صدام.. قصة سقوط طاغية ونهاية فيها الكثير من العبرة

الطاغية صدام الذي اعدم شنقا السبت في بغداد اثر ادانته بقتل قرويين شيعة مطلع الثمانينات من القرن الماضي حكم العراق بقبضة من حديد عشرين عاما على امل جعله قوة كبرى اقتصادية وسياسية قبل ان يتحول الى رجل مطارد.

وانتهى عهد عبادة الشخصية التي احاطت "بالقائد العظيم" الذي صور على انه مزيج من صلاح الدين الايوبي محرر القدس الذي ولد في تكريت وملك بابل نبوخذنصر باعتقاله في 13 كانون الاول/ديسمبر الماضي في حفرة شمال بغداد اثر مطاردة استمرت ثمانية اشهر.

ففي التاسع من نيسان/ابريل 2003 مع دخول القوات الاميركية بغداد سقط نظام صدام حسين الذي اكد حتى اليوم الاخير من حكمه انه "يضحي بنفسه" من اجل الشعب العراقي ويريد الموت "شهيدا".

واستسلمت بغداد وفر صدام حسين من دون اطلاق رصاصة واحدة او مقاومة مع انه كان وعد العراقيين ب"الموت في هذا البلد والحفاظ على شرفنا الذي نستمده من شعبنا".

واصبح صدام حسين يعيش مختبئا بينما سقطت تماثيله ومزقت صوره او احرقت. وبعد ثلاثة اشهر قتل نجلاه عدي وقصي اللذان كانا نسخة مكررة لطغيانه برصاص القوات الاميركية. اما بناته وزوجته فقد هربن الى الخارج.

ووضع صدام حسين الذي نشرت صور اعتقاله المهين في جميع انحاء العالم في سجن اميركي قرب مطار بغداد.

وفي المحكمة التي مثل امامها في قضية الدجيل بدا صدام حسين وكأنه لم يفقد شيئا من طبيعته المتعالية. ولم يتردد خلال مثوله امام قاضي التحقيق في التأكيد على انه "رئيس جمهورية العراق والقائد الاعلى للقوات المسلحة".

وصدام حسين الذي ما زال يلقى تأييد عدد من "المتمردين" في العراق هو اول رئيس دولة عربي يحاكم لجرائم ارتكبها ضد شعبه. وكان يحاكم ايضا في قضية اخرى تتعلق "بابادة جماعية" للاكراد خلال حملة الانفال في 1987 و1988 في كردستان العراق.

ولد صدام في 28 نيسان/ابريل 1937 في قرية العوجة قرب تكريت (150 كلم شمال بغداد) من عائلة سنية عربية. عاش طفولة صعبة بعد وفاة والده وهو لم يكمل التاسعة فتولى خاله تربيته وارسله الى بغداد للدراسة.

بدأ صدام حسين يتمتع ببعض الشهرة في شبابه اثر مشاركته في 1959 في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم اول رئيس لجمهورية العراق بعد سقوط النظام الملكي.

واصيب خلال المحاولة في ساقه وفر الى الخارج لكي يعود بعد اربعة اعوام قبل ان يلقى في السجن عام 1964 الا انه تمكن من الفرار لمعاودة نشاطه السري لحساب حزب البعث.

وقد شارك في 1968 في الانقلاب الذي حمل الحزب الى السلطة الامر الذي شكل بداية صعوده واعتباره بمثابة الرجل القوي في نظام الرئيس الاسبق احمد حسن البكر.

وبعد توليه منصب الامين العام المساعد في حزب البعث تم تعيينه عام 1969 نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ليواصل تدريجيا تعزيز نفوذه.

واصبح صدام الرجل الاول في العراق في 16 تموز/يوليو 1979 وهو يجمع مناصب رئيس الدولة والامين العام للحزب ورئيس مجلس قيادة الثورة.

