لماذا العقل ؟

عقيل يوسف عيدان*

ربما من المفيد أن نسأل أنفسنا – بين الفينة والأخرى – ما هي الغاية من وجود الإنسان في هذا العالم الدنيوي الفاني ؟

لا جدال في أن الصفة الرئيسة التي تميز الإنسان عن سائر المخلوقات هي ((العقل)). وعلى ذلك فلا بد أن تتسق الغاية من وجوده مع هذه الخاصة الأساسية المميزة له، أي أنها لا بد أن تكون مما يتلاءم مع العقل الإنساني بلا غرابة ولا شذوذ، بحيث يمكن أن يقال إن هذه الغاية مما يصح أن يساعد على تحققها العقل البشري في حالاته الطبيعية، أو بحيث يمكن أن يقال إن هذه الغاية لا بد أن تكون ميلاً طبيعياً له، أو إشعاعاً صادراً عنه.

فإذا كانت الغاية من وجود القلم هي الكتابة، ومن وجود السّلم هي الصعود، وإذا كانت الغاية من وجود السيارات هي النقل، ومن وجود الأزهار الورود هي بث العبير، فكذلك لا بد أن تكون الغاية من وجود الإنسان هي ممارسة النشاط العقلي بشتى صوره وضروبه.

ومعنى هذا الكلام أن الإنسان يجب أن يطمح إلى حياة فاضلة، أي حياة فكرية ومعنوية، متميزة عن الحياة المادية البحتة التي يعيشها غيره من المخلوقات.

ومن الحق أن الأغراض المادية كالتناسل، والبنية السليمة، واللذائذ الحسية، والأكل والشرب، كل أولئك أغراض ليست غريبة على طبيعة الإنسان، ولكنها مما يشاركه السعي إليها المخلوقات غير العاقلة.

وبذلك لا تعد غايات للإنسان أصيلة ينفرد بها بين المخلوقات. وإنما الغاية المميزة له هي بلا شك تلك التي تتواءم مع خاصته المميزة وهي العقل .

وما دامت غاية الإنسان هي الحياة المعنوية الفكرية فلا بد أن تكون الوسيلة إليها متطابقة مع كونه مخلوقاً عاقلاً، أي مع طبيعته العاقلة، والقوانين المستمدة منها بالفكر والتجربة.

إذن فالقوانين الطبيعية كامنة وأصيلة في طبيعة الإنسان يدركها الباحث عنها كما يدرك الكيميائي بالبحث قوانين المادة التي بفاعليتها تتم التغيرات الكيماوية. وكما يدرك الطبيب وظائف الجسد، والقواعد المنظمة لها، فالإنسان، بالعقل والتجربة، وبتأمل مظاهر الحياة المحيطة به، وواقعها الذي يمارسه لحظة بلحظة، وجيلاً بعد جيل، يستطيع أن يكون لنفسه أحكاماً بشأن قواعد السلوك التي يجب عليه الالتزام بها.

ومن ثم فهو – أي الإنسان – يعلم أن أعمالاً بعينها تدفع به إلى معارج الكمال، وأعمالاً أخرى بعينها تهبط به إلى درك الخسّة والهوان.

والعقل يستحثه إلى معانقة الأولى، ويحذره مغبة التورط في الثانية لأنه إن فعل خالف بذلك النظام الطبيعي الذي ينبني عليه وجوده كله.

وعلى ذلك فإن العقل هو المحك الذي يختبر به ما إذا كان عمل ما، أو قانون ما، يتفق مع الطبيعة أو لا يتفق. فانسجام العمل أو القانون مع أحكام العقل هو انسجام بالتبعية مع مستلزمات الطبيعة، أو بالأحرى، مع قانون الطبيعة، والعكس بالعكس.

 * باحث وكاتب كويتي .

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين11  /كانون الأول  /2006 -19 /ذي القعدة /1427