كارثية الحزن على صدام

بقلم: بشير البحراني*

لو قدِّر لفرعون موسى أن يكون موته غرقاً في زماننا هذا، لرأيت كثرة المتباكين عليه والمنتحبين لقساوة طريقة انتهاء حياته!! ولرأيت المظاهرات والشعارات المنددة باغتيال البطل والرئيس المطلق لمملكة الفراعنة.

عجيبة هذه الأقوام، كيف أباحت لنفسها البكاء والتنديد بإعدام الطاغية العراقي صدام حسين، الذي حكم بلده بالقتل والظلم وبث الرعب في حياة المواطنين، بل وتعدى أذاه حدود وطنه ليطال بلداناً أخرى؟!

إن في مسألة الحزن على نهاية صدام موقفين، وكلاهما يمثل كارثة في التفكير العربي:

الحزن الطائفي

الأول: الانطلاق في الحزن من ناحية طائفية بحتة، وتحويل قضية الإعدام إلى مسألة انتقام شيعي من رجل سني. وهذا التفكير كارثي بكل ما للكلمة من معنى، ويغفل عن كامل الحقيقة، فإن اعتبرنا أن دم المسلم الشيعي في نظر هؤلاء لا قيمة له، وبالتالي لا قيمة لملايين القتلى والمشردين من الشيعة العراقيين على يدي صدام وحزبه الحاكم طوال ثلاثين عاماً، وبالطبع فلا قيمة أيضاً لكل الضحايا التي سقطت في الجانب الإيراني طوال تلك الحرب التي أُشعِل أوراها لمدة ثماني سنوات.. إذا كان كل هؤلاء لا قيمة لهم في نظر الطائفيين، بل ولا يعدون في نظرهم من جنس الكائنات الحية التي تملك بعض الحقوق، فهل كان كل الشعب الكويتي التي شرده من بلده شيعة؟ وهل كان كل الأسرى الكويتيين الذين اختفى ذكرهم من الحياة شيعة أيضاً؟ وهل الخمسة آلاف كردي الذين سقطوا بسلاح صدام الكيماوي في يوم واحد بمنطقة حلبجة رجالاً ونساءً وأطفالاً؛ شيعة أيضاً؟!!

وهل.. وهل؟! وهل أنا مضطر لأحكي تاريخاً أسوداً سطره هذا الرجل الظالم في حكمه على أبناء شعبه وجيرانه شيعة وسنة، مسلمين وغير مسلمين؟

لو قتل إنسانٌ إنساناً آخر لكان حده القتل في الإسلام، فكيف بشخص قتل وعذَّب وشرَّد ملايين البشر؟ استبعدوا من تفكيركم الشيعة، فهم في نظركم يستحقون الموت لأسباب عقدية، ولكن، ألا تجدون أن صدام أجرم في قتل سني واحد على الأقل من الكويت أو من الأكراد، فيستحق بذلك جزاءه بناء على حكم الإسلام؟

إن هذا الحزن الطائفي يلقي بظلال قاتمة على مسألة الوحدة بين المذاهب الإسلامية، ويثير الفتنة بين أبناء الأمة الواحدة، ويمزق الصف ويفرق الإخوة. وهناك للأسف من يجر بسطاء الناس إلى الفتنة من حيث يعلم أو من حيث لا يعلم، فقط لأن قاتلاً ومجرماً مثل صدام نال جزاءه وعقاب أعماله في الدنيا عبر محاكمة شاهدها العالم بأسره ولم يتسنَ مثلها لأي ضحية من ضحايا شعبه الذين قبرهم في المقابر الجماعية.

لعل أصحاب الحزن الطائفي لم تحرك مشاعرهم لمشاهد الإعدام التي كانت تحصل في عهد صدام حسين، كتلك التي كان يعدم فيها الرجل بقنبلة توضع في جيبه، أو كتلك التي كان يلقى فيها الرجل من سطح عمارة طويلة بمحضر من أهله وأقربائه!