ولم يبد صدام تساهلا حيال اي محاولة للانشقاق فضاعف حركات التطهير باعثا بمعارضية الى القبر او المنفى كما استطاع فرض نظامه بواسطة البطش والوحشية. كما شجع الوشايات وعمل على اخضاع وسائل الاعلام بشكل كامل.

وقال دبلوماسيون ان صدام الذي خاض حربا دموية ضد ايران (1980-1988) وهزم في حرب الخليج الاولى (1991) "تفنن في اساليب ضمان بقائه" وكان بارعا في تحويل كل هزيمة الى انتصار وكل كارثة الى عيد.

ومع كل مرة امطرت فيها الولايات المتحدة بغداد بعدد كبير من الصواريخ والقنابل في كانون الاول/ديمسبر 1998 وقبل ذلك في 1996 و1993 كان يعلن انتصاره.

كانت واشنطن ولندن تأملان في رؤيته مطرودا من السلطة عبر انتفاضة داخلية لكن صدام حسين عرف كيف يقمع بالدم والنار انتفاضتي الجنوب الشيعي والشمال الكردي بعد انتهاء حرب الخليج.

وجمع صدام بين الدهاء والميل للعنف في رحلة صعوده من بداياته المتواضعة الى سدة الحكم حيث مارس سلطة مطلقة في العراق على مدى ثلاثة عقود.

ولكن طموحه المفرط الذي دفعه لغزو ايران والكويت وتحدى حلفائه الامريكيين السابقين الذين اتهموه بتطوير أسلحة كيماوية ونووية أدى الى تدمير اقتصاد العراق الغني بالنفط وسقوطه في نهاية الامر.

وكان صدام قد تعهد بأن يموت وهو يقاتل كما فعل ابناه قبل أشهر ولكنه استسلم دون أن يطلق رصاصة واحدة. وذكر الجنود الامريكيون أنه كان مشوشا حين وجدوه في حفرة مغطاة بسجادة قديمة قرب كوخ بسيط في بستان للبرتقال.

وقال للجنود الذين عثروا عليه "أنا رئيس العراق وأريد التفاوض."

ويتألف الكوخ الذي كان يعيش فيه قرب الحفرة من غرفة واحدة بها سريران وبراد به علبة من عصير الليمون وعبوة مقانق وصندوق مفتوح من الشيكولاتة البلجيكية بينما تناثرت على ارض الغرفة أزواج من الاحذية الجديدة في صناديقها.

وقال جنرال امريكي انه وقع في أيدي اسريه "كالفأر" وصدم كثير من العرب الذي أعجبوا بتحديه للولايات المتحدة لاستسلامه بلا مقاومة.

وراي العراقيون الذين عاشوا لسنوات ينظرون لتماثيله وصوره التي تنم عن كبرياء صورا مهينة لصدام في محبسه من بينها صورة له وطبيب يفحص فمه وقد وخط الشيب لحيته الطويلة التي لم تهذب طوال الاشهر التي قضاها مطاردا.

وحكم على صدام في نوفمبر تشرين الثاني بالاعدام شنقا لارتكابه جرائم ضد الانسانية مثل القتل والتعذيب وغيرها ضد 148 شيعيا عقب محاولة لاغتياله في عام 1982.

وايدت محكمة التمييز الحكم يوم الثلاثاء واعدم شنقا في بغداد يوم السبت.

وفي رسالة كتبت بعد الحكم عليه في نوفمبر تشرين الثاني قال الرئيس المخلوع "ها أنا أقدم نفسي فداء فاذا أراد الرحمن هذا صعد بها الى حيث يأمر سبحانه مع الصديقين والشهداء. وان أجل قراره على وفق ما يرى فهو الرحمن الرحيم وهو الذي أنشأنا ونحن إليه راجعون."

ورحب الرئيس الامريكي جورج بوش بحكم الاعدام واصفا اياه بانه علامة على الطريق نحو الديمقراطية وقدم المسؤولون الامريكيون المحاكمة على أنها شفاء للنفوس في العراق لكن العراق واقع في إسار صراع طائفي وعرقي راح ضحيته الالاف.

