اعدام صدام حسين في الصحافة البريطانية: الدكتاتور الذي صنعته امريكا ودمرته ذهب بأسراره إلى القبر

طغى موضوع تنفيذ حكم الاعدام بحق الطاغية صدام حسين على الصحف البريطانية الصادرة خلال الايام الثلاث الماضية.

فقالت صحيفة التايمز البريطانية التي عنونت صحفتها الخارجية "اعدام صدام حسين" حيث كتب مراسل الصحيفة في العراق نيد باركر من مدينة الفلوجة ان " الدكتاتور الذي دفن مئات الالاف من العراقيين الشيعة والاكراد في مقابر جماعية سيدفن في مكان سري بعد اعدامه".

وتنقل الصحيفة عن الشيخ صدر الدين قبنجي، خطيب مسجد الامام علي في مدينة النجف وعضو المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الشيعي دعوته الله للانتقام من صدام حسين حيث قال في خطبة الجمعة البارحة " يالله انك تعلم ان صدام حسين قتل الملايين من العراقيين ونرجو منك الانتقام منه".

اما في مدينة الفلوجة العراقية السنية والموالية لصدام حسين فينقل المراسل عن احد كبار ضباط المارينز هناك قوله " مهما كانت اخطاء صدام فانه منع انتشار الاصولية الاسلامية في العراق".

وفي مدينة بعقوبة العراقية تنقل الصحيفة عن احد سنة العراق قوله " ان اعدام صدام لن يحل المشكلة والوضع يزداد ترديا".

وفي مقال اخر بعنوان " الدكتاتور الذي عرف ان الهزيمة تعني نهاية حياته" بقلم اندريو كوكبيرن، احد كتبة سيرة حياة صدام حسين، كتب كوكبيرن ان صدام حسين كان نتاج مجتمع يسوده العنف وعلمه ان حكم العراق لن يتم سوى بالخوف.

ويسرد كوكبيرن سيرة حياة صدام ويشير الى مختلف مراحل حياته ومنها الفترة التي امضاها صدام في مصر عام 1963 قبل الانقلاب ضد حكم عبد الكريم قاسم حيث تعتبر فترة مجهولة في حياته.

ويشير الكاتب الى احتمال ان تكون الولايات المتحدة الامريكية قد اقامت علاقة مع صدام عن طريق وكالة المخابرات المركزية الامريكية خلال هذه الفترة ويشير الكاتب الى مقولة احد كبار مسؤولي الانقلاب وهو على صالح السعدي الذي قال انهم "وصلوا الى سدة الحكم في العراق على متن قطار امريكي".

وينقل الكاتب عن كبار ضباط المخابرات الامريكية السابقين وصفه لوصول صدام وجماعته الى الحكم عام 1963 بانه "كان نصرا عظيما".

اما صحيفة الاندبندنت فكتبت على صدر صفحاتها الخارجية مقالة تحت عنوان "صدام:الساعات الاخيرة للطاغية" بقلم الطاتب باتريك كوكبيرن يتحدث فيها الكاتب عن المراحل الاساسية في حياة صدام حسين وطموحاته واحلامه.

ويشير الكاتب الى ان صدام حسين اراد دائما ان يصبح شخصية تاريخية من ناحية الانجازات واراد ان ينظر اليه كما ينظر الى كل من الملك الاكادي صارغون والاشوري نبوخذ نصر والقائد الاسلامي صلاح الدين الايوبي.

لكن الكاتب يشير الى ان وصول صدام حسين الى الحكم في العراق قد جلب معه الويلات على العراق.

كان العراق يملك النفط والمال والادارة الجيدة وشعبا متعلما لدى وصوله الى الحكم لكنه ترك العراق مدمرا بعد حربين مدمرتين ولا يبدو ان ويلات العراق ستنتهي قريبا.

