بالنسبة للكثيرين في قرى الهند.. المستقبل في المدن

  

يتطلع نيربال سينغ الى الأفق في الصباح الباكر فيرى الضباب يغلف حقول قصب السكر في أرضه فيأخذ نفسا عميقا من الهواء الذي ساعد عدم ظهور الشمس بعد في جعله منعشا.

يعترف المزارع الهندي البالغ من العمر 30 عاما بأنه منظر يساعد على النشاط يمكن أن يصحو عليه المرء يوميا في الشتاء ولكنه ليس طيبا بما فيه الكفاية لابنيه الملتحقين بالمدرسة واللذين يتمنى ان يجدا عملا في يوم من الايام في المدن الهندية المزدحمة التي تعاني التلوث والتكدس.

قال سينغ في اميناجار وهي قرية زراعية منتعشة على بعد 65 كيلومترا الى الشرق من نيودلهي "العمل بالنسبة لي في الحقول لا بأس به وأنا أتمتع بالهواء النقي والخضرة ولكن ابني يمكنهما أن يبليا بلاء أفضل من خلال التعليم ووظيفة جيدة في المدن."

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية غادر اكثر من 20 شخصا القرية التي يبلغ سكانها اكثر من 550 نسمة متجهين الى العاصمة الهندية التي تعاني من التلوث بحثا عن فرص العمل. ويقول سكان محليون ان هذا التدفق خارج القرية لن ينتهي قريبا.

وفي انحاء الهند أدى تفتت ملكية الاراضي ونقص التعليم والخدمات الصحية والحاجة الى دخل ثابت الى فرار ملايين من سكان القرى الى المدن الكبيرة حتى من قرى زراعية منتعشة نسبيا مثل اميناجار.

وتظهر بيانات رسمية أنه خلال الفترة من 1991 الى 2001 انتقل 68 شخصا على الاقل الى مناطق حضرية في الهند والكثير منهم اضطروا للنوم على الارصفة أو العيش في أزقة قذرة.

ولكن الانتعاش الاقتصادي الذي تمر به الهند حاليا يتركز حول المدن خاصة المدن الكبرى مثل نيودلهي وبنجالور مركز التكولوجيا مما يؤدي لاجتذاب سكان القرى الذين يبحثون عن فرص العمل.

وتساءل سينغ النحيل فيما بعد وهو يجلس على مقعد خشبي في فنائه الطيني بمنزله محتسيا الشاي "ما الذي فعلته الحكومة من أجل القرى. لا شيء تقريبا. أبناؤنا سيكونون أفضل حالا في المدن."

وقد أرسل بالفعل ابنه الاكبر الى مدرسة ابتدائية تدرس باللغة الانجليزية في مدينة بيون بغرب البلاد على بعد اكثر من 1400 كيلومتر حيث يعيش الابن مع أقاربهم.

ويشكو سكان أميناجار من أنه بالرغم من قربهم من نيودلهي فان حصولهم على الكهرباء يقتصر على ست ساعات فقط يوميا كما أن القرية لا يوجد بها مدرسة ثانوية أو مستشفى حكومي.

وقال نيراج سينغ وهو من سكان القرية قوي البنية ويبلغ 25 عاما ولم يلتحق أبدا بالتعليم الثانوي "أصبح عدد متزايد من أبنائنا يحصلون على التعليم لذلك فانهم لن يرغبوا في رعاية الارض. بالتعليم الذي يحصلون عليه لن يحصلوا على وظيفة هنا."

ويقول خبراء في التنمية ان أنباء انتعاش تكنولوجيا المعلومات في المدن ومراكز التوظيف والمراكز التجارية الهائلة والمصانع متعددة الجنسيات أدى الى الحد من سكان القرى الهندية البالغ عددها 600 ألف كما أنها تزيد من استياء أهل الريف.

وقال سانتوش ساتيا الاستاذ في مركز التنمية الريفية والتكنولوجيا الملائمة في معهد التكنولوجيا الهندي بنيودلهي "الانطباع السائد هو أن سكان المدن يتمتعون بثمار النمو الاقتصادي الحديث وأصبح نمط الحياة في المدن هو القدوة وان كانت قدوة زائفة."

وبالنسبة للعام الذي انتهى في مارس اذار عام 2006 بلغ اجمالي الناتج المحلي 8.4 في المئة أي أن هناك فارقا كبيرا يفصله عن النمو الزراعي الذي بلغ 3.9 في املئة.

وتقدر الحكومة أن عدد السكان في المناطق الحضرية من الممكن أن يصل الى 50 في المئة بحلول عام 2045 ارتفاعا من النسبة الحالية التي تبلغ 28 في المئة من 1.1 مليار نسمة.

ويقر مسؤولون بأنهم يواجهون تحديا في تحقيق التوازن بين احتياجات المدن والريف في دولة نامية.

وقال ب.ك موهانتي وهو مسؤول رفيع في وزارة الاسكان ومكافحة الفقر بالمدن "نحن بلد ضخم المساحة والمشكلة ضخمة... علينا أن نحقق توازنا بين النمو والمساواة."

وفي فبراير شباط أطلقت الهند برنامجا طموحا لمواجهة فقر الريف من خلال السعي لضمان اجور 100 يوم من العمل كل عام للاسر القروية.

وتشير تقديرات الحكومة الى أن البرنامج سيكلف الدولة نحو تسعة مليارات دولار سنويا عندما ينفذ في انحاء البلاد.

ولكن سكان قرية اميناجار حيث يجر الجاموس العربات المحملة بالمحاصيل يقولون ان الفساد يبطل كل برامج الرعاية بالريف.

وقال سينغ الذي تسرب من التعليم في المرحلة الثانوية "تصل خمسة في المئة من الاموال التي تخصصها الحكومة بشق الانفس الى القرى."

ولكن اخرين أقل نقمة على القرى الهندية حيث تعيش مجتمعات متلاصقة وترعى الاراضي منذ عصور.

وقال جيريراج سينغ وهو مزارع عمره 65 عاما "أين هو المكان الذي يمكنني أن أستيقظ فيه الساعة الرابعة صباحا وأشرب الحليب من الجاموس مباشرة وأتنفس مثل هذا الهواء النقي."

وأردف قائلا "الناس سيغادرون القرية الى تلك المدن ولكن الحياة ستستمر هنا."

المصدر: رويترز

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 13 /كانون الأول  /2006 -21 /ذي القعدة /1427