ليس غريباً ألا تحرك تلك المشاهد المصورة مشاعرهم، فالضحايا شيعة!! إنهم أنفسهم الذي طبلوا وزمجروا وهللوا وصفقوا للبطل! أسامة بن لادن عندما أسقط برجي التجارة العالمية في الولايات المتحدة عام 2001م، وتبادلوا التهاني والتبريكات، ولكن نسوا أن بطولة صاحبهم كانت على حساب ثلاثة آلاف قتيل، وعشرات الآلاف من المعاقين والضحايا! تماماً كما أن بطولات صدام حسين على حساب ملايين من البشر الأبرياء.

ولكني، سأذكر هؤلاء أن شيخ السلفية عبدالعزيز بن باز أنكر على صدام حسين عدم تطبيقه شرع الله في الحكم، بل وأصدر فتوى في تكفيره! بدأها بقوله: "هو كافر"، وختمها بقوله: "هذه حال صدام وأشباهه ممن يعلن الإسلام نفاقاً وخداعاً وهو يذيق المسلمين أنواع الأذى والظلم ويقيم على عقيدته الإلحادية البعثية".

الانهزامية العربية

وأما الموقف الثاني: فيتمثل في الحزن الانهزامي، والذي عبَّر عنه الكثيرون في وسائل الإعلام، بأن صدام رئيس عربي، ومهما فعل فلا يستحق أن يعدم، ويرون في ذلك إهانة لكراسي الحكم في الوطن العربي.

نعم، إلى هذه الدرجة وصلت النفوس العربية من الهوان، بحيث إن الضحية يخشى على الجلاد من أن يصاب بمكروه. لقد جعل الحكام العرب من ذواتهم شيئاً لا يمكن أن يتصور المواطن الاستغناء عنه، وأشعروه أن في ذهابهم نهايته.

يعتقد البعض أن الله سبحانه وتعالى أراد له أن يعيش مقهوراً ومظلوماً، بحيث إنه لا يشعر بمتعة الحياة في ظل العدل والحريات، تماماً كأهل تلك المنطقة الذين كانوا مصابين جميعاً بالسعال، فجاءهم طبيب زائر، فاستغربوا حاله لأنه لا يسعل وظنوه مريضاً، ولم يفطنوا إلى مرضهم إلا بعد أن رأوه يهنأ بنومه دون سعال، في تفصيل لا داعي لذكره.

كارثة بالفعل أن تشعر أن المرض هو الطبيعي وأن الصحة هي النشاز، وكارثة أنك لا ترتاح إلا لرائحة المزابل النتنة وتستاء من الروائح الطيبة.. كارثة أن تصبح جماعات كثيرة مصابة بعقدة الحقارة. والكارثة الأعظم أنه بالفعل نجحت بعض الأنظمة العربية بتسليط نفسها كقدر محتوم لا فكاك منه على رقاب الشعوب العربية؛ تلك الشعوب التي تبكي على موت جلاديها، وتنسى أن بعض أولئك الجلادين عبوا سجونهم بالمعتقلين وأعدموا بعض أبناء وطنهم بسبب مقالة أو قصيدة!

وفي الأخير يجب أن نتعاطى مع حدث إعدام صدام حسين بعيداً عن التعصب الطائفي وانهزامية الذات، وأن نتعاطف مع أسر الضحايا المتضررين من دموية صدام حسين، بغض النظر عن الاختلافات السياسية التي ينبغي ألا تجر الأمة إلى الفتنة، وليت كل هؤلاء القوم دعوا إلى العفو عن صدام باسم الإسلام كدين للصفح والتسامح، ولكنهم للأسف دعوا إلى تبرئته من جرائمه البشعة فقط لأنه سني أو لأنه رئيس عربي! وإن كان البعض يستهجن توقيت إعدام صدام فلزاماً عليه ألا يستهجن القصاص.

*كاتب من السعودية 

شبكة النبأ المعلوماتية - الخميس 4/كانون الثاني  /2007 - 13 /ذي الحجة /1427