العمل الخيري بأساليب جديدة في امريكا

 الابتكارات الجديدة في أساليب عمل الخير بإمكانية التبرع عبر الإنترنت وبإضفاء البعد التجاري أو الاستثماري على المشروعات الخيرية يسرت لمزيد من الأفراد والشركات الأميركية التبرع بالمال لمن هم أقل حظا في جميع أرجاء العالم، وسمحت لهم بأن تكون لهم كلمة في كيفية إنفاق تبرعاتهم.

وحسبما يقول آلان أبرامسون المتخصص في شؤون قطاع الهيئات والمؤسسات الخيرية بمعهد آسبن بواشنطن، فإن هذا أمر حميد، إذ إنه دفع تبرعات الأميركيين نحو قمة بلغت 260 مليون دولار خلال العام الماضي 2005، وذلك بزيادة عدد الأفراد – بمن فيهم غير الأثرياء-  الذين يتبرعون بمبالغ صغيرة باستخدام الإنترنت للأغراض والقضايا التي يؤمنون بها.

وفي مقابلته مع موقع يو إس إنفو قال أبرامسون "إن الأميركيين كانوا عادة يقدمون تبرعاتهم بكتابة شيك مصرفي للمنظمة أو المؤسسة التي يرغبون في مساعدتها. لكن مع ظهور الصيحة الجديدة في مجال فعل الخير أصبح باستطاعة الراغبين في التبرع تقديم تبرعاتهم عبر الإنترنت وبذلك أصبحوا فعالين بدرجة أكبر في أنشطة المنظمات الخيرية."

وفي بعض الأحيان قد يعني التبرع تقديم المشورة أو الخبرة لمنظمة خيرية أو السعي للمشاركة في عضوية مجلس إدارة إحدى تلك المنظمات. ويضيف أبرامسون أن فعل الخير في عصرنا الراهن يحتذي حذو المؤسسات الرأسمالية الاستثمارية التي تجمع بين شركاء من صغار المستثمرين الراغبين في الاستثمار بصورة جماعية في شركة تجارية معينة.

كان أندرو كارنيغي أول من صاغ تلك العبارة عبارة الاستثمار في الأعمال الخيرية في العام 1911 حينما أنشأ مؤسسته لأنه كان يريد أن تكون لأمواله آثار دائمة أو استراتيجية. ورغم أن تلك العبارة ترتبط عادة بمن يتبرعون بمبالغ كبيرة، إلا أن الأفراد ذوي القدرات المحدودة كانوا "يريدون المشاركة" أيضا حسبما قال أبرامسون. وفي الوقت الراهن تميل الاستثمارات في الأعمال الخيرية إلى أن تكون متمشية مع الأهداف الاستثمارية لأصحاب رؤوس الأموال الذين يشاركون في توجيه استثماراتهم.

من ناحية أخرى قالت سارة إنغلهارت رئيسة مركز المؤسسة بنيويورك في مقابلتها مع موقع يو إس إنفو "إن الدافع الإنساني الرئيسي وراء التبرع بالمال لشخص يكون محتاجا إليه هو الرغبة في إحداث تغيير في العالم."

وأضافت أن الاستثمار في الأعمال الخيرية أو العطاء الاستراتيجي يسمح للأفراد والجماعات بالتأثير فيما يحدث من تغيير اجتماعي.

وتشير إنغلهارت إلى أن الشركات تدرك قيمة الاستثمارفي الأعمال الخيرية، لأن بعض الشركات بدأت تزيد مساهمتها في التبرعات بتقديم ما يفوق قيمة تبرعات العاملين بها. وبعض الشركات تدفع لموظفيها مرتباتهم كاملة عن الفترة التي يغيبون فيها عن العمل للمشاركة في الجهود الإنسانية أو جهود الإغاثة. وطبقا لما تقوله مؤسسة العطاء في الولايات المتحدة فإن تبرعات الشركات الأميركية وصلت إلى مبلغ لم يسبق له مثيل في العام 2005 هو 14 بليون دولار.

