قرار الإعدام سياسياً أم امريكيا.. الضحايا متفقون في النهاية على جنازة الطاغية

جاسم فيصل الزبيدي

بين آلام امتدت لعقود مظلمة من الزمن المشؤوم ..واعتصام الضحايا بجوار قبورهم التي تدخلها ارواحهم المعذبة حزناً.

بين دموع اليتامى والارامل ..وصمت المدن الموحشة بسكون شوارعها وجدرانها التي لم تذق طعم الشمس وازقة اطفأ الليل الرهيب عنها ضوء القمر.

بين بحور عذابات السجون وحر القيود وضيم المعتقلات وصبر الابرياء في صحراء السماوة..

مر قطار حمد ..ينثر عبق الهيل ودقات القهوة ..يُراقص عنبر المشخاب ببرد كوردستان ..

مر قطار حمد بصافرته التي افتقدناها طويلاً..كالرومانسيين القدامى..يبحث في عيون اليتامى عن وطن او كعاشق جاهلي يحاور الاطلال بين الرغبة والحسرة.

مر قطار حمد..بين نواويس كربلا..يخط على رمضاءها حرفين وما بينهما عبارة وعبرة.

مر قطار حمد..ولكنه هذه المرة ليس ككل مرة..فأيام( المزبن) قد أنقضت وأنتهت أيام(اللف)..وعادت سمراء السماوة تغازل نخلها مابين سعف وكرب..وعادت (نرجس) تغني لحن الحب الخالد لجبال كوردستان الجميلة..

يحكى في الاثر الشعبي العراقي ان شخصان كانا يسيران في الصحراء وشاءت الصدفة ان يروا شيئاً اسوداً فقال الاول للثاني: ماهذا الشيء؟؟فقال الثاني للاول: اظنه غراباً! فقال الاخر: لا انها معزى! واشتد النزاع بينهم حتى قررا ان يرميا ذاك الشيء بحجر ليستبان الامر لهما..وبالفعل فقد قاموا برمي الشيء الاسود بالحجارة ..فطار ذاك الشيء الاسود ليتبين انه غراب!..فما كان من الثاني الا ان اصر على قوله الاول قائلاً: معزى..معزى وان طارت؟؟

منذ قرار اعدام طاغية العصر وفرعونه والمهرجون بثمن بخس لم يهدأ لهم صوت للتشكيك بشرعية المحكمة والقرار الصادر مستغربين ومنددين واصفين هذا القرار بانه(سياسي) و(اهانة لمشاعر العرب والمسلمين) ومنهم من اخذته العزة بالاثم ليعلن الحداد ثلاثة ايام ترحماً على الطاغية.

ومنهم من حشر الولايات المتحدة الامريكية في القضية مدعياً ان القرار امريكياً ، ومن الفضائيات ( اللا عراقية واللا عربية) من توشحت وارتدى منتسبوها الملابس السوداء حزناً على اعدام الطاغية وشبيه الشيء منجذب اليه.

نحن لا نلوم او نعتب على( اخوة يوسف) ولا(الممهدون للفرعونية الحاكمة) ولا(المهرجون في اسواق القومية العربية) ولا(الذين سيوفهم اطول من قامتهم) ولا الذين جلبوا العار والدمار والخراب للامة المخدرة بعبادة السلاطين والطغاة والمثقلة بالانتكاسات العقلية والهزائم النفسية.. ولا على الذين يبنون احلامهم البالية على القمامات الفكرية وعلى حساب الخلافات الفقهية بين الفرق والملل والنحل.

ونحن لا نلوم او نعتب كذلك على الشعوب العربية والاسلامية لانها لا تستطيع ان تستوعب الحرية والديمقراطية ،لانها تعودت على الانقلابات الدموية والاطاحات العسكرية..

تعودت على ان ذات الملك مقدسة وان الملك او رئيس الجمهورية معفى من جميع التبعات القانونية باعتبارة المصدر العالي للسلطة.

يقول الاستاذ حيدر البصري: (هناك جملة من القوانين تعتبر في الكثير من الدول تعتبر رئيس الدولة  سواء أكان ملكاً أم رئيسا للجمهورية غير خاضع للقانون بحجة انه مصدر السلطات العليا في الدولة، و إنه مصدر القانون فلا يخضع له، و قد اعتبر ذلك الدستور الدنماركي والدستور الأسباني قبل إعلان الجمهورية، و اعتبر الدستور الإنجليزي ان ذات الملك مصونة و مقدسة لا تسأل عن شيء كما إنها لا تخطئ، و في الدستور البلجيكي و المصري أن ذات الملك لا تُمس بشر، و كذلك كان الحال في إيطاليا و في رومانيا قبل إلغاء النظام الملكي.كما ان القوانين الوضعية تستثني رؤساء الدول الأجنبية، أو ملوكها (من أن يحاكموا على ما يرتكبونه من الجرائم في بلد آخر غير بلادهم سواء دخلوه بصفة رسمية أو متنكرين و هذا الإعفاء يشمل جميع حاشية الملك أو رئيس الجمهورية، و دليل الواضعين لذلك ان محاكمة هؤلاء لا تتفق مع ما يجب من تكريم الضيف و توقيره و احترامه)ان هذا الدليل غريب في بابه حقاً فان فيه تشجيعاً للرؤساء و الملوك وحواشيهم للتجرؤ على ارتكاب الجرائم ما داموا بعيدين عن طائلة القانون).

