
يبدو ان هناك الكثير ممن يحن لسوط القمع وينتشي لاستعباد
الدكتاتورية ويحن لمن يقرعه بالعصى، وهذا مايحصل الان في اوربا الشرقية
حيث يحن البعض من شعوبها الى الانظمة الشمولية الشيوعية.
الشعب الروماني الذي اعدم الديكتاتور تشاوشيسكو في ثورة دموية امتدت
لعدة أسابيع قام فيها هذا الشعب بالقضاء على اعتى الأنظمة الاستبدادية
في أوربا والعالم ، يواجه ألان موجة ارتداد جديدة نحو الحكم الشيوعي
الشمولي . الذي اثبت فشله منذ قيام الثورة البلشفية عام 1917م وحتى
السقوط المريع للإتحاد السوفيتي نهاية القرن ألماضي. حيث يستغل الحزب
الشيوعي الروماني (الديمقراطية) التي حرم الشعب منها طوال أربعين سنة .
هي فترة حكم الرئيس تشاوشيسكو، ليتغلغل من جديد في الأوساط الشعبية
الرومانية .
أضاء الشيوعيون المتشددون في رومانيا الشموع على قبر الدكتاتور
السابق نيكولاي شاوشيسكو في الذكرى السنوية السابعة عشرة لوفاته يوم
الاثنين حيث يشعرون بقلق بالغ من انضمام رومانيا في غضون اسبوع الى
الاتحاد الأوروبي .
وتحدث أتباع الحاكم الشيوعي الذي أعدم في ثورة دموية عام 1989 بحنين
الى الايام التي كانوا يعتمدون فيها على المنح الحكومية في ظل العهد
الشيوعي .
وقالت أيلينا بيسكليفي (55 عاما) الى رويترز "اتي الى قبره كل عام
منذ ان قتل. لقد وفر لي مسكنا ووظيفة." واضافت "فعل شاوشيسكو اشياء
سيئة الا انه ساعدنا ايضا."
وأضافت أيلينا التي أحيلت للتقاعد وتنفق ثلث دخلها الشهري وقدره
مائة دولار على العلاج "لا اعتقد ان الانضمام للاتحاد الاوروبي ستكون
له اي نتائج.. سنعيش في نفس الحال الذي نعيش فيه الان وهو حال سيء."
ويواجه المتعاطفون مع تشاوشيسكو درجات الحرارة الشديدة البرودة يوم
25 من ديسمبر من كل عام لزيارة قبره إلا إن عددهم يتقلص مع مرور
السنوات حيث اكتسبت الاصلاحات الديمقراطية في رومانيا قوة دفع وجعلت
البلاد تفوز بدعوة للانضمام الى الاتحاد الأوروبي .
وهناك تأييد واسع النطاق بين الرومانيين للانضمام الى عضوية الاتحاد
الاوروبي لكن استمرار الفقر والقلق من المنافسة داخل الكتلة الغنية
والحنين الى ايام شاوشيسكو يعطي دفعة للسياسيين القوميين والشعبيين في
جميع انحاء البلاد.
وجاء اثنان منهما هما جيجي بيكالي الذي يدير حزب الجيل الجديد
الصغير وكورنيليو فاديم تودور زعيم حزب رومانيا الكبرى في المركزين
الثاني والثالث كأكثر السياسيين شعبية في استطلاع للرأي اجرته محطة
رياليتيتا التلفزيونية هذا الشهر.
وقالت ايلينا مونجيو بيبيدي مديرة الاكاديمية الرومانية "يبدو ان
رومانيا ستشهد تحولا ناجحا لكنه تحول لا يعالج جميع المشكلات." واضافت
"الحراس يتلقون اجورا افضل من الاطباء... هناك شعور عام بالكابة رغم ان
الناس يؤدون اعمالهم بشكل جيد."
ويشعر الدبلوماسيون الغربيون بالقلق من الصعود السريع لبيكالي الذي
حصل على اقل من اثنين في المئة في الانتخابات الرئاسية التي اجريت عام
2004 لكن شعبية حزبه وصلت الى نحو ثمانية في المئة هذا العام .
وتشير أحدث استطلاعات الرأي الى انه يحظى مع حزب تودور القومي
بتأييد نحو 20 في المئة.
ورغم الإصلاحات لاتزال رومانيا واحدة من افقر الدول الاوروبية حيث
لا يزيد متوسط الاجر الشهري عن 300 دولارفقط .
وقال مواطن يدعى اوريل باربالاتا (77 عاما) "عندما كان شاوشيسكو في
السلطة كانت رومانيا تصنع كل شيء من ابر الحياكة الى الطائرات. واليوم
باستثناء البناء لا شيء اخر يصنع هنا."
وليس بعيدا عن رومانيا فأن الحنين في روسيا لعهد الشيوعية الشمولية
ايضا يتجدد، فقد كان الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف يحدد إقامة
المعارضين في منازلهم وقضى آخر سنوات حياته يسير بصعوبة ويعاني من
الدوار بسبب كثرة العقاقير لكن الروس يرونه بمنظار جديد في الذكرى
المئوية لمولده حيث يعتبرونه الرجل الذي قاد بلادهم إلى ذروة قوتها.
ومثلما كان الحال في الاتحاد السوفيتي في عهد بريجنيف تسبح روسيا
حاليا في بحر من الأموال من عائد تصدير النفط والغاز وتشهد استقرارا
سياسيا وتعيش في حالة انسجام مع نفسها بصفة عامة.
لكن الصورة ينقصها احد مكوناتها. ففي عهد الرئيس الحالي فلاديمير
بوتين أصبحت روسيا قوة متوسطة ولم تعد القوة العظمى العالمية التي كان
يحكمها بريجنيف.