اما الكاتب روبيرت فيسك فكتب في ذات الصحيفة مقالا بعنوان "الدكتاتور الذي صنعته امريكا ودمرته" اشار فيه الى ان الملايين من المسلمين والعرب سيطرحون سؤالا لن يجد طريقه الى وسائل الاعلام في الغرب وهو "ماذا عن المذنبين الاخرين؟" يشير فيه الكاتب الى كلا من توني بلير وجورج بوش وغيره من زعماء الدول التي شاركت في غزو العراق عام 2003.

ويقول الكاتب ان صدام قد غزا الكويت وايران لكن جورج بوش وتوني بلير ايضا عزا العراق وتسببا ذلك بقتل عشرات الالاف من العراقيين.

ويقول الكاتب ان علينا الا ننسى "هذه الجريمة ونحن نشاهد جثة الدكتاتور".

ويضيف الكاتب ان الشيعة والاكراد في العراق وخارجه سيرحبون باعدام صدام حسين لكن الكثيرين من العرب والمسلمون سيتذكرون ان صدام حسين قد اعدم عشية عيد الاضحى.

اما صحيفة الجارديان التي نشرت صورة كبيرة لصدام حسين وكتنبت تحت صورته "الساعات الاخيرة لصدام" اشارت الى الترتبات التي سبقت عملية الاعدام.

كما ان مراسل الصحيفة غيث عبدالاحد كتب من العراق ان هناك انقساما شديدا في الشارع العراقي حول الموقف من اعدام صدام حسين.

فالشيعة الذين عانوا من حكم صدام يرحبون بالاعدام.

وينقل الكاتب عن احد سكان مدينة كربلاء الشيعية قوله " ان اعدام صدام مصدر فرح لي وكان يجب ان يقتل قبل ثلاث سنوات لان اتباعه كانوا لا يزالون يأملون عودته الى سدة الحكم".

لكن السنة لهم موقف اخر وينقل الكاتب عن احدهم قوله " ان اعدام صدام رمز لانتصار الشيعة واذلال للسنة في العراق وخطوة في طريق اقامة الامبراطورية الشيعية في العراق".

وفي تقرير امتد على صفحتين من صفحات الإندبندنت أون صنداي، تحت عنوان:" ذهب بأسراره إلى القبر: تواطؤنا مات بموته"، كتب روبيرت فيسك يقول:" لقد أخرسناه. فبمجرد أن أنزل الجلادون الملثمون كمين المشنقة صباح أمس، كانت أسرار واشنطن في مأمن."

ويضيف فيسك قائلا إن الدعم " الشائن و المخزي والمتستر" الذي قدمته الولايات المتحدة وبريطانيا خلال عشر سنوات لصدام حسين، قصة فظيعة لا يريد قادتنا أن يتذكرها العالم .

ويمضي فيسك معددا أوجه التعاون العراقي الأمريكي على عهد صدام حسين، ابتداء من "الدعم الشخصي الذي تلقاه من وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إيه، للقضاء على الحزب الشيوعي العراقي" وانتهاء بالمؤازرة التي حظي بها خلال الحرب العراقية الإيرانية.

ويشير فيسك في هذا الصدد، إلى اللقاءات التي جمعت الرئيس العراقي الراحل مع كبار المسؤولين الأمريكيين عشية اندلاع هذه الحرب.

كما يذكر ما توصل إليه من معلومات عن صور لمواقع إيرانية التقطت بالأقمار الاصطناعية، سلمها البنتاغون للعراقيين' بداية حرب الخليج الأولى.

ويلمح الكاتب كذلك إلى الأسلحة الكيماوية التي استخدمها الجيش العراقي ضد الجنود الإيرانيين قبل ست وعشرين سنة.

و يختم فيسك مقاله بالقول:" تنفس العديد في واشنطن ولندن الصعداء ارتياحا بعد أن أُخرس الرجل الشيخ إلى الأبد."

وتتساءل جون سميث في الإندبندنت أيضا عن مدى تقيد هذا الحكم بالمعايير الأخلاقية، فترد في عنوان مقالها التعليقي:" إنه مجرد جريمة قتل مباركة رسميا".