مع ان المنظومة الحقوقية القرانية لم تستثني أي فرد سواء كان نبي او رسول او وصي قال عزوجل(يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدي القوم الكافرين) فان كلمة (وان لم تفعل فما بلغت رسالته) تخفي وراها تهديد بالعقوبة، فقد سئل ? – يوماً – ان يعفو عن امرأة كانت قد سرقت و ذلك لما كانت عليه أسرتها من الشرف فأجابهم عن طلبهم ذلك قائلاً:

(إنما هلك من كان قبلكم لانهم كانوا إذا أذنب الضعيف فيهم عاقبوه، و إذا أذنب الشريف فيهم تركوه كما انه صعد المنبر رغم مرضه (صلى الله عليه وآله) – حين شعر بدنو اجله، ومفارقته لهذه الدنيا –و خطب في الناس قائلاً: (أيها الناس من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد مني، ومن شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد مني، و من أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، و لا يخشى الشحناء من قبلي فإنها ليست من شأني إلا و إن احبكم الي من اخذ مني حقاً إن كان له، أو حللني فلقيت ربي و أنا طيب).

..لان المسألة ليست اسماء ومسميات وانما هي مسالة مبادئ وقيم الهية تريدها العناية السماوية ان تشيع في الارض وان دماء البشرية محرمة على الناس بعضهم على بعض ولا عقوبة الا بجناية، فعن ابن عباس: لما نظر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى الكعبة قال(ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك‏) وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:( لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنِّي رسول الله إلاَّ بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيِّب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة) رواه البخاري (6878)، ومسلم (1676). وعن البراء رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال:( لزوال الدنيا أهونُ على الله من قتل مؤمن بغير حق، ولو أنَّ أهلَ سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار)انظر صحيح الترغيب والترهيب للألباني (1/629 ـ 634).

وقد أكَّد صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته في حَجَّة الوداع حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم بتشبيهها بحرمة الزمان والمكان، فعن أبي بكرة قال:(خطبنا النَّبيُّ صلى الله عليه واله وسلم يوم النحر، قال: أتدرون أيَّ يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننَّا أنَّه سيُسمِّيه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى! قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنَّه سيُسمِّيه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى! قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنَّه سيُسمِّيه بغير اسمه، قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى! قال: فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربَّكم، ألاَ هل بلَّغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهمَّ اشهد، فليُبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضُكم رقابَ بعض))رواه البخاري (67) و(1741)، ومسلم (1679).

لقد صدقت نبؤة الرسول صلى الله عليه واله وسلم وقد عادت الامة تضرب بعضها رقاب بعض بسبب حب البعض للملوك والحكام وفقهاء البلاط.

والمشكلة لا تكمن في المنظومة الحقوقية القرانية ولكن المشكلة هي كيف تعلم( الدجاجة أنني لست حبة قمح لتأكلني) كما ان شعوبنا النائمة لا تريد ان تتخلى عن أيدلوجيتها القديمة في تمجيد السلطان والحكام على الرغم من الهزائم التي منيت بها طوال القرون الماضية بسبب مغامرات السلاطين والحكام الغير مسؤولة.

ان الذين استغربوا واستهجنوا وادانوا اعدام طاغية العصر وفرعونه خلال ايام الاشهر الحرام مساكين ويتغافلون عن جرائمهم وجرائم حكامهم ونورد ادناه امثلة ضربنا عن بعضها صفحاً خوفاً من التطول والملل:

1- التاسع من ذي الحجة سنة 60هـ استشهد سفير الحسين مسلم بن عقيل بن أبي طالب وهاني بن عروة عليهما السلام على يد الطاغية عبيد الله بن زياد في الكوفة من قبل يزيد بن معاوية.

2- الخامس والعشرون من محرم  استشهد الامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ودفن في البقيع . وفي رواية في الثاني عشر من المحرم ، من سنة 95 للهجرة.

3- السابع والعشرون من محرم  دخل جيش الشام بقيادة الحصين بن نمير المدينة للقضاء على ابن الزبير ( يوم الحرّة ) في سنة 64 للهجرة بعد مقتل الحسين(ع)استطاع أن يدخلها ويُعمل السيف في أهلها، ويبيحها ثلاثة أيام لجنوده، يسرقون وينهبون ويقتلون ويعتدون، وقد قتل في هذه المجزرة 700 رجل من حملة القرآن وآلاف النساء.

4-  في ذي القعدة احرق الحجاج بن يوسف الثقفي الكعبة المشرفة.