* المحسنون المستثمرون:

إن الأميركيين بطبيعتهم يشعرون بامتنان لما قدمه لهم العالم من خير، حسبما قالت إنغلهارت، وهم يريدون رد الجميل. وفي أغلب الأحيان تكون التبرعات الفردية هي أكبر مصدر للتبرعات في الولايات المتحدة، وقد بلغت التبرعات الفردية 77% من مجموع التبرعات بالولايات المتحدة في العام 2005. ومع ذلك فإن بعض أكثر المستثمرين نجاحا في الولايات المتحدة يعتبرون أن رد الجميل للعالم يعني استثمارا ماليا في هذا العالم.

ومن بين أولئك المستثمرين من وقعوا على اتفاق لإنشاء نموذج للجمعيات الخيرية أطلقوا عليها وصف الجمعيات الخيرية التي تهدف إلى تحقيق أرباح – وهذا النموذج يهدف إلى بلوغ هدف مزدوج: تحقيق أقصى عائد مالي، وتحقيق أقصى عائد اجتماعي.

وطبقا لما يقوله أبرامسون، فإن المحسنين المستثمرين من الأميركيين لا يسعون للحصول على إعفاءات ضريبية على ما يستثمرونه من أموال مقابل ما ينفذون من مشروعات خيرية. وإنما هم "يغامرون بالتجربة، ولكنهم يغامرون في مشروعات لا تقبل البنوك على الاستثمار فيها في أغلب الأحيان."

ومعظم الاستثمار في المشروعات الخيرية يتضمن الاستثمار بإعطاء قروض صغيرة أو متناهية الصغر في مناطق ريفية فقيرة في جميع أرجاء العالم. ونذكر هنا رجل الاقتصاد وخريج منحة فولبرايت الدكتور محمد يونس الذي حصل على جائزة نوبل للسلام في العام الحالي 2006 على جهوده الرائدة بتقديمه -عبر بنك غرامين- قروضا صغيرة بفائدة منخفضة دون أي ضمانات لسبعة ملايين من المواطن الفقراء، معظمهم من النساء، في بنغلاديش.

إن المحسنين المستثمرين يعتقدون أن من المناسب والمهم بالنسبة للسوق أن يعمل في سبيل تحقيق هذا الهدف المزدوج  حسبما قال مارك روزينمان أستاذ الخدمة العامة بمعهد وجامعة الاتحاد بولاية سينسيناتي، لأنهم يستثمرون في أشخاص لا يحصلون على ما يناسبهم من خدمات ويعيشون في مناطق مهمشة.

وعلى سبيل المثال، فإن بيير أوميديار مؤسس ورئيس مجلس إدارة موقع (إي باي) الشهير للمزادات على الإنترنت يوزع بسخاء رؤوس أموال في صورة قروض متناهية الصغر في جميع أنحاء العالم. وموقع غوغل وهو من أشهر أدوات البحث على الإنترنت ومقره ولاية كاليفورنيا يشارك منظمة خيرية استثمارية تسمى صندوق آكيومان ومن بين المشروعات التي تساهم في تمويلها مشروعات للري والرعاية الصحية وقروض إسكان ميسرة في الهند وكينيا وباكستان.

وإضفاء هذا البعد التجاري أو الاستثماري على المشروعات الخيرية لم يقتصر على اجتذاب أموال التبرعات الخيرية فحسب، وإنما أصبح يجتذب إليها أيضا أموال المستثمرين لأن المشروعات التي تسثمر فيها تدر أرباحا. وأحدث المشروعات الخيرية الاستثمارية في أميركا تتبع النموذج المستخدم في المشروعات التجارية بالمشاركة في توجيه الاستثمارات. فإلى جانب تقديم القروض يوفر المستثمرون ورش عمل جماعية، وحلقات للتدريب واجتماعات مع أصحاب الشركات التجارية في المنطقة.

وقال أبرامسون "هناك تنافس بين الأقران على النجاح وعلى تسديد القروض."

ويقول الخبراء إنه نظرا لأن تمويل المشروعات الصغيرة والقروض المتناهية الصغر كان له تأثير إيجابي كبير بصفة خاصة على الحياة الاقتصادية للمرأة وتعزيز مكانتها في جميع أنحاء العالم، فإن العديد من القروض الصغيرة تقدَّم للمرأة بعد أن أصبح لها سجل راسخ في تحقيق النجاح في تلك المشروعات، وأصبحت الأسرة كلها والمجتمع يلمسان مزاياها في المدارس والعيادات الطبية وأماكن العمل.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 25/كانون الأول  /2006 - 3 /ذي الحجة /1427