وتقام بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لمولد بريجنيف في 19 ديسمبر
كانون الأول سلسلة من المعارض وتعرض أفلام وبرامج وثائقية في التلفزيون
تركز كلها على نفس الموضوعات وهي الحنين إلى الثقة التي كانت تسود في
عهد بريجنيف والتطلع إلى استعادة زمن كانت فيه بقية العالم تتعامل مع
الكرملين باحترام ممزوج بالرهبة.
وقال نيكولاي باباكوف كبير المسؤولين عن التخطيط الاقتصادي في عهد
بريجنيف لمحطة روسيا التلفزيونية التي تديرها الدولة "كنا في المرتبة
الأولى أمام كل الدول الرأسمالية. ربما نكون قد بالغنا في الأمور بعض
الشيء لكن يبقى الواقع أن الناس كانوا يتوخون الحرص البالغ في معاملة
الاتحاد السوفيتي."
وتأتي مثل هذه الإشادات بمثابة تحول في صورة بريجنيف الذي كان مكانه
الرئيسي في تاريخ روسيا حتى الآن هو النكات الساخرة.
ومرض بريجنيف وأدمن عقاقير تسكين الألم في آخر عمره وأصبح حديثه غير
واضح وكان يبذل جهدا فيما يبدو ليبقى مستيقظا. وتروى طرفة تقول إنه بدأ
كلمته في حفل افتتاح دورة موسكو الأولمبية عام 1980 قائلا
"أو.أو.أو.أو.أو" حيث اعتقد ان الحلقات الاولمبية الخمس هي بداية النص
المكتوب بدلا من بداية خطابه.
ولد بريجنيف لأسرة من الطبقة العاملة وشق طريقه إلى أعلى من خلال
النظام البيروقراطي السوفيتي إلى أن وقع عليه الاختيار لمنصب الأمين
العام للحزب الشيوعي كحل وسط بعد إقالة نيكيتا خروشتشوف عام 1964.
وتعرض الكاتب الكسندر سولجنستين للنفي إلى الولايات المتحدة في عهد
بريجنيف وحددت إقامة المعارض أندري سخاروف في منزله. وكانت الحرب
الباردة في ذروتها.
وغزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان في عملية تحولت بعد ذلك إلى كارثة
عسكرية.
لكن عمليات التطهير الدموية التي شهدها عهد ستالين واضطرابات عهد
خروشتشوف انتهت وحلت محلها فترة من الركود السياسي عرفت باسم "زاستوي"
أو التوقف التام نعم فيها الشعب بوفرة نسبية.
وبعد وفاة بريجنيف عام 1982 تفكك الحكم السوفيتي ببطء وهوى الاقتصاد
إلى الحضيض. وفي غضون ثلاثة أعوام تولى ميخائيل جورباتشوف السلطة وبدأ
عملية تفكيك الشيوعية التي اتسمت بالفوضى.
وفي ظل هذا التاريخ يرى كثير من الروس اليوم في عهد بريجنيف أفضل
فترة عرفها الاتحاد السوفيتي.
وقال فلاديمير موسايليان الذي كان مصور بريجنيف الخاص خلال معظم
سنوات حكمه الذي استمر 18 عاما "هناك نوع من الحنين إلى تلك الفترة."
ويقيم موسايليان معرضا لبعض الصور التي التقطها للزعيم السابق في
متحف في الميدان الأحمر على بعد بضع مئات من الأمتار من المكان الذي
كان بريجنيف يلوح فيه بيده في حركة متصلبة للدبابات وقاذفات الصواريخ
أثناء مرورها خلال العروض العسكرية.
ويظهر بريجنيف في صورة لم تنشر من قبل يمسح دموعه أثناء جنازة
والدته. ويظهر في صورة أخرى يحتسي الشمبانيا مع الزعيم الكوبي فيدل
كاسترو على متن زورق سريع.
وقال موسايليان لرويترز "أصاب (المعرض) وترا حساسا فيما يبدو. لو
كان أقيم قبل بضع سنوات لما كان سيحظى بهذا الصدى. يحتاج الناس إلى وقت
ليعيدوا تقييم ماضيهم."
وأضاف "ربما لم تكن حياتنا (في عهد بريجنيف) تشهد مثل هذه الوفرة
وربما لم نكن بهذا الثراء وربما لم تكن ملابسنا بهذه الجودة. لكننا كنا
نعيش على ما يرام ولم نكن نخشى اي شيء."
ولا يشعر فلاديمير ريجكوف عضو البرلمان الليبرالي المؤيد لسياسة
السوق المفتوحة بالحنين للشيوعية. لكن حتى هو يقول إن الحياة في عهد
بريجنيف كانت أفضل في بعض الجوانب من الحياة في روسيا في عهد بوتين.
وقال ريجكوف لرويترز "اليوم يشبه كثيرا الفترة الأخيرة في عهد
بريجنيف عندما كانت أسعار النفط العالمية مرتفعة وكان الاتحاد السوفيتي
لديه كثير من المال."
وأضاف "لكن في تلك الفترة لم يكن لدينا الفساد الذي نراه اليوم.
كانت نوعية الرعاية الصحية جيدة ومجانية. الآن يتعين أن تدفع رشى
للحصول على الخدمات العامة."
ومهما كانت الدكتاتورية يحبذها البعض لانها حسب رأيهم تنتج الانضباط
الحديدي وتوكل مسؤولية الفرد للقائد الاوحد، لكن تبقى الديمقراطية مهما
تثير من مشكلات وفوضى ومسؤليات افضل لانها تحترم كرامة الانسان وتحمله
مسؤوليات اختياراته، وتؤدي الى تداول السلطة وتغيير الحاكم وتحافظ على
حريات التعبير ان طبقت بصورة سليمة ولم تتعرض للاستغلال والتشويه. |