5- العشر من محرم من سنة 60 للهجرة يوم نشوب معركة الطف المروّعة التي آلت إلى قتل سبط النبي المصطفى وريحانته سيد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عليه وعليهم السلام ، وذلك في سنة 61 للهجرة

6- من سنة 1219 هـ حاصر الوهابيون جدة مرة ثانية إذ أقبل ابن شكبان والمضايفي باثني عشر ألف مقاتل لحصار جدة ، وإنتهى الحصار بإنهزام الوهابية.

7- الذين أغتالهم معمر القذافي خلال ايام الاشهر الحرام في سجونه بعد تعذيبهم والذي لم يخجل من نفسهوهو المحمل بالجرائم ضد الشعب الليبي الشقيق.

     أ‌- الفقيد المرحوم الحاج محمد السيفاط أبوفروة البرعصي:أحد بناة دولة ليبيا الحديثة وأحد مؤسسي الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا (ترأس الجلسة الإفتتاحية للمجلس الوطني للجبهة في دورة إنعقاده الأولى بالمغرب – مايو 1982). توفي ودفن في مصر عن عمر يناهز ستة وستين عاماً، في 21 من ذي الحجة 1402 هـ الموافق 8 أكتوبر 1982.

     ب‌- الفقيد المرحوم الحاج محمد السيفاط أبوفروة البرعصي:أحد بناة دولة ليبيا الحديثة وأحد مؤسسي الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا (ترأس الجلسة الإفتتاحية للمجلس الوطني للجبهة في دورة إنعقاده الأولى بالمغرب – مايو 1982). توفي ودفن في مصر عن عمر يناهز ستة وستين عاماً، في 21 من ذي الحجة 1402 هـ الموافق 8 أكتوبر 1982.

     ت‌- الفقيد الشهيد مصطفى مفتاح بن عمران (رجل أعمال)استشهد تحت التعذيب في 23 من ربيع الثاني 1404 هـ الموافق 27 من يناير 1984.

         ث‌- الفقيد الشهيد نوري محمد الودّاني (موظف)استشهد تحت التعذيب في مستهل عام 1404 هـ الموافق 1984

     ج‌- الفقيد الشهيد أحمد ابراهيم احواس(سفير وضابط سابق وقائد قوات الإنقاذ والمفوض العسكري للجبهة وعضو اللجنة التنفيذية للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا وأحد مؤسسيها) استشهد خلال المصادمات مع عناصر النظام على مشارف مدينة زوارة في 5 من شعبان 1404هـ الموافق 7 من مايو 1984م.

     ح‌- الفقيد الشهيد خالد علي يحي معمر (مدرّس)أحد فدائيي قوات الإنقاذ، استشهد أثناء معركة باب العزيزية بمدينة طرابلس في 7 من شعبان 1404هـ الموافق 8 من مايو 1984م.

     خ‌- الفقيد الشهيد عبدالناصر عبدالله الدحّرة (طالب)أحد فدائيي قوات الإنقاذ، استشهد أثناء معركة باب العزيزية بمدينة طرابلس طرابلس في 7 من شعبان 1404هـ الموافق 8 من مايو 1984م

     د‌-  الفقيد الشهيد مصطفى الجّالي أبوغرارة (طالب)أحد فدائيي قوات الإنقاذ، استشهد أثناء معركة باب العزيزية بمدينة طرابلس طرابلس في 7 من شعبان 1404هـ الموافق 8 من مايو 1984م

     ذ‌- الفقيد الشهيد محمد ونيس الرعيض (طالب)أحد فدائيي قوات الإنقاذ، استشهد أثناء معركة باب العزيزية بمدينة طرابلس طرابلس في 7 من شعبان 1404هـ الموافق 8 من مايو 1984م

     ر‌- الفقيد الشهيد جمال محمود السباعي (طالب)أحد فدائيي قوات الإنقاذ، استشهد أثناء معركة باب العزيزية بمدينة طرابلس طرابلس في 7 من شعبان 1404هـ الموافق 8 من مايو 1984م.

اما السعودية التي استغربت قرار الحكم في الشهر الحرام فياليتها استغربت قتل العراقيين ايام الاشهر الحرام من قبل جماعات تنطلق منها، حيث مايزال المتدينون الجدد يبثون روح الحقد والضغينة من داخل اراضيها دون ان تقف موقفاً اتجاه مايحصل؟

اما اليمن ورئيسها الطائفي فان جريمته مع بدر الدين الحوثي غنية عن التعريف واعدامه المئات من انصاره بسبب انتمائهم الى تيار فكري تحرري.

ان طاغية العصر وفرعونه لم تعدمه حكومة المالكي ولا جورج دبليو بوش وانما ضحايا الطاغية هي من قررت اعدامه ليلة العيد وسواء كان الاعدام سياسياً ام امريكياً فان ضحايا الطاغية متفقون على الجنازة في نهاية المطاف.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - الجمعة 5/كانون الثاني/2007 - 14 /ذي الحجة /1427