و تستنكر الكاتبة " السلوك الجبان للحكومة البريطاني" في إشارة إلى صمت رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وإلى التعليقات "المتخاذلة" لحكومة لندن التي تناهض حكم الإعدام.

وتقول إنها صفعة أخلاقية نظرا لأن السيد توني بلير خاض حرب العراق على أسس أخلاقية، ولإحلال نظام في العراق أفضل من النظام البعثي.

ويرد جون رنتول زميل الكاتبة في نفس الصحيفة معارضا: " هناك مبدأ أعلى هو احترام إرادة الشعب العراقي الذي صوت على دستور وضع أسس النظام القضائي العراقي" الذي حاكم الرئيس العراقي المخلوع.

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن بلير محق في رفضه الاعتذار على المساهمة في الإطاحة بـ"الديكتاتور"، ما دام " يعتبر العراقيون أن الاحتلال وما تلاه أمر مقبول لأنه أدى إلى التخلص من صدام."

وتعلق نفس الصحيفة على حدث إعدام صدام حسين، فتعتبر أن محاكمته من قبل هيئة قضائية عراقية كان خطأ؛ وأن :" التعجيل بإعدامه يبث الشك في أن الهدف من وراء ذلك هو تطبيق القانون."

وتُختتم الافتتاحية بتساؤل عن جدوى المحاكمة وتنفيذ حكم الإعدام على المتهم، لتأكيد قوة القانون الدولي. ففي رأي الصحيفة لم تفلح هذه العملية سوى في تكريس نظرة السنة العراقيين، والعالم العربي إلى أن الأمر برمته هو "حكم الغالب"

و تعلق صحيفة الأوبزيرفر على جدوى تنفيذ حكم الإعدام في الرئيس العراقي المخلوع فتقول إن ذلك لن يغير من الوضع الأمني المتدهور شيئا.

" فالمسلحون لا يقاتلون إحياء لذكرى الديكتاتور الراحل، بل سعيا لضمان مستقبلهم."

وتعتبر الصحيفة أن اعتقاد الإدارة الأمريكية أن إعدام صدام خطوة نحو الديموقراطية خطأ، اللهم إذا قرر البيت الأبيض تغيير خطته من أجل العراق.

وتنصح الصحيفة الولايات المتحدة بالدخول في مفاوضات مع النظامين السوري والإيراني على الرغم من أن ذلك سيكون قرار صعبا ومزعجا.

" فسوريا هي القاعدة الخلفية للحركات المسلحة -حسب الصحيفة- و إيران صارت المستفيد الأكبر من غزو العراق." في نفس الصحيفة، يعبر جايسون بورك، عن "ارتياحه لإعدام صدام، من أجل كل الذين قتلهم."

لكن سعيد أبو الريش يرى:" أن تنفيذ حكم الإعدام كان قرارا يفتقر إلى الحكمة، وأن العراق هو الذي سيؤدي الثمن."

ويروي جون سيمبسون، الذي يشتغل محررا للشؤون العراقية منذ 25 سنة، شهادته عن صدام حسين فيقول إنه " واجه الموت بجلد وهدوء. لقد كانت نهاية ميلودرامية لحياة من التحدي والمواجهة؛ أداء أخير لكي يصبغ على نفسه طابع الشهادة."

وترى الصحيفة في افتتاحيتها تحت عنوان" الجريمة والعقاب": أن الجدال حول مدى صواب إعدام الرئيس العراقي السابق "جدال في غير محله، لأن موته حادث على هامش العنف و الفوضى في عراق اليوم، وهما ثمرتان من ثمار نظامه الدموي."

و وفي ختام الافتتاحية تقول الصحيفة: لقد أراد صدام أن يكون جمال عبد الناصر آخر... لكن نتيجة سياساته كانت استقدام قوات غربية إلى العربية السعودية، و تحول العراق إلى ساحة للصراع بين إيران والولايات المتحدة. هذه النتيجة هي حكم في أقصى درجات الإدانة لصدام."  

شبكة النبأ المعلوماتية - الاثنين 1/كانون الأول  /2007 - 10 /ذي الحجة /1427