الأمريكيين من العراق خروجا غير مبرمجا أو إنهزاميا يعني
جعل العراق أرضا محروقة وذلك من خلال نشوء حروب أهلية داخلية طاحنة لا
تتدخل أمريكا في إطفاء نارها إن لم تكن تشجعها أوتغذيها. وقد ينجر الى
هذه الحروب الأهلية جيران العراق وخصوصا العربية السعودية والأردن وذلك
بتشجيع ومساعدة تقنية وعسكرية أمريكية مباشرة وغير مباشرة لجر إيران
وضربها أومحاربتها.
سيكون هذا السيناريو بداية للنزاع العسكري الأمريكي الحقيقي
والمتوقع مع إيران. وفيما لو حصل نزاع عربي - إيراني في المنطقة سيكون
الخاسر الأكبر فيه هم الإيرانيون. لأن نزاعا كهذا سوف يجمع الأمريكيين
والأوربيين في بوتقة واحدة، وستطيب النفوس أمام النزاع الجديد بعد أن
تكدرت بسبب النزاع القديم !. وان كان الأوربيون غاضبين على ضرب العراق
فأنهم سيفرحون بضرب إيران!. وهكذا هو شأن دول العالم الأخرى، وكل له
حساباته وأجندته الخاصة. فهل سيدرك الإيرانيون حساسية الموقف وخطورته و
يتعاملوا مع واقعية الحدث ومتطلباته بالحنكة والذكاء والفطنة؟. أم
سيكون ذلك بعد فوات الأوان، كما حصل لجارتهم من قبل ! ؟. ليت شعري !. |