وتولي صدام الرئاسة في عام 1979 بعد ان استغل مهاراته في قتال الشوارع وحياكة المؤامرات للوصول بحزب البعث الى السلطة. واحاط نفسه باقاربه من تكريت مسقط رأسه واحتفظ بقبضته الحديدية في حكم العراق رغم الحروب والانتفاضات ومؤامرات الانقلاب ومحاولات الاغتيال.

ويقول اعداؤه إن مئات الالاف قتلوا خلال حكمه القاسي لكنه نجح إلى حد بعيد في احتواء التوتر بين العرب والاكراد وبين الاغلبية الشيعية والسنة الذين كانوا يهيمنون على السلطة.

وكان صدام حليفا للولايات المتحدة التي ساعدته في الحرب ضد إيران ولكن الغرب انقلب عليه عقب غزو الكويت في عام 1990.

ودخل وصفه لحرب الخليج الاولى بانها "ام المعارك" المعاجم.

ولعدة سنوات قامت السياسة الامريكية على احتواء صدام ولكن بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 اختار بوش العراق كي يكون الهدف التالي بعد أفغانستان في "الحرب على الارهاب".

واحتفظ صدام بالسلطة مع إراقة كثير من الدماء عقب هزيمته في حرب الخليج الاولى بعدما اكتفت القوات التي قادتها الولايات المتحدة بطرده من الكويت وأطيح به في نهاية المطاف في حرب سريعة لم تدم اكثر من ثلاثة أسابيع.

ورغم الجهود الامريكية لاعتقاله فقد نجح صدام في الهروب وعجزت القوات الامريكية عن اعتقاله لمدة ثمانية اشهر سجل خلالها عدة اشرطة صوتية يسخر فيها من متعقبيه ويدعو العراقيين لمقاومة القوات الامريكية.

ومنذ اعتقاله في ديسمبر عام 2003 امضي صدام السنوات الثلاث الاخيرة من حياته في قبضة القوات الامريكية وتناقضت حياته البسيطة في زنزانة في سجن عسكري مع القصور الفاخرة التي اشتهرت بغرف استحمام مزودة بصنابير من الذهب.

وحين بدأت محاكمته في قضية الدجيل في اكتوبر تشرين الأول 2005 مثل امام المحكمة مرتديا بزة انيقة واتخذ موقفا متحديا منذ البداية مصرا على انه رئيس العراق ورفض الاعتراف بالمحكمة التي تدعمها الولايات المتحدة.

وفي يوليو تموز ابلغ صدام المحكمة بأسلوبه الواثق المعتاد مستغلا تصوير المحاكمة تلفزيونيا وحرصا على مكانته في التاريخ انه ينبغي له بصفته ضابطا في الجيش ان يعدم رميا بالرصاص وليس شنقا.

وفي اغسطس آب 2006 بدأت محاكمة صدام الثانية بتهمة ارتكاب جرائم حرب من بينها الابادة الجماعية ضد الاكراد العراقيين. ولم تكن تلك المحاكمة قد انتهت عندما اعدم ومن ثم تنقضي الدعوى ضده.

وفي ايامه الاخيرة في السجن الذي تديره الولايات المتحدة دعا صدام العراقيين لوقف الاقتتال فيما بينهم وتركيز جهودهم على قتل الامريكيين مضفيا على نفسه صورة أبوية في بلد صاغه حكام الاستعمار الاوروبي من خليط من الطوائف العرقية والدينية.

وكرئيس للعراق نادى صدام بأمور متباينة مثل القومية العربية والإسلام والوطنية العراقية وكان يظهر في الزي التقليدي لفلاح عراقي أو في الزي العسكري او بذلة غربية.

وفي اثناء محاكمته كان صدام يظهر مرتديا بذلة بسيطة بلا ربطة عنق ممسكا بالمصحف بينما كان المحامون والمتهمون الذي يحاكمون معه ينادونه باحترام "السيد الرئيس". 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 31/كانون الأول  /2006 - 9 /ذي الحجة /1427